بقلم: إيان أنغوس بقلم: إيان أنغوس

التسارع الأزرق: معول آخرلحفر قبر حياة البشرية

مضى الدافع المتأصل في الرأسمالية للتوسع المستمر إلى أبعاد جديدة في منتصف القرن العشرين. إنّ اتجاهات الاقتصاد- الاجتماعي و«نظام الأرض» طويلة المدى، والتي بدأ تتبعها وفق رسوم بيانية محددة منذ خمسة عشر عاماً «آخر تحديث لها في 2015»، أظهرت تقلبات متزامنة على شكل ارتفاع حاد منذ عام 1950.

تعريب: عروة درويش

إنّ هذا التسارع، والذي يسمّى «التسارع الكبير Great Acceleration»، يقود ما يدعوه علماء نظام الأرض: «التحوّل الأكثر سرعة في العلاقات البشرية مع عالم الطبيعة في تاريخ البشرية». إنّه يضع علامة على بداية عصر تاريخي وجيولوجي جديد: «الأنثروبوسين» – وهو العصر الذي أصبحت فيه نشاطات البشر منتشرة وعميقة لدرجة منافستها لقوى الطبيعة الكبرى، ودفعها الأرض نحو المجهول على مستوى الكوكب.

قام ماركس وإنغلز منذ وقت طويل بإظهار أنّ الرأسمالية غير قادرة على البقاء ساكنة أو في وضعية راحة في مكان واحد. فهي في سياق إطاعتها للوصية الأولى «راكم، راكم» عليها أن تستوطن كلّ مكان، وأن تستقر في كل مكان، وأن تنشئ صلات في كل مكان. ولهذا لا يجب أن يفاجئنا أنّ الاتجاهات التي تم تمييز وجودها في الأبحاث التي تناولت «التسارع الكبير» استمرت، بل أنّها استمرت بالانتقال بتسارعها بشكل تصاعدي. فرأس المال، يدفعه عدم رضاه إلى توسيع عملياته القائمة، وإلى البحث على الدوام وبثبات عن أماكن وموارد جديدة ليمارس عليها استغلاله.

يقترح البعض أحياناً أنّ الرأسمالية، وبسبب احتلالها لكامل العالم، لم يعد هناك أيّة حدود في وجهها ولا مصادر جديدة من الموارد الزهيدة لتستغلها. وعليه فقد تجاوزت حدّ ذروة الاستيلاء على كلّ شيء، الأمر الذي يرسل النظام نحو خاتمته النهائية بشكل حتمي وآلي. تسيء وجهات النظر هذه فهم تقدير إلزامية إيجاد النظام الرأسمالي لموارد جديدة للربح. فكما كتب ماركس: «لتكسر كلّ حاجز مكاني... ولتغزو كامل الأرض».

من الصحيح القول أنّ القارات والجزر تمّ استعمارها بالكامل، لكنّ 71% من الكوكب لا يزال غير مكتشف وغير عرضة للاستغلال. والدراسة الجديدة المنشورة عن «مركز ستوكهولم للمرونة SRC» تظهر أنّ الرأسمالية بدأت هجومها على جبهة جديدة: على، وداخل، وفي عمق المياه.

التسارع الأزرق

نُشرت دراسة «التسارع الأزرق: مسار التوسع البشري إلى المحيطات» في كانون الثاني 2020، واصفة ومُظهِرةً بالرسوم البيانية الاندفاع المتنامي لرأس المال نحو تحويل المحيطات وقاع البحار إلى مكان تجاري. تتوسع النشاطات التجارية في المحيطات بشكل سريع، و«استثمارات كبيرة... تقود النمو في الصناعات القائمة وفي خلق صناعات جديدة، لتغطي بشكل متزايد مجموعة متنوعة من النشاطات».

يؤمن الباحثون القيّمون على الدراسة بأنّ التسارع الأزرق يضع علامة على بداية «طورٍ جديد من العلاقات البشرية مع المحيط الحيوي، حيث المحيطات ليست مجرّد شيء رئيس لاستدامة مسارات التطور العالمي، بل هي أيضاً خاضعة للتغيير الجوهري أثناء العملية».

عرضت الدراسة اثنا عشر رسماً بيانياً تبدو شبيهة برسوم «التسارع الكبير» البيانية، لكنّها تظهر اتجاهات ارتفاع حادة حدثت بعد خمسة عقود من بداية «التسارع الكبير».

