أعداء الحل السياسي يعمقون جذريته!

في الوقت الذي يطفو فيه على «السطح الإعلامي»، نقاش حاد مكرر حول إمكانية الحل السياسي من عدمها، وتجري ملاحقة الأحداث الميدانية بالمجهر، فهنا تقدم وهناك تراجع، وفي المنطقة الفلانية تفجير وفي أخرى اشتباك وإلخ، وتؤخذ هذه الأحداث بوصفها «محددات أساسية» بل ونهائية لما يمكن أن يكون عليه مصير الحل السياسي.

في هذا الوقت بالذات يجري الصراع الفعلي والحقيقي، لا بين «حل سياسي» و«حل عسكري»، بل يجري الصراع على طبيعة الحل السياسي واتجاهاته، ذلك أنّ مختلف الأطراف السياسية باتت مقتنعة قناعة تامة بأن الحل السياسي ماض قدماً وبشكل متسارع.

إنّ ما يبرز من إعاقات وعرقلات من أطراف متشددة على جانبي المتراس لا تعدو كونها محاولات لأخذ مزيد من الوقت المستقطع الهدف منه إجراء ترتيبات المرحلة القادمة بالشكل الأمثل بالنسبة لكل منها.

ما يحدث عملياً، هو أنّ هؤلاء المعرقلين، ولأن سير الأمور بات من الواضح أنه لا يخدمهم، يقومون بمزيد من العرقلات لعل وعسى يعيدون توجيه الدفة صوب مصالحهم، وهم بهذه العملية يصطدمون بشكل أكثر حدة مع التوافق الدولي الروسي- الأمريكي على إنهاء الأزمة سياسياً بحلول توافقية وسط، لا تلبي برامج أي من المتطرفين، وهي لذلك حلول تناقض برامجهم، حسماً وإسقاطاً، حكومة موسعة وهيئة حكم انتقالي.

وبازدياد تناقض المتشددين مع التوافق الدولي عبر تمسكهم بكامل برامجهم، يوجهون دفة الأحداث نحو هزيمتهم المؤكدة في معركة الحل السياسي! وهو الأمر الذي سيصب في مصلحة سورية والسوريين.

عدا عن ذلك، وبغض النظر عن الشعارات «الثورية» و«الوطنية» التي يتغطى بها المتشددون، فإنّ برامجهم الاقتصادية الاجتماعية، تشترك في كونها ليبرالية، و التي تعني بالملموس السوري: فساداً كبيراً تابعاً لمنظومة النهب الغربية، يدمر اقتصاد البلاد بشكل مستمر ويمنع نهضته أو قيامه مجدداً، بل ويمنع إعادة إعماره تحت شعار «إعادة الإعمار»، كما الحال مع ثنائي الحريري- السنيورة في لبنان، الذي حول عملية إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية إلى عملية نهب مليارية كبرى، بالتوازي مع محاصصة سياسية طائفية بين أمراء الحرب..

إنّ واحدة من أهم سمات المرحلة القادمة في سورية، ومن سمات حلّها السياسي، هي التناقض بين مصالح الشعب السوري والوضع الدولي الجديد من جهة، وبين برامج المتشددين وأمراء الحرب، من جهة أخرى، وهم بعمليات العرقلة التي يقومون بها إنما يجذرون الحل السياسي أكثر، ويفتحون الأبواب واسعة أمام خيارات وحيدة الاتجاه.. خيارات جذرية كلمة السر فيها هي إنهاء التبعية الاقتصادية نهائياً عبر اقتصاد إنتاجٍ حقيقي تتحكم به دولة قوية تخضع لرقابة مجتمع نشيط ومنظم سياسياً..