إجراءات ووعود بعد الانهيار المتسارع لليرة:  ما هي وما الجديد؟

إجراءات ووعود بعد الانهيار المتسارع لليرة: ما هي وما الجديد؟

الجميع يتحدث عن جملة القرارات المتخذة والموعودة عقب الانهيار المتسارع في قيمة الليرة خلال الفترة الماضية... التصريحات الحكومية واجتماعات مجلس وزرائها تجعلك توشك أن تصدّق أننا نسير باتجاه إحياء النشاط الإنتاجي، ووضع حدود للنشاط المضاربي وتنظيم التجارة الخارجية، بل إن بعضها يقول إن برنامجاً لإحلال 80% من الواردات يُصبح وشيكاً. فما الوعود وما القرارات حتى الآن؟

صعّدت الفعاليات الاقتصادية الصناعية والتجارية تحذيراتها وانتقاداتها عقب التدهور السريع في قيمة الليرة السورية، هذا عدا عن موجة الاحتقان الاجتماعي ونذائر الفوضى الموضوعية التي رآها كل عاقل، ولديه الحدود الدنيا من الغيرة والخوف على البلاد: أسعار جنونية، نقص حاد بالطاقة، معامل كبرى أغلقت، استيراد العديد من المواد تعطّل، ومواد أساسية تقلّصت كمياتها، حلقات إنتاج زراعي تقلّصت، وبدأت مؤشرات موجة هجرة ولكن للمقتدرين مالياً وأصحاب الفعاليات، وليس لعموم الشغيلة السوريين ممن ينتظرون رسائل الغاز.

اجتمعت الحكومة مع ما يسمى لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية، وخرجت غرف الصناعة والتجارة متفائلة والحكومة طبعاً (التي لا يفارق التفاؤل تصريحاتها) وتمّ الحديث عن الكثير من القرارات المرتقبة والتوافقات.
ومجالات الاهتمام الأساسية ثلاثة: إنتاج بدائل المستوردات، ضبط التجارة الخارجية، والإجراءات النقدية وسعر الصرف.

تصنيع بدائل المستوردات خطة تنتظر المستثمرين

على مدى اجتماعين لمجلس الوزراء تمّ التركيز على ما يسمّى (مصفوفة إحلال الواردات) حيث تبين أنّ نسبة 80% من المستوردات السورية يمكن إنتاجها محلياً في 67 منتجاً وقطاعاً. وبدأ الحديث عن أضابير الاستثمارات المطلوبة لإنجازها والدراسات لجدواها، ومن بينها 100 مشروع إستراتيجي ستطرح على شركاء التعاون الدولي، وخارطة استثمارية ستطرح على المستثمرين المحليين.

بالملموس، تمّ الحديث عن الخميرة مبدئياً ومعمل لإنتاجها (وهي التي كانت ولا زالت تُنتج جزئياً في شركة سكر حمص وتغطي حاجة أربع محافظات).
هذه الاستثمارات الصناعية التي يفترض أن تستبدل المستوردات، تنتظر جهود المستثمرين، الدوليين أو المحليين. بينما يقتصر دور الحكومة على وضع الأهداف وتقديم حوافز دعم، مثل: إعداد الدراسات وتسهيل التراخيص، وحوافز أخرى لا تزال في إطار المقترحات، مثل تقديم الأراضي في المناطق والمدن الصناعية بتسهيلات، ودعم البنى التحتية من كهرباء وغيرها، والحديث أيضاً عن دعم لفوائد القروض الإنتاجية في هذه الاستثمارات.
أمّا أن تقوم الحكومة بالاستثمار الإنتاجي في هذه المشاريع، فهو ما لم يتم الحديث عنه، ودائماً نتيجة (نقص الإيرادات العامة). فالحكومة في هذا العام اقترضت من المصارف العاملة لتمول ميزانيتها وحصلت من أول إصدار لسندات الخزينة على 148 مليار ليرة ستعيدها مع فوائد تقارب 10 مليار ليرة بعد عامين.