أول رسمين بيانيين يوضحان بشكل ممتاز الجهود لتخطِّي الحدود من خلال نقل الرأسمال والإنتاج إلى مواقع لم تكن في السابق عرضة للاستغلال، وللاستيلاء على الموارد باستخدام تقنيات وتكنولوجيا حديثة.

يظهر الرسم الأول «تربية الأحياء المائية Marine Aquaculture» النمو المذهل في «استزراع السمك»، والذي لم يكن ذا أهمية في 1970، لكنّه يشكل اليوم قرابة 50% من السمك المستهلك كغذاء للبشر. بالنسبة لصيد الأسماك في المحيطات المفتوحة، فإن معدلاته بحالة انخفاض منذ تسعينات القرن الماضي، لكنّ تربية الأحياء المائية قامت بأكثر من موازنة وتعويض هذا الانخفاض، وتحديداً في المزارع عند المناطق الساحلية. إنّ الإنتاج الكلي للأسماك اليوم هو أكبر من أيّ وقت مضى، وعمليّة معالجة الأسماك تتنامى بشكل أسرع من أيّة صناعة غذاء أخرى.

يظهر الرسم الثاني «الهيدروكربون في الأعماق Deep hydrocarbons» عمليات إنتاج النفط والغاز من أعماق البحار، وأعماق البحار هنا تعني عادة ما يجاوز 200 متر أعمق من سطح البحر. يشكل الاستخراج البحري بالفعل قرابة 30% من إنتاج النفط العالمي، ومع نضوب واستهلاك الحقول المائية الأقلّ عمقاً وظهور تكنولوجيا حديثة، ينتقل الإنتاج ناحية أعماق أكبر ومناطق جديدة، ويشمل ذلك المنطقة القطبية، حيث يتوقع وجود احتياطيات غاز ونفط هائلة غير مكتشفة بعد. هناك أيضاً اهتمامات صناعية متزايدة برواسب هيدرات الغاز الطبيعي «الميثان التبلور» المدفون تحت قاع المحيطات بكيلومترات، وهو ما قد يطلق ضعف الكربون العضوي الموجود في الفحم والنفط وغيرهما من جميع مصادر الغاز الطبيعي مجتمعة.

تحوي اتجاهات التسارع الأزرق على الكثير من التكنولوجيا الجديدة. أشار أحد القيّمين المساعدين في الدراسة إلى حقيقة أنّ «قطاع التكنولوجيا- الحيوية بالكاد كان موجوداً نهاية القرن العشرين، وأكثر من 99% من المتتاليات الجينية لكائنات بحرية وُجِدت وسجَّل لها براءات اختراع منذ عام 2000».

وبشكل أكثر عموماً، تشير مقالة منشورة بعنوان «أرض واحدة» إلى أنّ الاجتماع بين عوامل زيادة الطلب العالمي، والتقدم التكنولوجي، وانخفاض نسب الموارد الموجودة على اليابسة، جعل من استخراج أعداد متزايدة من مواد المحيط أمراً مجدياً، بل وقابلاً للحياة اقتصادياً. 

«باتت المحاولات المكلفة، مثل التنقيب التجاري في قاع البحر العميق تعتبر مجدية، بل ووشيكة الحدوث. وبالمثل، بات البحث عن مركبات حيوية نشطة جديدة لمعالجة المقاومة الميكروبية يركز على الكائنات الحية الدقيقة في أعماق البحار البعيدة. في حين ساهمت القيود المفروضة على المساحات على اليابسة في بناء مزارع الرياح البحرية الواسعة والاستثمار في منشآت المياه العميقة».

في الوقت الحالي، يعدّ إنتاج النفط والغاز من البحار هو أكثر أجزاء اقتصاد المحيطات ربحاً، بينما الرمال والحصى للبناء هي المعادن البحرية الأكثر استخراجاً من حيث الحجم. لم تبدأ عمليات التعدين في أعماق البحار بعد، لكنّ سلطات قاع البحر الدولية أصدرت بالفعل 29 رخصة تعدين تغطي 1,3 مليون كيلومتر مربع من قاع المحيط.

تزعم شركة «DeepGreen Metals» لصناعة معدِّات البحر والموجودة في كندا، أنّ رُخصها تغطي أرض قاع المحيط الهادئ الذي يشكّل: «أحد أكبر مصادر الكوبالت والنيكل والمنغنيز غير المطورة والمستثمرة على سطح الأرض».

