المسألة الكردية في سورية  بين التاريخي والجغرافي والسياسي

المسألة الكردية في سورية بين التاريخي والجغرافي والسياسي

دأب بعض كتبة الفكر القومي العربي، منذ عقود على تسمية الكرد السوريين في الشمال السوري، بالمهاجرين، والضيوف، حتى تحولت إلى سياسة رسمية منذ الستينات، من خلال العديد من المشاريع، والقرارات الاستثنائية، ذات الطابع الشوفيني.. 

 

 إن حقيقة كون بعض الكرد السوريين، هاجروا إلى سورية خلال القرن الماضي، لا تلغي حقيقة أخرى إلى جانب هذه الحقيقة، وهي، أن أغلب الكرد السوريين، يعيشون على أرضهم منذ آلاف السنين في شمال سورية الحالية، فلا هم وافدين، ولا هم ضيوف على سورية، كما يزعم بعض فقهاء الفكر القومي العربي، بل هم جزء من تاريخ سورية القديم والحديث، ووجودهم هو إحدى حقائق التاريخ، ولكن بالمقابل، هذه الحقيقة تنتهي، وتنقلب إلى ضدها، وتصبح ملتبسة ومشبوهة، إذا كانت قائمة على حقوق الملكية الحصرية التاريخية لهذه الأرض كردياً، ويتم توظيفها سياسياً في أي مشروع قومي، يتناقض مع الوطنية السورية.. لماذا؟

أولاً: سورية الحالية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، هي نتاج خرائط دولية رسمت بعد الحرب العالمية الأولى، على أنقاض الامبراطورية العثمانية التي دامت هيمنتها ما يقارب أربعة قرون من الزمن، وألغت بطريقتها الحدود، بعبارة أوضح: لا توجد حدود واضحة بالمعنى الجغرافي، لا قديماً، ولا حديثاً، على أسس قومية في سورية، وبالتالي، لا توجد في سورية قضية كردية بمعنى حق تقرير المصير بالمعنى الكلاسيكي. والمسألة الكردية في سورية، ليست قضية احتلال بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، بل هي نتاج ظرف تاريخي خاص، أوجدته التقسيمات الاستعمارية، وأنتجته وعمقته وعززته، حالة التجاذب القومي من هنا وهناك. 

ثانياً: يعيش إلى جانب الأكراد ومعهم في الشمال السوري، شعوب وقوميات أخرى، ينطبق عليهم ما ينطبق على الكرد فيما يتعلق بحقائق التاريخ والجغرافيا، فلا العرب، ولا السريان هم ضيوف على الجزيرة السورية، وإذا كان من حقيقة ثابتة في تاريخ هذه المنطقة، من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، وحدود الدول والكيانات والأقوام فهي: إن هذه المنطقة لم تشهد استقراراً منذ آلاف السنين، حيث سادت امبراطوريات ودول، سرعان ما كانت تنهار، لتحل محلها أخرى، وترافق ذلك مع موجات نزوح وهجرات، والحاقات، ليتحول النسيج الديمغرافي بحكم الأمر الواقع إلى نسيج تعددي، متداخل، وبالتالي فإن الحديث عن أي حق قومي خاص بما يلغي حقوق الآخرين، أو يقلل من شأنها هو حق ميت موضوعياً، بحكم وحدة المصير، الذي فرضه التطور التاريخي في هذه المنطقة، فالحق التاريخي هنا «حمّال أوجه».

ثالثاً: إن أي حل للأزمة السورية الراهنة، التي تعتبر مشكلة الكرد السوريين جزءاً منها، لن يكتب لها النجاح، إذا استندت إلى شد العصب القومي، والبروباغندا القومية، سواء كان من خلال التباكي على الحقوق القومية الكردية المهدورة، أو التباكي على عروبة سورية. 

رابعاً: بات واضحاً أنه ثمة معادلة جديدة في الشرق، ومنه سورية تجتمع وتتفاعل فيها عناصر قديمة متعلقة في التاريخ، مع عناصر جديدة ظهرت في سياق مرحلة تشكل الدولة الوطنية، وتفاقمت في ظل الأزمة الحالية، معادلة ستطيح بكل الرؤى والمقاربات السياسية التقليدية السابقة، وينبغي أن تتضمن حلولاً إبداعية تنهي الحالة الملغومة الـ «لا حل» التي سادت في هذه المنطقة منذ تفكك الامبراطورية العثمانية، وفق رؤيا جديدة، قائمة على اعتراف الكل بالكل، وحاجة الكل إلى الكل، بديلاً عن ضرب الكل بالكل، فزمن إنكار الوجود يجب أن ينتهي، وأوهام الدولة الكانتونية أيضاً يجب ان تنتهي، إذ لا مكان في عالم  مضطرب لدولة تعاني من أزمات مزمنة وقضايا معلقة دون حل، كالقضية الكردية مثلاً، و لا مستقبل للدولة الكانتونية في عالم يتجه نحو الترابط والاندماج الطوعيين.. فكلاهما يتناقض مع التطور التاريخي الموضوعي، الذي يتجه في ظل التوازنات الدولية الجديدة نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية معاصرة، قادرة على إنجاز مهامها كاملة، من ناحية الحفاظ على وحدتها واستقلالها وسيادتها، وحقوق وكرامة أبنائها بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية.