خوسيه ساراماغو: رماد تحت شجرة الزيتون

خوسيه ساراماغو: رماد تحت شجرة الزيتون

خوسيه ساراماغو هو أديب وصحفي برتغالي ولد عام 1922 لعائلة من فقراء المزارعين. بدأ حياته كصانع أقفال ثم صحافيٍّ ومترجمٍ. أصدر روايته الأولى «أرض الخطيئة» عام 1947 ليتوقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاماً. كان من المشككين في الرواية الرسمية لأحداث 11 أيلول 2001، وعضواً في الحزب الشيوعي منذ 1950.

هو أحد أعذب الأصوات السرديّة في الرواية المعاصرة، وأحد أشرس المدافعين عن فكرة العدالة الاجتماعية. إلى جوار مسيرته الروائية المتفردة، حافظ صاحب «تاريخ حصار لشبونة» على التزامٍ سياسي نبيل ونادر تجاه القضايا والمشكلات التي عاصرها. بين الفانتازيا والواقع في أعماله. السياسة رافقت الكتابة وتداخلت مع مناخاتها. لكنّه لم يحصل على الشهرة إلا حين بلغ الستين من عمره مع رواية «الإله الأكتع» 1982.

مفكرة القرن الجديد

كان آخر كتاب أصدره الروائي البرتغالي «المُفكّرة»، وهو عبارة عن مدونات ومقالات سياسية تشجب الكيان الصهيوني وجورج بوش وسيلفيو برلسكوني والأصولية. وبه أنهى ساراماغو حياةً حافلة في النشاط الأدبي والسياسي، وجعلته الصوت الباحث والموثق لروح البرتغال في ماضيها وحاضرها.
كتب عن التاريخ وبؤس الإنسان وعذاباته. وقدم تاريخاً روائياً للعنف والديكتاتورية ومحاكم التفتيش، وقدم صوته وصورته في عدد من الشخصيات الروائية، وهو وإن بدأ ينشر أعماله الأدبية في سن مبكرة إلّا أنه انتظر طويلاً كي يحتفى به وبأعماله.

الطرد من العمل

كتب مرة أنه لو مات في سن الستين لمات وكأنه لم يكتب شيئاً، ذلك أن أول عمل روائي لقي نجاحاً، كانت روايته «دليل للرسم والخط» 1977. وتمثل حياته الأدبية خطاً من التقدم والعمل الجاد في الكثير من الأعمال، أولها ميكانيكي لمساعدة عائلته الفقيرة، ومصحح في دار نشر وكاتب غير متفرغ ومترجم بعدها في دائرة للتحرير والإنتاج في دار نشر.
أما في الصحافة، فقد عمل محرراً أدبياً في جريدة سيرا نوفا، وعمل بعد وفاة الديكتاتور انطونيو سالازار عام 1970 معلقاً سياسياً في صحيفة دياريو ليسبوا، ونظراً لأفكاره اليسارية، فقد طرد من عمله عام 1975. وكان الطرد بمثابة الرحمة المزجاة له، لأنه كرس حياته للكتابة والتأليف.
ذكر ساراماغو الحادث قائلاً: كان طردي أحسن حدث في حياتي، لقد جعلني أتوقف ملياً وأفكر، وكان بداية لحياة كاتب.

