«ذبابة الزومبي».. توثيق محلي يؤكد أهمية البحث العلمي

تداولت العديد من وسائل الإعلام المحلية مؤخراً، الحديث عن آفة ممرضة جديدة تصيب نحل العسل، تم رصدها وتوثيقها في المنطقة الساحلية، وتؤثر على طوائف النحل وعلى جودة منتجاتها، تحت اسم «ذبابة الزومبي»، وهو لا شك اسم مرعب ومريب، علماً أن الاكتشاف والتوثيق العلمي المحلي لهذه الآفة تم الإعلان عنه منذ أكثر من عام.

وبحسب بعض المواقع العلمية «هناك القليل فقط من المعلومات حول هذه الذبابة»، فقد تم اكتشافها بالصدفة في عام 2008، و«النحل المصاب بها يسمى النحل الزومبي ZomBees وأطلق عليها زومبي «الأحياء الأموات» لأن النحل المصاب بها شوهد وهو يحرك أرجله قبل أن يموت بشكل غريب، بين بسط لها ومن ثم ضمّ وبشكل ينمّ عن ضعف شديد. ومن المعروف سابقاً أن هذه الذبابة تتطفل فقط على النحل الطنّان bumble bees وعلى النمل، وهذه أول مرة تشاهد على نحل العسل».

توثيق علمي محلي هام

بحسب «المجلة السورية للبحوث الزراعية»، التي تصدرها الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في سورية، فقد تم تسجيل البحث المقدم من قبل الباحث المهندس «مينوس أسعد» بعنوان: «التسجيل الأول لذبابة الزومبي Apocephalus borealis Brues المتطفلة على نحل العسلApis mellifera L في سورية»، وذلك بتاريخ 1/6/2018، وتم قبوله بتاريخ 1/7/2018.
وقد تضمن ملخّص البحث بحسب الموقع الرسمي للمجلة على ما يلي: «تتعرض طوائف نحل العسل للإصابة بعدد من الآفات، من المسببات الممرضة والمتطفلات التي تعتبر أحد أسباب ظاهرة اختفاء نحل العسل، حيث تغادر عاملات نحل العسل طوائفها خلال الليل وتموت بعد فترة قصيرة. تعد ذبابة الزومبي Apocephalus borealis أحد المتطفلات التي تهاجم طوائف نحل العسل في عدد من دول العالم. لذلك تم جمع عينات من عاملات نحل العسل من منطقتين في محافظة اللاذقية، وأظهرت هذه الدراسة التسجيل الأول لذبابة الزومبي في طوائف نحل العسل في سورية».
لا شك أن التوثيق العلمي لهذه الآفة محلياً، يؤكد على أهمية البحث العلمي الخاص بها باعتبارها من المكتشفات الحديثة نسبياً، وعلى أهمية البحث العلمي بشكل عام، وعلى ضرورة تخليصه من كافة صعوباته ومعيقاته، من خلال توفير كل ما يلزم لتوسيع قاعدته وتعميقه، اعتباراً من سياسات القبول في الدراسات العليا، ومرحلتي الماجستير والدكتوراه، مروراً بسياسات تمويل الأبحاث وتأمين مستلزماتها، وليس انتهاءً بدعم مراكز الأبحاث العلمية والتخصصية.

توضيحات علمية

المعلومات العلمية المتداولة حول هذه الذبابة تقول: «تقوم أنثى ذبابة الزومبي بوضع البيض داخل النحلة المضيفة بواسطة حامل البيض ovipositor الموجود في نهاية البطن بعملية تستغرق من 2-4 ثواني فقط. وبعد أسبوع تقريباً يفقس البيض وتبدأ اليرقات بالتغذية على أحشاء النحلة. وبعد أن تموت النحلة تكمل اليرقات التغذية على أحشائها حتى تخرج من بين الصدر والرأس وقد يصل عددها من 1-13 يرقة وتبتعد عن النحلة وتبدأ مباشرة بالتعذر لمدة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وتكون بلون بني وتخرج في النهاية حشرة كاملة. وبعد فترة تتلقح الإناث وتبدأ دورة حياتها من جديد بالبحث عن عائل لها. بعد عدة أيام من وضع بيض الذبابة، تخرج النحلة من الخلية ليلاً في مهمة انفرادية غير محددة الهدف وبحركات غير متزنة. وعادة ما تتوجه إلى مصدر ضوء (مصباح كهربائي) لتبقى تتحرك حوله بحركة دائرية مضطربة حتى تموت. ومن غير المعلوم حتى الآن السبب الذي يدعو النحلة للخروج ليلاً، ولكن يظن العلماء أن يرقات الذبابة تسبب خللا في الجينات المسؤولة عن الساعة البيولوجية للنحلة».
وعن الأعراض والتشخيص فقد ورد التالي: - طيران النحل المصاب من الخلية ليلاً وتجمعه حول مصادر الإضاءة. - طيران النحل المصاب بحركات دائرية مضطربة وبدون اتزان أو توجيه حول المصابيح. - مشاهدة بعض النحل على أرصفة الطرق تحت أعمدة الإنارة ويكون إما ميتاً أو يتحرك بشكل دوائر أو ساكناً وغير قادر على المشي أو الطيران. - مشاهدة النحل (قبل الموت) وهو بحالة ضعف شديد مع حركة مستمرة للأرجل بين بسط وقبض. - مشاهدة اليرقات وهي تخرج من النحل بعد موته. - مشاهدة عدد من شرانق الذبابة حول النحل الميت.