لكنّ استخدام المعدات بشكل مباشر لاستخراج أو إنتاج الغذاء والوقود والمعادن ليس إلّا جزءاً من القصة. تتطلب صناعات «التسارع الأزرق» كميات متزايدة هائلة من المساحات البحرية والساحلية من أجل بنيتها التحتية، ويشمل ذلك منشآت المرافئ وزوارق الصيد ومزارع الأسماك والمنصَّات البحرية ومعدات تعدين قاع البحر. الاحتمال القائم في الأعوام القادمة أن تضعف هذه المنشآت، إن لم تغرق، بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف القوية بشكل متزايد، الأمر الذي يفتح الباب على مخاطر جديدة وكثيرة فريدة من نوعها.

التدمير المتسارع

استخدمت المجتمعات البشرية موارد المحيطات لآلاف السنين، لكنّ التسارع الأزرق يبدو كأنه علامة على مفترق جديد. «الهجمة الحالية على المحيط تظهر نفسها بشدة وتنوع غير مسبوقين... المطالب المتنوعة التي تُظهر عند جمعها مع بعضها ما يسمى التسارع الأزرق، تعرض معدلاً استثنائياً من التغيرات على مدى الخمسين عاماً الماضية، مع تسارع حاد يُعدّ سِمة لبداية القرن الحادي والعشرين».

يمكننا النظر عن قرب إلى ثلاثة من الاتجاهات المتسارعة التي تم رصدها في 2004، والمتعلقة بالمحيطات: تربية الأحياء المائية، وتحمّض المحيط، وصيد الأسماك البحرية. المجالان الأولان يستمران بالنمو بشكل تصاعدي، في حين أنّ صيد الأسماك انخفض لأنّ الصيد الجائر قضى على عدد هائل من الأسماك مفرغاً مساحاتٍ متزايدةٍ منها. إنّ آثار هذه الاتجاهات، مجتمعة مع انبعاثات الغاز الدفيئة، وعدد لا يحصى من الملوثات الأخرى، لهي آثار رهيبة. 

كتب عالم الأحياء المرموق كالوم روبرتس أننا نواجه «تعريض البحار للخطر لدرجة أنّها لم تعد تحافظ على العمليات البيئية التي كنّا نعتبرها من المسلّمات، والتي تعتمد عليها راحتنا ومتعتنا ووجودنا. تُظهر دراسات التسارع الأزرق أنّ التسارع الكبير «المزيد من تأثير البشر وعصر الأنثروبوسين» يتلقى قوى دفع جديدة له قادمة من دخول الأعمال إلى المحيطات، وهو الأمر الذي يعبّد الطريق لنشوء مخاطر جديدة، وحدوث تغييرات في النظام الحيوي، وتخطي عتبة مجهولة لنا بشكل كلي.

لا يزال خطر الضرر غير المتوقع وغير القابل للمنع أكبر بسبب معرفتنا الضئيلة نسبياً عن الحياة والبيئة في أعماق البحر. إنّنا نعرف عن الجزء الأبعد من القمر أكثر ممّا نعرف عن 95% من قاع المحيط، ولم يتم التعرف إلَّا على أقليّة صغيرة من الكائنات التي تعيش في البحر، ناهيك عن دراستها.

ورغم كلّ هذا، يعدُنا المهللون لتنمية أعماق البحار والمحيطات أنّ الأمور ستكون على ما يرام. يقول البنك الدولي على سبيل المثال أنّ الاقتصاد الأزرق سوف «يعزز النمو الاقتصادي والتشميل الاجتماعي والحفاظ على أو تحسين سبل العيش، وفي ذات الوقت ضمان الاستدامة البيئية للمحيطات والمناطق الساحلية». 

يا لها من كلمات جميلة لكنّها لا تتطرق أبداً إلى الكيفية التي ستتم فيها حماية المحيطات بشكل عملي.