الأجداد من شمال إفريقيا

حياة خوسيه في القرية كانت مثل كل حياة الفلاحين، سحب الماء من البئر أو عين القرية العامة وحمله على الكتف، ومن ثم حمل المجراف والمضي لمساعدة جده الراعي. وكان خوسيه الصبي في تلك الأيام يعين جده في حفر وحراثة الأرض حول البيت وقطع الأخشاب من أجل نار المساء والطبخ. وكان يجمع العيدان اليابسة من حقول القمح كي تستخدم كفراش تنام عليه الحيوانات.
كان للصيف جوّه الخاص، ففي الأيام الصافية يختار الجد مع حفيده شجرة تين معروفة كي يناما تحتها ويتمتعا بهدوء الليل ونسيم القرية العليل، حيث يقول الجد: خوسيه، في هذه الليلة سننام تحت شجرة التين. كان خوسيه يعرف أية شجرة تين من الشجرتين المعرشتين حول البيت. والسبب في اختيار الجد لتلك الشجرة بالتحديد لأنها الأقدم عمراً والأكبر ولأنها كانت دائماً في مكانها، شجرة تين كما يقول.
هذه الذكريات عادت إليه عندما أدخل جده وجدته التي كانت تتمتع بجمال غير عادي في الأعمال الروائية، كان يقوم مثل جده بمحاولة استعادة الحكايات، والتأكيد أنه لن ينسى وجوه أحبابه والأيام الجميلة. ويصف عملية تشكيل وجهي جده وجدته وتلوين حياتهما ذات الإيقاع البطيء الممل، بأنها مثل محاولة إعادة تشكيل خريطة غير متماسكة. وشبّه المحاولة هذه بمحاولة أخرى لاستعادة أحد أجداد أجداده المنحدرين من المغرب بشمال إفريقيا.

فقراء خرجوا من قاع الأرض

أبطال رواياته هم من نفس عيّنة الفلاحين والبسطاء الملتصقين بالأرض والذين خرجوا من تربة سهول الينتيخو، وهم من نفس عينة جده جيرمينو وجدته جوزيفا، ممن أجبروا على الكدح كي يعيشوا وينالوا الفتات في ظروف صعبة وغير إنسانية. ويقول إن هؤلاء البسطاء الكادحين كانوا ضحية للكنيسة والدولة ومُلاّك الأراضي، والظلم الذي حل بهؤلاء الأبرياء الذين حاكمتهم عدالة عشوائية المنهج. وجاء التعبير الأول والحقيقي عن هذا الحس المُلتَمس والملتصق بالفقراء في روايته «انبعاث من الأرض»، التي تتحدث عن ثلاثة أجيال من عائلة واحدة منذ بداية القرن العشرين حتى عام 1974، أي الثورة التي أطاحت بالديكتاتورية. هؤلاء علموه الصبر والاستمرار في الحياة حتى وإن كانت ظروفها قاسية.

تاريخ حصار لشبونة

كتب في روايته «تاريخ حصار لشبونة»، عن بطلها ريموندو دي سيلفا، الرجل العادي الذي يرى أنّ هناك وجهين للحقيقة، أحدهما خفي والأخر ظاهر. ومن بطل الرواية تعلم خوسيه الشك بالتاريخ الرسمي.
نشر آخر مقطع كتبه في مدونته عام 2010 وقال: أعتقد أنّ المجتمع الحالي تنقصه الفلسفة. الفلسفة كمكان وكبَراحٍ للتفكير وللتأمل. التأمل ممكن أن يكون بدون هدف معين على عكس العلم الذي يسعي دائماً لتحقيق هدف ما. ينقصنا التأمل والتفكير. نحتاج للعمل على التفكير. ما أراه أننا بدون أفكار لن نحقق أي شيء ولن نتحرك من أماكننا.
تقول عائلته إنه تناول الإفطار وتحدث قليلاً مع زوجته ومترجمته بيلار ديل ريو صباحاً، بعد ذلك شعر بالإعياء وتوفي. وصفته صحيفة الغارديان كأفضل كاتب برتغالي في جيله، بينما قالت فيرناندا إيبرستادت من صحيفة نيويورك تايمز إنه اشتهر بشيوعيته الصارمة كما اشتهر بأدبه القصصي. ودفن رماد هذا البرتغالي الجميل تحت شجرة زيتون عمرها قرن من الزمان على ضفاف نهر تاجوس في لشبونة

معلومات إضافية

العدد رقم:
931
آخر تعديل على الإثنين, 16 أيلول/سبتمبر 2019 12:39