بعض من وقائع العنف الاقتصادي-الاجتماعي الأمريكي
ليلى نصر ليلى نصر

بعض من وقائع العنف الاقتصادي-الاجتماعي الأمريكي

قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية أغنى بلد في العالم، أو كما يستخدم البعض مقولة: «أغنى بلد عبر التاريخ» ومكان تجمع أكبر ثروات العالم... ولكن بمقاييس أخرى فإن أمريكا أكثر تخلفاً من الكثير من دول العالم «المتقدم»، والنموذج الأمريكي لبلاد الفرص والثراء يتحول إلى موضع نقد سياسي، فالكثيرون من الأمريكيين يقولون: اجعلونا كغيرنا وليس أفضل! نريد أن نكون كالكنديين والأوروبيين!

تبرز في الحملات الانتخابية الأمريكية حملة المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، الذي يعتبر تعبيراً عن حالة موضوعية في المجتمع الأمريكي الذي يدفع ثمن تراجع الثراء الأمريكي وانكشاف حجم العنف في النموذج الرأسمالي الأمريكي، الذي كان قبل قليل بوصلة المجتمعات الغربية.

أجر الحد الأدنى نصف أجر الكفاف

إنَّ المستوى الصارخ للعنف الاجتماعي- الاقتصادي في المجتمع الأمريكي يتحوَّل إلى عنوان يجمع الملايين... فالإنجازات الاقتصادية «الرائعة» وفق تعبير الرئيس الأمريكي ترامب هي عملياً لشريحة الأثرياء (أغنى 1%) الذين زاد دخلهم خلال ثلاث سنوات بنسبة 37% وحوالي 800 مليار دولار، بينما لم يرتفع الدخل الوسطي للعامل إلَّا بنسبة أقل من 1%.
وبينما يسجّل الاقتصاد الأمريكي أعلى معدلات لفقر الأطفال ضمن مجموع الدول المتقدمة، فإن الأثرياء الأمريكيين قد حصلوا على اقتطاعات ضريبية خلال الفترة الماضية قاربت تريليون دولار لشريحة الـ 1% الأغنى.
كما يرى المختصون الأمريكيون، أن الحد الأدنى لأجر ساعة العمل ينبغي أن يتضاعف ليطابق حد المعيشة الضروري. فمقابل 7,2 دولارات، فإن المختصين يعتبرون أن الحد الأدنى يجب أن يبلغ 15 دولاراً للساعة.
التمييز في الأجور في الولايات المتحدة واضح المعالم، وتحديداً بين النساء والرجال فمقابل كل دولار يحصل عليه العامل الذكر في الولايات المتحدة فإن العاملة تحصل على 0,77 من الدولار وأجر أقل بمقدار الربع تقريباً!

النظام الصحي الإجرامي

الكثير من الأرقام الأمريكية صادمة بمقاييس الدول الأغنى عالمياً، ويحتل ملف الصحة مساحة واسعة من الحملات الانتخابية الأمريكية نتيجة لمستوى «العنف» الاقتصادي- الاجتماعي في هذا المجال.
الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر إنفاقاً على الصحة عالمياً، حيث ينفق كل أمريكي 12 ألف دولار سنوياً على الصحة. وهذا الرقم هو ضعف ما ينفقه الكنديون والأوروبيون وسطياً، حيث لا ينفق الفرد في هذه الدول على الصحة أكثر من 1000 دولار سنوياً نظراً لوجود نظام الرعاية الصحية الشامل والمجاني تقريباً في معظم دول أوروبا وفي كندا.
ورغم هذا الإنفاق الهائل الذي يشكل نسبة تقارب 18% من الإنفاق على الناتج الأمريكي، فإن الحكومة تنفق على قطاع الصحة رقماً يقارب 2 تريليون دولار أعلى من إنفاقها على الدفاع وعلى فوائد الدين!
ولكن كل هذه الأموال التي تدور في قطاع الصحة تعود إلى ما يسميه الأمريكيون «المجمع الطبي الأمريكي» وهو تحالف شركات الأدوية والتأمين الصحي بالدرجة الأولى.
يفرض هذا التحالف الاحتكاري أسعاراً استثنائية تقارب 10 أضعاف أسعار الأدوية في كندا وأوروبا لذات المضمون الدوائي والفعالية، وهي أسعار احتكارية، مع وجود منع لاستيراد الأدوية من جهات أخرى.
ورغم كل هذه الأموال فإن حوالي 87 مليون أمريكي وأكثر من ربع الأمريكيين دون تأمين صحي أو بتأمين بالحدود الدنيا.
كما أن بعض الأرقام تشير إلى أن 500 ألف شخص في الولايات المتحدة يفلسون سنوياً بسبب القروض الصحية للإنفاق على دخول المشافي وعلاج السرطان وأمراض القلب بالدرجة الأولى. والإفلاس في الولايات المتحدة قد يعني التحول إلى التشرُّد مع عدم القدرة على سداد أقساط قروض المنازل.
إضافة إلى ذلك فإن هذا النظام الصحي الإجرامي يتسبب بموت حوالي 300 ألف شخص سنوياً نتيجة عدم الذهاب للأطباء عند الضرورة وفق التقديرات الأمريكية.

السجون وقتل الأطفال

ملف آخر عالي الحساسية في الولايات المتحدة هو ملف السجون، حيث لدى الولايات المتحدة أعلى عدد مساجين في العالم وحوالي مليونا شخص، يوصف البعض نظام تشغيلهم عبر السجون الخاصة تحديداً بأنه نظام عبودي، حيث يعملون ساعات عمل مجانية دون الحصول على حدود الكفاف مع الكثير من التقارير حول عدم وصول مياه الشرب النظيفة إلى السجون في بعض الولايات.
مفارقة أخرى تثيرها الحملات الانتخابية الأمريكية فيما يتعلق بالسجون، حيث نسبة 20% من المساجين الأمريكيين هم غير متَّهمين، ولكن هؤلاء هم ممن تمّ إلقاء القبض عليهم بتهمة ما ولم يدانوا بتهمة، ولكنهم لا يملكون رسم الإخلاء البالغ 500 دولار حيث يعملون في السجون مقابل سداد هذا المبلغ لحين الإفراج عنهم...
الأمريكيون أيضاً يسجلون أعلى معدلات الجريمة في العالم، والأعلى إطلاقاً ضمن دول المركز الغني. وتحديداً في الجرائم العائلية حيث يُقتل سنوياً ما يقارب 500 طفل أمريكي معظمهم على يد أهاليهم أو أقاربهم...

الولايات المتحدة أغنى دول العالم بمقياس الدخل، ولكن إذا ما تمّ تطبيق المقاييس النوعية لقياس مستوى التقدم والرفاه التي ترتبط بالمؤشرات الاجتماعية كالاستقرار والسعادة والأمان والحرية والمعايير البيئية، فإن الولايات المتحدة قد تكون أقلَّ دخلاً حقيقياً من كندا مثلاً التي يشكل ناتجها الاقتصادي أقل من 10% من الناتج الأمريكي!

حوالي 500 ألف شخص يفلسون سنوياً في الولايات المتحدة بسبب الدين الصحي الناجم عن دخول المشافي وعلاج السرطان وأمراض القلب

300 ألف أمريكي يموتون سنوياً بسبب عدم القدرة المالية لزيارة الأطباء في حالة المرض حيث أسعار الأدوية 10 أضعاف أسعار أوروبا وكندا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
953
آخر تعديل على الإثنين, 17 شباط/فبراير 2020 13:09