أزمة تلو الأزمة مؤشرات قدوم التأزم المالي

أزمة تلو الأزمة مؤشرات قدوم التأزم المالي

أصبح من الواضح أن الأزمات المالية ليست حوادث منفصلة، بل هي ظواهر مترابطة وعالمية، وتعود إلى فترة تحرير الأسواق المالية في مرحلة تاتشر- ريغان مطلع الثمانينات.

إن الحوادث الثلاث الأبرز في هذا السياق، هي: انتقال فائض رأس المال إلى شرق آسيا، بعد أن انفجرت الفقاعة اليابانية في أواخر الثمانينات والتي كانت مركز المضاربة في ذلك الحين، وساهم رأس المال الفائض في خلق الأزمة المالية الآسيوية في 1997-1998، والأزمة الآسيوية بدورها ساعدت في الانهيار المالي في وول ستريت في عام 2008، حيث توجهت رؤوس الأموال من هناك إلى الولايات المتحدة، لتساعد في تأجيج طفرة العقارات. واليوم لم يتغير شيء، وتظهر المؤشرات الحالية أنّ العالم يتزلج على الجليد الرقيق مرة أخرى.
فأولاً: المصطلح الذي أطلق في 2008 حول البنوك المأزومة: (أكبر من أن تفشل) قد تفاقم اليوم. والبنوك «الست الكبرى» في الولايات المتحدة قد أصبحت أكبر: جي بي مورغان، سيتي جروب، ويلز فارغو، بنك أمريكا، جولدمان ساكس، ومرغان ستانلي. قد زادت ودائعهم مجتمعين بنسبة 43%، وزادت أصولهم بنسبة 84%، وضاعفوا ثلاث مرات كمية الكاش التي يملكونها قبل عام 2008. مضاعفين بهذا من خطر سقوط النظام المصرفي ليكون أكبر من مستوى عام 2008.
أما ثانياً: فلا تزال هذه البنوك على السلوك ذاته الذي دفع إلى الأزمة، حيث يتم تداول المنتجات المالية الخطرة، والتي تشمل حوالي 6,7 تريليون دولار من الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، حيث تم الحفاظ على قيمتها من الانهيار، لأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اشترى 1,7 تريليون دولار منها.
تمتلك البنوك الأمريكية مجتمعة 157 تريليون دولار من المشتقات، أي: حوالي ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وهذا يزيد بنسبة 12% عما كانت عليه في بداية أزمة عام 2008. وتمثل سيتي غروب وحدها 44 تريليون دولار، أو 50% زيادة على مقتنياتها في عام 2008.
أما ثالثاً: فتستمر النجوم الجديدة في النظام المالي العالمي، بالتوسع، وتحديداً اتحاد المؤسسات الاستثمارية، المكونة من صناديق الاحتياط، وصناديق الأسهم الخاصة، وصناديق الثروة السيادية، وصناديق المعاشات التقاعدية، وكيانات المستثمرين الأخرى... تستمر بالتجول في الشبكة المالية العالمية دون رادع، وتعمل في إطار الملاذات الضريبية، وتبحث عن فرص المضاربة في العملات والأوراق المالية، أو إعادة شراء أسهم الشركات لتكبير ربحيتها. ويتركز هنا حوالي 100 تريليون دولار في أيدي هذه الملاجئ الضريبية العائمة للأغنياء الكبار في 20 صندوق من هذا النوع.
رابعاً: تحقق هذه الأطراف المالية الأرباح الكبيرة، بناء على بحر السيولة العائم والمقدم من البنوك المركزية عبر العالم، التي أطلقت المال الرخيص عبر طباعة تريليونات الدولارات من الدَّين، لترفع مستوى الدَّين العالمي إلى 325 تريليون دولار، أكبر بثلاث مرات من الناتج الإجمالي العالمي.
من كل ما سبق، إن الاقتصاديين العالميين، يُجمعون ومن مختلف الأطياف السياسية، أنّ كل هذا التراكم في الديون، لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى، دون أن يطلق الكارثة.

*عن مقال Walden Bello: Crisis after crisis: what do indicators tell us about the driveway toward the next financial crisis

معلومات إضافية

العدد رقم:
909
آخر تعديل على الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2019 12:14