إفتتاحية قاسيون 727: المبادرة الروسية: من «المفرق» إلى «الجملة»!

إفتتاحية قاسيون 727: المبادرة الروسية: من «المفرق» إلى «الجملة»!

يعيش عالم اليوم مرحلة سمتها الأساسية هي التغيرات السريعة والكبرى في الوقت نفسه. وإذا كان خط السير العام، هو باتجاه إعادة صياغة المنظومة الدولية بإحداثياتها المختلفة، الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بحيث تتوافق مع التوازن الدولي الجديد، فإنّ هذه العملية مرّت حتى الآن بطورين متعاقبين..

 

الطور الأول: اشتغال الروس وحلفائهم على فصل الملفات العالقة ونقاط الاشتباك والحريق عن بعضها البعض، بحيث يجري إطفاؤها الواحدة تلو الأخرى، وبأقل الأضرار الممكنة، بمقابل اشتغال واشنطن على ربط الحرائق جميعها بحيث يغذي كل منها الآخر، ما يمنع أي تقدم جدي، في مختلف المناطق التي دأبت واشنطن على التعامل معها بـ«الجملة» بوصفها ساحة حرب واحدة.

الطور الثاني: ويمكن تأريخه ابتداءً من دخول روسيا على خط محاربة الإرهاب في سورية بشكل مباشر قبل عشرة أيام تقريباً، وسمته انتقال الروس من العمل بـ«المفرق» إلى العمل بـ«الجملة»، وانطلاقاً من محاربة الفاشية الجديدة بتجليها الإرهابي، وباعتبارها تلك الأداة التي استخدمتها واشنطن لربط الحرائق بعضها ببعض.
إنّ من نافل القول أنّ طرفي الصراع إنما يتعاملان مع العالم بأسره باعتباره ساحة واحدة بالمعنى الاستراتيجي، ولكن تعاقب الطورين الذي أشرنا إليه يتعلق بإدارة الصراع تكتيكياً من جهة، وبدرجة نضج وتعمق هذا الصراع من الجهة الأخرى.. فإذا كانت واشنطن قد اعتمدت في التعامل مع أزمتها العميقة، ومع صعود القطب الآخر، سياسة الهروب إلى الأمام بشكل مستمر عبر تغذية الفاشية الجديدة وإشعال المزيد والمزيد من الحرائق، فإنّ العمل الاستباقي في مواجهة هذه الحرائق عبر ضرب أداتها الأساسية على المستوى العالمي، أصبح الخطة الأساسية والوحيدة للقطب المضاد، الأمر الذي وجد ترجمته العملية الأولى في الدخول الجدي على محاربة الإرهاب في الساحة السورية، وهو ما سيستدعي موضوعياً استكمال تلك الترجمة في العراق وربما في أفغانستان وليبيا.

ولعل الطور الثاني- طور العمل بالجملة- سيكون المدخل نحو طور ثالث يعاد فيه فصل الملفات وحلحلتها على قاعدة تهتك الفاشية الجديدة وتقهقرها، على أنّ هذا الطور لن يكون بعيداً إذا ما أخذنا في الحساب درجة التسارع القائمة..
ورغم أنّه ما يزال من المبكر الحديث عن نتائج النشاط العسكري الروسي، ولكن درجة التسارع العالية للأحداث تسمح بوضع نتائج أولية أهمها:
أثبتت الأيام القليلة الماضية أن حرب موسكو على الإرهاب وقوى الفاشية الجديدة في سورية هي حرب جدّية وفاعلة.
الحرب الروسية ضد الفاشية الجديدة في سورية ستفتح الباب أمام مكافحة الإرهاب والفاشية على المستوى العالمي.
الحرج الأمريكي أمام فاعلية الروس سيزداد باضطراد وسيضعف مواقع واشنطن ومواقفها السياسية على المستوى الدولي.
 مختلف أشكال الهجوم الإعلامي على الروس، ومحاولات تسطيح النشاط الروسي بدعايات أنّه يهدف لدعم النظام السوري، تعبر أول ما تعبر عن مستوى الحرج الأمريكي العالي، وثانياً عن محاولات واشنطن إبطاء مفاعيل هذا النشاط واحتمالات امتداده نحو العراق وغيره.
بالمحصلة، يبدو واضحاً أنّ الروس ماضون في تصعيد وتوسيع حربهم على الفاشية الجديدة بوصفهم المكافح الأساسي لها، الحرب التي سيناور الغرب قدر استطاعته قبل أن يلتحق بركبها، هذه المناورة التي كلّما طالت أكثر، كلّما أضعفت مواقع الغرب وزادت خسائره.
وفي السياق، وفي الإطار السوري الخاص، فإنّ العمل على الموازاة بين محاربة الإرهاب وبين إطلاق الحل السياسي، سيشكل النموذج الأولي الذي سيجري الاشتغال على تعميمه على الساحات المختلفة لاحقاً.

آخر تعديل على الأحد, 11 تشرين1/أكتوير 2015 12:17