تعاليم «نهاية رجل شجاع»

تعاليم «نهاية رجل شجاع»

عرف السوريون رواية «نهاية رجل شجاع» عام 1989 للكاتب الراحل حنا مينه، الرواية التي اقتبس من صفحاتها المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه بداية تسعينات القرن الماضي.

عكس حنا منيه صوراً من الحياة الشعبية ومحطات من نضال الناس في الساحل السوري خلال فترات معينة من التاريخ. كما قدمت الرواية صراعاً بين نموذجين: نموذج البطل الفردي الفوضوي، ونموذج العمل الجماعي المنظم.

البطل الفردي

تحتل صورة مفيد الوحش معظم صفحات الرواية، فهو الرجل الشجاع الذي تتحدث الرواية عن حياته.
وفي قرية «الخراب» قرب بانياس تبدأ القصة، وفي يوميات الحياة القاسية، حيث ظلم الملاكين والمختار ورجال الدرك، تظهر شخصية مفيد الوحش كمتمردٍ فردي على العائلة والمدرسة والقرية والدرك، على التقاليد والمحيط وعلى ذنب الحمار، فأصبح «مفيد الوحش يلي قطع دنب الجحش».
قدّم حنا مينه شخصيته الرئيسة «مفيد»، والذي يمضي حياته في سلسلة من التمردات الفردية التي لا طائل منها، والتي دفع ثمنها غالياً بدون تحقيق أية نتيجة. ولكن تعاليم الرواية تكمن في تقديم نقيض لشخصية مفيد الوحش، وتتمثل في عدة شخصيات بدت كأنها ثانوية في صفحات الرواية.

التغيير والعمل الجماعي

بدت تلك الشخصيات وكأنها ثانوية للوهلة الأولى، لأن الحديث عنهم داخل صفحات الرواية قصير ومختصر. ولكن تلك الشخصيات هي رسالة الرواية الرئيسة.
فإبراهيم الشنكل يقوم بتوزيع المناشير السرية ضد الاستعمار الفرنسي في قرى بانياس متنكراً، وقاد الأستاذ عبد الجليل ورفاقه إضراباً في سجن حلب وانتصر على الاستعمار الفرنسي، وناضل برهوم ورفاقه من عمال مرفأ اللاذقية من أجل تأسيس نقابة تدافع عنهم وخاضوا الإضرابات من أجل مطالبهم، كما خاض عمال التبغ «الريجي» في اللاذقية الإضرابات من أجل مطالب العمال.
تقول الرواية على لسان شخصيتها مفيد الوحش: جماعة إبراهيم الشنكل وصلوا إلى هنا، وجماعة الأستاذ عبد الجليل وصلوا إلى هنا ... إلخ في إشارة إلى أنها مجموعة واحدة منظمة بشكل جيد. تقود تلك الجماعة العديد من النضالات عبر العمل الجماعي وتحقق التغيير تلو الآخر الذي لم يستطع مفيد الوحش وتمرداته الفردية تحقيقه.

الحزب والطبقة

تؤسس الطبقات والشرائح الاجتماعية أحزاباً وتنظيمات مختلفة ونقابات للتعبير والدفاع عن مصالحها، مثل أحزاب الطبقة العاملة وأحزاب الطبقة البرجوازية.
وفي رواية «نهاية رجل شجاع»، نشاهد صورة حية للقاع الاجتماعي وتناقضاته وصراعاته، وصورة لفئات اجتماعية تؤسس تنظيماتها وأحزابها دون أن تسمي نفسها أحزاباً وتنظيمات.
نتحدث هنا عن فئة «حثالة الطبقة العاملة» بالتحديد، تلك الفئة الاجتماعية التي تؤسس بدورها المنظمات والأحزاب دون أن تسميها أحزاباً ومنظمات. وتضم هذه الفئة اللصوص والمجرمين الصغار وغيرهم من القاع الاجتماعي المتفسخ، ويظهر العمل التنظيمي لهذه الفئة على شكل عصابات المرفأ ومافيات الفساد في الرواية.
لا تختلف تلك الصورة عن عالم الجريمة اليوم، مثل نقابات أو منظمات النشالين التي تقسم المدينة إلى قطاعات، ولكل قطاع زعيم، وللمنظمة زعيم أعلى، ولكن هذه الفئة لا تسمي نفسها حزباً أو نقابة، لكنها تمارس هذا الدور في الواقع، ولا يستطيع أحد الانتساب إليهم بدون موافقة التنظيم الهرمي للنشالين.
وكما في باقي تنظيمات الحركة الاجتماعية، تعمل الهندسة البسيطة في التنظيم، فالتنظيم الهرمي هو حلقات وجماعات اللصوص والمجرمين والنشّالين الهرمية من الأسفل إلى الأعلى، وعملية الدوائر تقوم على مبدأ من هم في الأسفل اليوم، هم في الأعلى غداً، وذاك من في الأعلى غداً يهبط إلى الأسفل بعد غد، مثل نموذج عصابات المرفأ الذي قدمه حنا مينه في روايته «نهاية رجل شجاع».

عامل الميناء

حنا مينه «1924-2018»، أو حكواتي الساحل السوري، أحد أبرز ممثلي الرواية الواقعية السورية والعربية. عمل حمالاً في المرفأ، وكان من أوائل الشيوعيين في مدينة اللاذقية، وزَّع فيها الصحف الشيوعية وقالت والدته: ابني مجنون فهو يبيع الصحف ببلاش.

وهو القائل: من يكافح لتحقيق العدالة الاجتماعية لا يُكره نفسه التي يكافح بها لتحقيق هدف بهذا السمو، الكفاح له فرحة عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الآخرين، وأنت المؤمن بأن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل جدير بأن يضحّى في سبيله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
953
آخر تعديل على الإثنين, 17 شباط/فبراير 2020 13:13