في الواقع، وكما قال مارك هانينغتون من المركز المرموق «هيلمهولتز لأبحاث المحيط» موجهاً خطابه إلى منظمة التعاون والتنمية، فإنّ تعدين قاع البحر سيؤدي دون شك لضرر بيئي، ولا أحد يعرف كيفية القيام بتقليص هذا الضرر. «حتّى أكثر عمليات تعدين قاع البحر حذراً سوف تجهد البيئة البحرية. الرأي الأكثر شيوعاً هو أنّ عمليات التعدين صناعية النطاق ستحدث مجموعة من الأضرار التي ستغيّر أعماق المحيطات بشكل لا رجعة فيه، لكن حتى الآن لا توجد صورة واضحة لما يمكن أن تكون عليه تلك الآثار... من الصعب أن نقف على النطاق التنظيمي الواجب تطبيقه لمعالجة الآثار البيئية في المناطق التي لم نعرف تفاصيلها ولم نزرها على الإطلاق، وذلك لحمايتها من الأذى الذي لا يزال غير معلوم وقد لا تظهر آثاره قبل عقود من الآن».

المقال المنشور مؤخراً في صحيفة «الطبيعة» كان أكثر وضوحاً ومباشرة: «ضحالة البيانات الموجودة تشير إلى أنَّ تعدين أعماق البحر سيكون مدمراً، وغالباً غير قابلٍ للمعالجة، وسيؤثر على كامل الحياة البحرية».

إنّ خطر وكارثية السماح للشركات الجشعة للربح بالبحث عن المعادن والحفر من أجل النفط في أعماق المحيط ظهر في عام 2010 بشكل واضح، عندما انفجر أعمق بئر نفط في العالم وقتل 11 عاملاً وأطلق 4,9 مليارات غالون نفط «الغالون = 3,8 لتر» في خليج المكسيك «حوض محيطي وبحر هامشي للمحيط الأطلسي».

وبالعودة إلى الجنة التي عينها أوباما لتحقق في كارثة ائتلاف شركات «Deepwater Horizon»، فقد وجدت اللجنة أنّ أعمال شركات «BP» و«Halliburton» و«Transocean» كشفت عن إخفاق منهجي في إدارة المخاطر، الأمر الذي ثبّت الشكوك القائمة في ثقافة السلامة لدى كامل هذا القطاع من الأعمال.

إن كنّا سنتعلم شيئاً من خبراتنا السابقة مع شركات الوقود الأحفوري وشركات التعدين، فهو أنّ علينا أنْ نتجنَّب قبلَ كل شيء تصديقهم أو الثقة بوعودهم الزائفة عن المسؤولية المناخية، وخاصة فيما يتعلق بالمياه العميقة.

دعم النظام البيئي:

يستحيل أن نمنح المحيطات أهمية مبالغاً فيها لما تسهم به في نظام الحياة على الأرض. تنتج الكائنات الحية المعتمدة على المحيط أكثر من نصف الأكسجين الذي نتنفس، لتتخطى بكثير جداً ما تنتجه الغابات المطريَّة. تقريباً جميع الأمطار التي تجعل الحياة على الأرض ممكنة تأتي بأصلها من المحيطات، وهي التي تحتوي على 97% من مياه الكوكب. إنّها تساعد على دعم استقرار الكوكب من خلال امتصاص كمية ثاني أكسيد كربون تفوق بخمسين ضعفاً ما يمتصه الغطاء الجوي، وكذلك عبر نقلها المياه الحارة بعيداً عن المناطق المدارية. إنّها المصدر الرئيس للبروتينات لمليارات من البشر، ومصدر هام لأكثر المليارات من الأشياء الأخرى. الدورات الجيو- كيميائية الحيوية الكبرى الموجودة في قلب نظام التمثيل الغذائي لكامل الأرض يعتمد على المحيطات السليمة.

إنّ المجتمع العاقل، واعٍ ومدركٌ لهذه المعلومات، سيدير بحذر علاقاته مع المحيطات، ليطبق بشكل دائم المبادئ الاحترازية، ويُعطي الأولوية القصوى لحماية وإعادة إنتاج الأنظمة البيئة الأساسية اللازمة لحياتنا. لكننا، للأسف، لا نعيش اليوم في مجتمع عاقل.

فكما كتب مايكل بارينتي، لدى الرأسمالية أولويات مختلفة كليّة عمّا ذكرناه: «إنّ جوهر الرأسمالية، وكنه وجودها، يكمن في تحويل الطبيعة إلى سلع، وتحويل السلع إلى رأسمال، لتحوّل في أثناء ذلك الأرض الحيّة إلى مجرّد ثروة فاقدة للحياة. إنّ عملية التراكم الرأسمالي تضع إكليل الخراب على رأس النظام البيئي– الإيكولوجي العالمي. إنّها تعامل موارد استدامة الحياة على الكوكب (الأراضي الصالحة للزراعة، والمياه الجوفية، والأهوار والأراضي الرطبة، والغابات المطرية، وأماكن صيد السمك، وقاع المحيط، والأنهار، ونوعية الهواء) بوصفها مكونات يمكن الاستغناء عنها أو بوصفها موارد لا تنضب، فتحولها إلى سلعة للاستهلاك وللتسميم عن سابق إرادة وتصميم».

