إفتتاحية قاسيون 713: فرصة أخرى للحل: مكافحة الإرهاب إقليمياً

إفتتاحية قاسيون 713: فرصة أخرى للحل: مكافحة الإرهاب إقليمياً

 

بدأ المقترح الروسي حول «التعاون الإقليمي بين سورية والسعودية وتركيا والأردن في محاربة الإرهاب»، في ضوء جدية وزخم موسكو إزائه، يتلقى إشارات القبول والدعم من أطراف مختلفة، ضمن عملية يتوقع لها أن تسير بشكل متسارع، وأكثر رسمية، خلال الأيام القادمة.

فكرة التعاون الإقليمي هذه، ليست جديدة من حيث جوهرها، فقد سبق لمجموعة الثماني، قبل عام تقريباً، أن طرحت ضرورة التعاون بين السوريين أنفسهم، حكومة ومعارضة، من أجل محاربة الإرهاب. ونتيجة استمرار ارتفاع درجة تدويل الأزمة السورية، وعدم تحقق ذاك التعاون، لأسباب مختلفة بينها درجة التدويل نفسها، فإنّ المقترح الروسي يأتي اليوم كنتيجة طبيعية لمجمل التطورات.

من جهة أخرى، فإنّ هذا الاقتراح يأخذ سياقه الفعلي من مجمل التغيرات الدولية والإقليمية، المحكومة بميزان القوى الدولي الجديد، ومن السياق الإقليمي الذي بات واضحاً فيه حجم المأزق الكبير الذي تعيشه الأطراف المختلفة، وحجم «الإرهاب» الذي يفرض تنسيقاً إقليمياً لتطويقه وإنهائه، حتى باتت الأطراف الإقليمية، وحتى المحلية، تبحث عن أي طريق يجنبها المحارق الكبرى، أو يحد من استعارها.
إضافة إلى ذلك، فإنّ فكرة التعاون الإقليمي هذه، بمصدرها الروسي، تعبر بشكل ملموس عن طريقة مجابهة «المجتمع الدولي»، بصيغته الجديدة غير الأمريكية، للإرهاب، مجابهة جدّية وفعالة، كإجراء ضمن جملة إجراءات تستهدف حل الأزمة السورية.
إنّ تأكيد الكرملين على استمرار تقديم دعمه السياسي والعسكري للحكومة السورية، جاء واضحاً بوصفه إجراءً ضمن مجموعة إجراءات متكاملة ومترابطة ومتزامنة، تستهدف الوصول إلى الحل السياسي للأزمة السورية بالتوازي مع مهمة مكافحة الإرهاب، أي لا يمكن لأي من الإجراءات أن يعطي بمفرده أية نتيجة دون السير بالتوازي في جميع الإجراءات، ومن بينها تطبيق بيان جنيف 30 حزيران 2012، وهو ما يعيد التأكيد على ترابط المهام وتكاملها: إيقاف الكارثة الإنسانية، وإيقاف التدخل الخارجي، وإيقاف العنف، وإطلاق العملية السياسية، ومحاربة الإرهاب.
إنّ بين أهم مدلولات ونتائج طرح فكرة التعاون الإقليمي، وانتشارها المتسارع، هو توق السوريين للخلاص من الأزمة أساساً، وهو كذلك تأريض لمقولتي «الإسقاط» و«الحسم» اللتين شكلتا معيقات أساسية أمام إنهاء الأزمة. 
وبعد الأخذ بعين الاعتبار أن السعودية هي التي طلبت من روسيا طرح هذا الموضوع، أي البحث عن سبل تطبيقه، فإن الرهان الموضوعي هو أنّ التعاون الإقليمي نفسه في مكافحة الإرهاب، بوصفه خطوة عملية باتجاه إطلاق العملية السياسية السورية، سيوفر المناخ المطلوب أمام السوريين، أياً كانت اصطفافاتهم السياسية الحالية، لتجميع قواهم في مواجهة الإرهاب ذاته. 
إنّ النقاط الأساسية التي ينبغي وضعها في خلفية التعاطي مع الاقتراح الروسي هي التالية:
أولاً: «التعاون» لن يكون تقليدياً بأي من جوانبه، ويحكم ذلك التوازن الدولي الجديد الذي باتت فيه واشنطن وحلفاؤها أضعف بدرجات مما كانوا عليه.
ثانياً: إنّ حقيقة «تدويل الأزمة السورية» قائمة وبدرجات عالية جداً بحكم مسؤوليات أطراف سورية عديدة، وإن الرجوع عن تلك الدرجات يتطلب نقل إحداثيات الصراع من العسكري إلى السياسي، وهذا الأخير كفيل بإطلاق صوت السوريين، الذين ستقع عليهم مهمة «تصفير» محصلة التدويل مع تقدم الحل.
ثالثاً: إنّ صيغة التعاون الإقليمي المطروحة، وإذا ما اتخذت مدخلاً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ستكون فرصة لا ينبغي تضييعها هي الأخرى، لأن ذلك لن يعيد الأمور إلى حالة الصراع الإقليمي غير المباشر القائم حالياً فحسب، بل سيفتح الباب أمام تحوله إلى صراع مباشر غير مسبوق يحرق المنطقة بأسرها ويهدد العالم برمته لعقود متتالية.
إنّ استمرار إحراق سورية، تحت أية ذريعة أو راية أو شعار، من أي طرف كان، سينتهي إلى إسقاط سورية، كدولة موحدة أرضاً وشعباً، وهذا ما لا يدخل في صلاحيات أي طرف كان، وهذا ما لا يسمح به التوازن الدولي الجديد، ولا المصالح الحقيقية للشعب السوري نفسه.   

آخر تعديل على الأحد, 05 تموز/يوليو 2015 12:54