المدرعات (تحمي) الديمقراطية

المدرعات (تحمي) الديمقراطية

(البترول يجب أن يكون مجانياً في فرنسا لأنه مسروق من إفريقيا).
وزير فرنسي سابق

ينطوي المشهد الفرنسي الراهن على دلالات كثيرة ومن مختلف الجوانب، ويحمل دروساً بليغة على أكثر من صعيد:
- الثابت والمتفق عليه، هو أن مشروع النيوليبرالية تعرض لصدمة جديدة، وفشل في امتحان آخر، فالحراك الشعبي الفرنسي هو تعبير عن زيادة الاستقطاب الطبقي، وردّ فعل على محاولة النخبة الحاكمة الفرنسية إجراء عمليات قسرية للتحكّم بعملية تركز وتمركز الثروة لصالح الطغمة المالية، وذلك على خلفية وقوف المركز الغربي عموماً على عتبة موجة جديدة من الأزمة، كما تشير أغلب القراءات الاقتصادية.
- الحراك هو إعلان بداية النهاية لذلك الزمن الذي كانت البرحوازيات الغربية تستطيع الحفاظ على التوازن الاجتماعي داخل بلدانها، مستفيدة من عمليات النهب الجارية لدول العالم، فثقب الأزمة الأسود وكما يبدو لا يترك هوامشاً كافية للمناورة ويشفط المزيد من الثروة، وعليه فإن ما يجري في فرنسا هو أول الغيث كما نعتقد.
- ما تغفله أغلب التحليلات السائدة، هو: مصير الديمقراطية البرجوازية التي تقف هي الأخرى أمام تحدٍ وجودي ملموس، فالمدرعات في شوارع باريس أمّ الديمقراطيات ومضرب المثل لللاهثين وراء النموذج الديمقراطي الغربي، وفي ظل تداعي المشروع النيوليبرالي الاقتصادي فإن معادله السياسي (الديمقراطية البرجوازية) يقف أمام منعطف خطير، وعلى ما يبدو لم يعد يصلح أن يكون شكلاً لمحتوى اقتصادي بات ينتج التناقضات بتسارع لافت، فإما أن تأخذ الديمقراطية بعدها الاجتماعي، أي: إعادة النظر في طرائق توزيع الثروة، وتحطم قوقعة الحريات السياسية البرجوازية، وبالتالي تفسح المجال أمام الحركة الجماهيرية لتبني نموذج سياسي جديد، أو أن قوى رأس المال ستلجأ إلى الديكتاتورية السافرة عوضاً عن الديكتاتورية المقنعة، كما كان الحال خلال العقود السابقة، وتصبح في مواجهة المجتمع بالكامل.
- من السمات المشتركة لجميع البلدان التي تشهد حراكا جماهيرياً خلال السنوات الأخيرة، غياب الحزب السياسي الفاعل والقادر على حماية الحركة، ودفعها إلى الأمام، ولكن التجربة التاريخية تؤكد بأن هذه الحركة تفرز قياداتها وقواها السياسية، التي تُحوّل الطاقة الجماهيرية إلى قوة تغيير، بمعنى آخر تُطيح بكامل الفضاء السياسي القديم، إلا من يستطيع اللحاق بالركب، ويصوغ برامجه ورؤاه بما ينسجم مع التغيير الموضوعي المستحق، فهل ستكون بلاد الكومونة النموذج الملموس لذلك؟

موقع قاسيون الالكتروني 

آخر تعديل على الإثنين, 17 كانون1/ديسمبر 2018 00:42