ضبط التجارة الخارجية: تمويل المستوردات ودعم الصادرات

الكثير من الحديث في مجال التجارة الخارجية- واردات وصادرات- يرتبط أيضاً بمسألة سعر الصرف. الكثير منها توافقات لم تُقر حتى الآن، مثل الحديث عن دراسة الإعفاء من الرسوم غير الجمركية، للمنتجات التصديرية وكذلك للمستوردات الأساسية التي عليها رسم جمركي 1% وهي غذائية بالدرجة الأولى. بداعي تحفيز الصادرات، وتقليص تكاليف المستوردات الغذائية الأساسية.

أمّا ما تمّ إقراره فيرتبط بالمواد الغذائية الأساسية أولاً، مثلاً إجراءات لتسهيل استيراد الأعلاف للدواجن والماشية، واستيراد العجول للتسمين...
بينما التغييرات الكبرى هي على عملية تمويل المستوردات وفق التالي:
عملياً تغيرت طبيعة تمويل المستوردات بشكل كبير، أولاً من حيث المواد، وثانياً من حيث سعر الصرف المدعوم.
فسعر دولار 435 ليرة بقي مطبقاً على مجموعة من عشر مواد أساسية (سكر، رز، شاي، معلبات التونة والسردين، حليب الأطفال الرضع، الأدوية البشرية وموادها الأولية، البذور الزراعية، المتة، بيض التفقيس وصيصان إنتاج الدواجن والبيض، الزيوت والسمون النباتية الخام). ولكن فقط للمستوردين الذين وقعوا عقوداً مع الدولة مؤسسة التجارة الداخلية أو الخارجية.
أي عملياً استمر الدعم بالدولار رخيص السعر للمستوردين الكبار المحظيين بعلاقة مع جهاز الدولة والمُعتَمدين لاستيراد مواد أساسية لصالحها. وبهذه الحالة يفترض أن تبيع المؤسسة بأسعار أقل من السوق بكثير، سعر كيلو السكر يقارب 150 ليرة، والرز بما يقارب 200 ليرة، والشاي بما يقارب 1000 ليرة وهلمّ جرّا، والأسعار فوق هذا المستوى تكون بربح إضافي عالٍ للمستوردين الوسطاء.
إن تزويد المستوردين الكبار المتعاقدين مع الدولة بدولار بـ 435 ليرة سيستمر، وهو يؤمن ربحاً من تسعير المواد ومن الدولار الرخيص. كما أنه يمكن أن يؤمن ربحاً من عدم توزيع كامل هذه الكميات للمستهلكين بل بيعها في السوق، وهو ما تشير إليه الكميات القليلة الموزعة على البطاقة الذكية حتى الآن... فما الفائدة إذا كان لديك كميات في البطاقة، ولكن في المؤسسة المواد غير متوفرة!
التغيّر الآخر على تمويل المستوردات، هو تثبيت سعر صرف 700 ليرة كسعر لتمويل المستوردات عبر المصارف الخاصة العاملة، وستتوسع قائمة التمويل لتشمل ما يزيد على 40 مادة من المواد الأساسية السابقة ومن مواد مستلزمات صناعية أخرى.
أي عملياً سيثبّت سعر المواد الأساسية في السوق على دولار 700... وهذا يفترض أن يخفّض سعر السكر في السوق إلى حدود 500 ليرة، والرز إلى 600 ليرة تقريباً، والشاي إلى 4500 ليرة، وزيت دوار الشمس إلى 950 ليرة. فجميع هذه السلع اليوم لا زالت مسعّرة على دولار يفوق 1000 ليرة.
ولكن هذا قد لا يفيد إذا ما كان المستوردون يدفعون للمصارف وشركات الصرافة التي تؤمن الدولار عمولات تقارب 46% كما أشار البعض! وهو ما أشار المصرف المركزي إلى أنه سيخفضه ويحدد العمولة بـ 15%.
ولكن أيضاً لا يزال جزء من ذرائع التسعير بهذا المستوى هو الـ 40% من قيمة المستوردات (مؤونة استيراد 25%، و15% أخرى) التي يجب أن يضعها المستورد بالليرة في المصارف، والتي يحمّلها المستوردون على التكاليف. وهذا الإجراء لن يتغير سيبقى الاستيراد في السوق محصوراً

معلومات إضافية

العدد رقم:
952
آخر تعديل على الأربعاء, 12 شباط/فبراير 2020 11:10