هذا هو بالضبط ما يمثله التسارع الأزرق: دفعٌ نحو التراكم الرأسمالي من خلال تشميل واستغلال وتسليع المحيطات والبحار. على مدى سبعين عاماً، مضت الأرض بسرعة من العصر الدافئ «Holocene الهولوسين» إلى عصر تأثير البشر «Anthropocene أنثروبوسين»، حيث ترتسم معالم الكوارث البيئية باستمرار. واليوم قطار الرأسمالية المرتبط بالجحيم يمضي بشكل هائل، يدفعه تسارع الاتجاه نحو المحيطات.

يستحيل أن نمنح المحيطات أهمية مبالغاً فيها لما تسهم به في نظام الحياة على الأرض. تنتج الكائنات الحية المعتمدة على المحيط أكثر من نصف الأكسجين الذي نتنفس، لتتخطى بكثير جداً ما تنتجه الغابات المطريَّة. تقريباً جميع الأمطار التي تجعل الحياة على الأرض ممكنة تأتي بأصلها من المحيطات، وهي التي تحتوي على 97% من مياه الكوكب. إنّها تساعد على دعم استقرار الكوكب من خلال امتصاص كمية ثاني أكسيد كربون تفوق بخمسين ضعفاً ما يمتصه الغطاء الجوي، وكذلك عبر نقلها المياه الحارة بعيداً عن المناطق المدارية. إنّها المصدر الرئيس للبروتينات لمليارات من البشر، ومصدر هام لأكثر المليارات من الأشياء الأخرى. الدورات الجيو- كيميائية الحيوية الكبرى الموجودة في قلب نظام التمثيل الغذائي لكامل الأرض يعتمد على المحيطات السليمة.

إنّ المجتمع العاقل، واعٍ ومدركٌ لهذه المعلومات، سيدير بحذر علاقاته مع المحيطات، ليطبق بشكل دائم المبادئ الاحترازية، ويُعطي الأولوية القصوى لحماية وإعادة إنتاج الأنظمة البيئة الأساسية اللازمة لحياتنا. لكننا، للأسف، لا نعيش اليوم في مجتمع عاقل.

فكما كتب مايكل بارينتي، لدى الرأسمالية أولويات مختلفة كليّة عمّا ذكرناه: «إنّ جوهر الرأسمالية، وكنه وجودها، يكمن في تحويل الطبيعة إلى سلع، وتحويل السلع إلى رأسمال، لتحوّل في أثناء ذلك الأرض الحيّة إلى مجرّد ثروة فاقدة للحياة. إنّ عملية التراكم الرأسمالي تضع إكليل الخراب على رأس النظام البيئي– الإيكولوجي العالمي. إنّها تعامل موارد استدامة الحياة على الكوكب (الأراضي الصالحة للزراعة، والمياه الجوفية، والأهوار والأراضي الرطبة، والغابات المطرية، وأماكن صيد السمك، وقاع المحيط، والأنهار، ونوعية الهواء) بوصفها مكونات يمكن الاستغناء عنها أو بوصفها موارد لا تنضب، فتحولها إلى سلعة للاستهلاك وللتسميم عن سابق إرادة وتصميم».

هذا هو بالضبط ما يمثله التسارع الأزرق: دفعٌ نحو التراكم الرأسمالي من خلال تشميل واستغلال وتسليع المحيطات والبحار. على مدى سبعين عاماً، مضت الأرض بسرعة من العصر الدافئ «Holocene الهولوسين» إلى عصر تأثير البشر «Anthropocene أنثروبوسين»، حيث ترتسم معالم الكوارث البيئية باستمرار. واليوم قطار الرأسمالية المرتبط بالجحيم يمضي بشكل هائل، يدفعه تسارع الاتجاه نحو المحيطات.

إنّ دواعي تخليص العالم من هذا النظام المميت لم تكن حالّة وقوية يوماً مثلما هي عليه اليوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
953
آخر تعديل على الإثنين, 24 شباط/فبراير 2020 12:20