الأضرار والمكافحة

بحسب المصادر العلمية «تتسبب هذه الذبابة الطفيلية بموت النحل المصاب، وضعف النحل بشكل عام نظراً لأنها قد تنشر مرضي «نوزيما سيراني» ومرض «تشوه الأجنحة». كما يعتقد بأنها أحد أسباب هجر النحل للخلايا والتسبب بانهيار طوائف النحل».
أما المؤسف، فهو عدم توفر وسائل وأدوات الوقاية والمكافحة لهذه الآفة، فقد أكدت المراجع العلمية أنه «لا يوجد سبيل لمكافحة هذه الذبابة حالياً إلا عن طريق عمل مصائد للنحل المصاب قرب مصادر الضوء ليلاً، وجمع النحل والشرانق والتخلص منها. وبالإمكان عمل مصيدة بأدوات بسيطة تتمثل بمصباح كهربائي محاط بقفص حماية معدني، بالإضافة إلى النصف السفلي من عبوة بلاستيكية أو إناء أزهار بلاستيكي. حيث يقلب المصباح داخل العبوة البلاستيكية ويثبت بلاصق. يعلق المصباح قرب المنحل ويشغل ليلاً مع إطفاء أي مصدر إنارة قريب».

أهمية البحث والخطوات اللاحقة

بالعودة لأهمية الاكتشاف والتسجيل الأول لهذه الذبابة «الآفة» محلياً، فقد ورد على لسان الباحث السوري نقلاً عن إحدى الصحف المحلية الرسمية بتاريخ 19/8/2019 ما يلي: «إنّ أهمية هذا التسجيل تنبع من الإشارة إلى وجود آفة جديدة تهاجم نحل العسل، وإن الكشف المبكر عنها وتحديدها هو الخطوة الأولى لوضع إستراتيجيات مكافحتها لاحقاً بعد تحديد مناطق وتواتر انتشارها في البيئة».
أما عن الخطوات اللاحقة لعملية التسجيل الأول لهذه الآفة، فيقول الباحث:
إجراء دراسة تصنيفية للمتطفلات التابعة لعائلة «الفوريد» والتي قد تنتمي لأجناس أخرى غير الجنس Apocephalus».
متابعة المراقبة وجمع العيّنات باستخدام المصائد الضوئية لمعرفة فترات وأماكن انتشار هذه المتطفلات، وتحديد ضررها الاقتصادي بدقة على نحل العسل، حيث إن تأثير الإصابة بهذه المتطفلات لن ينعكس على طوائف النحل فقط من حيث انخفاض أعدادها وانخفاض إنتاجيتها، وإنما سيؤثر أيضاً على النباتات نظراً لأهمية نحل العسل كملقحات.
تحديد مدى علاقة وارتباط الإصابة بالطفيليات التابعة لعائلة phoridae مع العوامل الممرضة الأخرى كالفيروسات.
بانتظار ما ستسفر عنه نتائج البحث العلمي والمتابعة من قبل الباحث بالتعاون مع مركز البحوث العلمية الزراعية باللاذقية، والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في سورية، وخاصة على مستوى الوقاية والمكافحة، نظراً لضررها الاقتصادي والبيئي الكبير، الأمر الذي يفتح قريحتنا مجدداً للتأكيد على أهمية البحث العلمي، وضرورة توفير وتأمين كافة مقوماته، وخاصة ناحية التمويل والتجهيزات والمستلزمات وبقية مساعدات البحث العلمي الأخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
928
آخر تعديل على الإثنين, 26 آب/أغسطس 2019 14:59