ويسألونك عن 2254!

ويسألونك عن 2254!

القرار 2254 هو العنوان الأساسي لخيار من بين خيارات عديدة كانت تحاول أن تفرض نفسها على الوضع السوري خلال سنوات: «الحسم» «الإسقاط» أو «الحل السياسي». وبعد الإجماع الحاصل على الحل السياسي، كحل وحيد، وباعتبار أن هذا القرار هو خريطة طريق هذا الحل، فمن الطبيعي أن يكون 2254 حاضراً دائماً، وبمثابة «بسملة» أي حديث عن الحل السياسي.

2254 هو جزء من مسار كامل، هو مسار الحل السياسي، وأحد أدواته، الذي بدأ من جنيف، مروراً بأستانا، وما تمخض عنها من مناطق خفض التصعيد وإيقاف العمليات الحربية، التي شملت مناطق يعيش فيها ما يقارب 5 مليون مواطن سوري، فلو لم يكن له غير هذه... لكفاه.

فهذه الاتفاقات أنهت الفكرة النمطية التي كانت تقول بعدم إمكانية توافق السوريين فيما بينهم، والتي حاول البعض فرضها، أملاً بأن يفرض الخيار العسكري كخيار وحيد. حيث أعطت هذه الاتفاقات زخماً جديداً للحل السياسي، وأثبتت إمكانية التوافق أولاً في الميدان، وما أحدثته من اختراقات سياسية نحو الأمام عبر إمكانية بحث «السلال الأربع بالتزامن والتساوي» في حال وجود وسيط محايد ونزيه في محادثات جنيف.

2254 هو القرار الذي يفسح المجال للسوريين، بالذهاب إلى التغيير الوطني الديمقراطي الشامل، من خلال ما ينص عليه من جسم انتقالي توافقي: ينهي احتكار السلطة، ويدخل البلاد في فترة انتقالية، سيجري من خلالها تغيير شكل ومحتوى كل البنية القانونية والحقوقية والسياسية.

والعمل بروح هذا القرار وفّر بالملموس إمكانية تحييد القوى الإقليمية التي كانت من أسباب تعقيد الأزمة، أي فرض عليها دوراً آخر، غير دورها الوظيفي التقليدي باعتبارها أحد أدوات الهيمنة الغربية.

التخلي عن 2254 يعني العودة إلى نقطة الصفر، إلى المربع الأول، أي العودة إلى منطق «الحسم والإسقاط»، لا سيما وأن من ظلوا يشككون بالقرار، لم يقدموا بديلاً حقيقياً عنه، اللّهم إلا بدعة «الحوار الداخلي» لأزمة دولية! مع العلم أن 2254 لا يلغي الحوار الداخلي «السوري - السوري» بل يضعه في إطاره الصحيح، بما يمنع الالتفاف عليه وإعادة إنتاج النظام نفسه. أو ما ابتدعه أولئك الذين يحاولون تفسير القرار بشكل أحادي، بما يلغي مبدأ التوافق بين النظام والمعارضة فيه، وتحويله الى عملية تسليم واستلام للسلطة، بما يخدم استفراد أدوات «المعسكر» الأمريكي بالوضع السوري لاحقاً... 

القرار يوفر البيئة المناسبة لنجاح حوار سوري - سوري حقيقي ومثمر، وفي الوقت نفسه يمنع نجاح المشروع الأمريكي حرباً أو سلماً، ويوصل الحوار إلى نهايته المنطقية، وهي تقرير السوريين - كل السوريين - لمصيرهم بأنفسهم.

إن كل الحراك الجاري، وقبول كل الأطراف مقتنعة أو مكرهة بالحل السياسي كحل وحيد، وعزل قوى الإرهاب والتجاوز المستمر لكل العراقيل التي تطرأ، تعتبر جميعها عملية تراكم، ستفضي إلى تلك الحالة النوعية التي ينتظرها السوريون. وليس ذنب أنصار القرار أن البعض يشكو من قصر النظر السياسي، ولا يرى كل هذا التراكم، الذي ما كان له أن يكون، لولا دور الحليف الروسي الذي يعمل بروح 2254 كما يؤكد صباح مساء.

وأخيراً، ولأن بعض المشككين بالقرار، والذين كانوا وما زالوا يمارسون التشويش عليه، رغم أهميته بالنسبة للشعب السوري، مستفيدين من تعقيد المشهد، والأجواء التي تفرضها بعض وسائل الإعلام، ولأن هذا البعض لا يفهم إلا بعرض ما هو ملموس، وبالتكرار، كما تلقن الدروس لتلاميذ المدارس الابتدائية، نختصر ونقول: 

• 2254 أنتج أستانا، وأستانا أوقفت السلاح، فلولاه لما كانت هذه الاتفاقات، التي وحدت السوريين ضد الإرهاب في مناطق واسعة، أو على الأقل حيّدت فئات واسعة من المسلحين، وفككت الحلف الإقليمي والدولي لقوى الحرب. 

• بقي أن نقول، إن القرار 2254 هو قرار توافقي، وهو بطبيعته يتناقض مع الشروط المسبقة، وهو على درجة من المرونة، بحيث لا يستطيع أحد أن يتملص من الحل السياسي الحقيقي، و يتحجج بعدم الذهاب إلى طاولة التفاوض، تحت ستار الخطاب الوطني الشعبوي المأزوم، أو الخطاب «الثوري» المنكّه بالعمالة والخيانة الوطنية، ولعل هذا سر توافق المتشددين من هنا وهناك على التشكيك بالقرار، تحت حجة غموضه، فالغامض الوحيد هو سبب هذا التوافق على التشكيك بخريطة الطريق لحل الأزمة السورية!

آخر تعديل على الإثنين, 30 تشرين1/أكتوير 2017 20:24