إفتتاحية قاسيون 691: «اجتماع موسكو».. نقطة انعطاف!

إفتتاحية قاسيون 691: «اجتماع موسكو».. نقطة انعطاف!

اختتم اجتماع موسكو التشاوري جولته الأولى يوم الخميس الماضي على أن تعقد الجولة الثانية خلال وقت قريب بحضور السيد ديمستورا وبوجود جدول أعمال واضح، لتكون تلك جولة تحضيرية ما قبل الذهاب إلى «جنيف-3». 

وبذلك يكون «منتدى موسكو» قد تحول فعلياً إلى نقطة انعطاف جدية ولا رجعة عنها ضمن مسار حل الأزمة السورية، يثبت ذلك جملة النتائج الجوهرية التي وصل إليها هذا المنتدى بعيداً عن المهاترات الإعلامية التي حاولت تعطيل اللقاء وإفشاله بطاقتها الكاملة، وتحاول اليوم تحوير نتائجه، وستبقى تحاول.

إنّ أهم النتائج الجوهرية التي وصل لها الاجتماع تتلخص فيما يلي:
أولاً، إنّ انعقاد الاجتماع، وخروجه بتوافقات تحصل لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية، رغم الهجوم السياسي والإعلامي المستميت الذي تعرض له، سواء بالتقليل من أهميته أو بمحاولة تصويره انتصاراً لهذا الطرف السياسي أو ذاك، عكس اختلالاً كبيراً في ميزان القوى لمصلحة قوى الحل السياسي التي تراكمت وتعاظمت قوتها مع تقدم الصراع ومع تغيرات ميزان القوى الدولي بوجه قوى التشدد التي أسقط في يدها وعجزت عن إيقاف عجلة الأحداث، ما يؤكد كون هذا الاجتماع نقطة انعطاف هامة في مسار الوضع السوري. 
ثانياً، إقرار جميع الأطراف المشاركة بأنّ لا بديل عن الحل السياسي في سورية وعلى أساس بيان «جنيف-1» الأمر الذي سيفتح الباب أمام تعزيز عملية التوافق وتسريعها.
ثالثاً، إذا كان الخلاف ما يزال قائماً على شكل سورية المستقبل وعلى وضع هذا الطرف السياسي أو ذاك ضمن هذا المستقبل - الأمر الذي شغل أطراف «جنيف-2» - فإنّ الحياة دفعت إلى الأمام قضية جامعةً هي الحفاظ على سورية نفسها قبل الحديث عن سورية الجديدة، وذلك عبر إنهاء الكارثة الانسانية المستمرة التي تعيشها، الكارثة التي يستند إيقافها بشكل كامل إلى الارتباط والتلازم والتزامن بين محاربة الإرهاب والتغيير الجذري الشامل، ما يجعل من هاتين المسألتين أولوية واحدة، وهو ما تم تثبيته في اجتماع موسكو.
رابعاً، تثبتت تعددية المعارضة السورية من حيث المبدأ- وبغض النظر عن الملاحظات على بعض «المعارضين الطارئين»- والتي تعبر عن المناخ الذي ينبغي أن تكون عليه سورية المستقبل، وبالتالي فإنّ شعار «توحيدها» الذي طالما شكل عقبة مصطنعة في وجه تقدم الحل السياسي لم يعد هدفاً، كما أنّه غدا أمراً واقعاً أنه لن يحتكرها أو يسودها أي طرف من أطرافها وهو ما سيدفع الحل قدماً.
خامساً، أكدت أطراف اللقاء وكذلك راعيه الروسي الذي أثبت جدارة ونزاهة دبلوماسية عالية أنّ الحوار الذي بدأ في موسكو ليس عارضاً أو مؤقتاً بل سيستمر حتى الوصول إلى الحل، وجرت ترجمة ذلك عملياً بلجنة المتابعة التي ستدعو لجولة ثانية قريباً تحضيراً لـ«جنيف-3». ما يعني أنّ الطريقة التي سادت محادثات «جنيف-2» انقضت بانقضائه، وفتح الأفق الآن، عبر وجود المعارضة الوطنية، لتأمين التوافقات المطلوبة للخروج من الأزمة عبر توحيد الجهود ضد الإرهاب بالتلازم مع تقديم تنازلات متبادلة تصب جميعها في مصلحة سورية والشعب السوري، وتحديداً في مصلحة السواد الأعظم من الشعب السوري الذي دفع ثمن هذه الأزمة دماً واعتقالاً واختطافاً وتشريداً وجوعاً وبرداً وفقراً.. أي أنّ حضور معارضة وطنية حريصة على الوصول إلى توافقات تسمح بالخروج من الأزمة قد سدّ الذرائع في وجه جميع المتشددين ومن جميع الأطراف، ليقف الجميع أمام مسؤولياته الوطنية بوضوح وجلاء وفي حضرة الشعب السوري.
إنّ نجاح اجتماع موسكو التشاوري يضع أمام الوطنيين السوريين من كل الأطراف مهمة المضي بنتائجه حتى نهاياتها، وتذليل العقبات الموضوعية والمفتعلة في مسار الحل السياسي لإخراج سورية من كارثتها وللحفاظ عليها موحدةً أرضاً وشعباً وحماية دورها الوظيفي في وجه واشنطن والغرب الاستعماري والكيان الصهيوني، ونقلها إلى سورية الجديدة.