افتتاحية قاسيون 913: تفاهمات  ما بعد التصعيد؟

افتتاحية قاسيون 913: تفاهمات ما بعد التصعيد؟

يكاد يشترك جميع من يقدمون قراءاتهم للوضع السوري في القول إنّ مرحلة تسويات وتحولات كبرى باتت تلوح في الأفق القريب، ولكن كل جهة تضع تفسيراتها الخاصة لهذا الأمر، وتوقعاتها لجوهر التسويات القادمة.

وتجري الإشارة في هذا السياق إلى عدة قضايا، من بينها ما يجري في أرياف إدلب وحماة، وما يرافقه من سلوك سياسي من جهة الغرب خاصة، ولكن بينها أيضاً اللقاء المرتقب يوم الثلاثاء بين بوتين وبومبيو، وفي سوتشي بالذات. ومن المعروف أنّ لقاء وزير خارجية دولة ليس بنظيره فحسب من دولة أخرى، بل ومع رئيس تلك الدولة، يشير عادة إلى احتمال وصول الدولتين إلى توافقات مهمة، أضف أنّ أشهراً عديدة قد مرت على ما يشبه القطيعة الدبلوماسية بين البلدين.

إنّ نقطة الانطلاق في فهم وتوقع ما سيجري على الساحة السورية، كانت وما تزال في فهم التوازن الدولي الجديد وما وصل إليه. وفي هذا السياق فإنّ أحد أهم المؤشرات على طبيعة ذلك التوازن وتطوراته، ومنذ سنتين وحتى الآن، هو الصراع الجاري بين أستانا من جهة والمجموعة المصغرة من جهة أخرى، وليس بما تمثلانه من دول تقف مواقف متناقضة من الملف السوري فحسب، بل ومتناقضة إزاء مجمل الأحداث والأزمات في أرجاء شتى من العالم، ولا ينبغي ولو للحظة واحدة نسيان وجود الصين ضمن مركز التوازن الدولي الجديد الذي تشكل أستانا أحد تعبيراته، حتى وإنْ لم تكن مشاركة بشكل مباشر فيها.

إنّ حجم التصعيد الذي جرى خلال الشهور الماضية، لا في سورية وحدها، بل وفي عدد كبير من الملفات المتأزمة ضمن المنطقة والعالم ككل، من تركيا إلى إيران إلى فنزويلا إلى الهند والباكستان... وإلى كل بقعة من بقاع الأرض تقريباً، وعلى الصعد المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والسيبرانية، يعيد إلى الأذهان توتر ما قبل الحرب العالمية الثانية، مع فارق حاسم في حجم توازن القوى؛ بكلام آخر، فإنّ خيار كسر شوكة التوازن الدولي الجديد، والعودة إلى الماضي عبر الحرب، لم يعد خياراً قابلاً للتطبيق نتيجة هذا التوازن بالذات، وما يجري الآن هو إتمام خنق هذا الخيار.

وإذا كان «الاستعداد للحرب يمنعها»، فهذا بالضبط ما نرى تباشيره على المستوى الدولي، واتفاقات ما بعد الحرب يمكن الوصول إليها أيضاً دون الحرب في حال بات واضحاً للأطراف جميعها حجم كلٍ منها، والنتائج المتوقعة من إشعال الحرب أو تصعيد مستوياتها إن لم تكن قد وصلت بعد إلى مستوى شامل.

إنّ الجنوح باتجاه التوافق وحلحلة الأمور، وإن كان يمكن أن يُقرأ كهزيمة للغرب ولواشنطن بالذات، وكانتصار للقوى الصاعدة على المستوى العالمي، فإنّ القراءة الأدق له، وضمن حالة خنق الحرب وبالتالي عدم الوصول إلى نهاياتها التي ينتصر فيها طرف نصراً ساحقاً ويهزم الآخر، هي أنّ من سينتصر هو القانون الدولي، واحترام إرادات الشعوب، وسيادة الدول، وهذا ما سيجري في سورية أيضاً، وعبر تطبيق كامل للقرار 2254 يُعيد لها ولشعبها السيادة، وينهي كارثتها ويفتح الباب لولادة جديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
913