ما الذي يمكن توقعه من قمة أنقرة المقبلة؟
سعد صائب سعد صائب

ما الذي يمكن توقعه من قمة أنقرة المقبلة؟

يجتمع رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا، (روسيا- تركيا- إيران)، يوم الاثنين 16 أيلول في أنقرة، لبحث المسألة السورية. على جدول الأعمال، وفقاً لتصريحات مسؤولين في هذه الدول، توجد قضايا اللجنة الدستورية وإدلب والشمال الشرقي.

بمراجعة سريعة للسنتين الماضيتين، يتضح أن لقاءات ثلاثي أستانا على مستوى الرؤساء، باتت مسألة دورية بمعدل مرة كل ثلاثة أشهر تقريباً، ناهيك عن اللقاءات الثنائية بين الرؤساء. أما اللقاءات من المستويات الأدنى، فتكاد تكون شهرية أو أقل من شهرية، ناهيك عن تواصل الخبراء الذي يجري- ودون مبالغة- بصفة يومية.
بمقابل درجة التنسيق العالية والمستمرة بالارتفاع بين ثلاثي أستانا، يبدو المشهد شاحباً بما يخص ما يسمى «المجموعة المصغرة» التي تضم بقيادة الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا فرنسا ألمانيا السعودية الأردن ومصر. حتى إنّ اجتماعاتها (القليلة والمتقطعة مقارنة بثلاثي أستانا)، باتت تمر مروراً عابراً لدرجة أنه لا يكاد يُلحظ حتى في الإعلام؛ مثال ذلك آخر اجتماع لهذه المجموعة في جنيف على مستوى المبعوثين الخاصين للأزمة السورية والذي لم يسمع به إلا المتابعون المواظبون على تلقط آخر الأخبار. أهم من ذلك، هو أنّ اجتماعات المصغرة باتت صدى لعمل أستانا؛ أي إنّ المجموعة المصغرة باتت تحسب خطواتها في إطار ردود الفعل على ما يجري التوافق عليه في أستانا، أو- في أحسن الأحوال- محاولة استباق ما يمكن الاتفاق عليه، للعمل ضده؛ وهذا ما بات واضحاً في لغة المبعوثين الخاصين في لقاءاتهم مع بعض الأطراف السورية... في الاجتماع الأخير للمصغرة مثلاً، فإنّ الخوف الأساس لدى الغربيين، كان متمثلاً في أن يمضي ثلاثي أستانا لإعلان اللجنة الدستورية من طرف واحد، وعليه فقد كانوا واضحين بوجوب التساهل مع أستانا في عملية تشكيل اللجنة الدستورية، وضرورة التوقف عن وضع العصي بالعجلات وعن التمسك بالشروط المسبقة.

تشكيل من طرف واحد؟

إنّ جوهر الطرح السائد في المصغرة خلال سنتين مضتا، هو التعطيل؛ لملف اللجنة الدستورية، وكذا ملف إدلب وملف الشمال الشرقي، بالتعاون المباشر مع بعض المتشددين من الأطراف السورية، وبالتخادم غير المباشر مع أطراف متشددة أخرى، والذي بات حقيقة واضحة. وكذلك عبر استخدام الثقل الغربي التاريخي المتشكل عبر نصف قرن ضمن أروقة الأمم المتحدة، التي يكاد سلوكها في أحيان كثيرة يظهر غربياً أكثر منه (دولياً).
إنّ التخوُّف الغربي المتصاعد من «خطوات أستانية منفردة»، سواء في اللجنة أو في غيرها، يعكس في عمقه عجزاً غربياً متعاظماً عن منع احتمال هكذا خطوات، وعن محاربتها جدياً في حال حدثت.

الاستنزاف القاتل

اللعبة الأمريكية في سورية، لم تتغير من حيث جوهرها عبر السنوات الأربع الماضية على الأقل؛ فبعد الفيتو الروسي الصيني المكرر عدة مرات، ومن ثم بعد الدخول المباشر للروسي على خط محاربة الإرهاب مانعاً احتمال انهيار الدولة وتشظيها، باتت مساحة اللعب الأمريكي محدودة من حيث الشكل ضمن أطر الحل السياسي، بشكل خاص بعد صدور القرار 2254 في الشهر الأخير من 2015.
وضمن هذه الأطر، بات مطلوباً الإيحاء بالعمل من أجل الحل السياسي، ولكن في الحقيقة العمل ضده، سواء على الأرض، أو عبر الأطر الدبلوماسية، وحتى عبر الأمم المتحدة نفسها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، والهدف هو استمرار الاستنزاف واستمرار الحريق لأطول مدة ممكنة؛ فاستمرار عدم استقرار منطقتنا يسمح بحده الأدنى باستمرار الضغط على المنافسين الصاعدين (روسيا والصين)، وبحده الأعلى يمكن له أن يتحول إلى فتيل لإشعال حرائق أوسع تمتد من سورية نحو تركيا وإيران بشكل خاص، ومنهما نحو الصين وروسيا، الأمر الذي إنْ حدث فإنّه لن يؤخر إرساء التوازن الدولي الجديد بشكله الكامل فحسب، بل وربما يسمح بانقلابه مجدداً لمصلحة عودة الهيمنة الغربية.

أمل إبليس

ضمن هذا التصور، يمكننا فهم درجة التنسيق المتعاظمة بين ثلاثي أستانا، (والصيني رابعهم دائماً)، التنسيق الذي بات يعكس إلى حد ما صورة حلفاء يخوضون حرباً مشتركة وجودية ضد الهيمنة الغربية، ويخوضونها تحت مسمى يخص سورية هو مسار أستانا، ولكن الحقيقة أن مساحة تنسيقهم أوسع من ذلك بكثير، وتشمل بالحد الأدنى بلدانهم نفسها إضافة إلى آسيا الوسطى، وفي الملفات المختلفة الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

قمم كثيرة... ما الجديد؟

يتبادر للذهن سؤال منطقي في ظل تعدد قمم أستانا وتتاليها؛ فإذا كان هذا الرتم يعكس الحاجة إلى تنسيق عالٍ جداً، فإنه قد يعكس من جهة أخرى أنّ ضرورة التنسيق العالي تنبع أيضاً من حجم الخلافات العالي هو الآخر.
الوقائع تقول إنّ كل تهويل يسعى الغرب للترويج له حول «عمق» خلافات أستانا البينية، إنما هو تضخيم متعمَّد للخلافات الطبيعية الموجودة، وخاصة بين روسيا وتركيا؛ فمن ينظر إلى حجم ما يتفق عليه، سواء على المستويات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية، يقطع الشك باليقين بأنّ نقطة اللاعودة في مسألة الاستدارة التركية باتت وراءنا بمراحل.
من جانب آخر، يمكن للتساؤل عما يمكن للقمة القادمة أن تنتجه أن يأخذ الشكل التالي: بما أنّ القمم كثيرة ومتكررة، فليس من الحصافة التعويل على خرق كبير في «قمة جديدة» تضاف إلى قمم سابقة عديدة.
ينبغي الانتباه في هذه المسألة، أنّ كل قمة ثلاثية كانت تنتج شيئاً ملموساً على الأرض، مرة بما يخص إدلب، وأخرى بما يخص حل إشكالات عالقة بخصوص اللجنة الدستورية، وثالثة بما يخص رفع التوافق ضد الوجود الأمريكي في سورية وفي المنطقة... وهكذا.
وإذا كانت نتائج القمم الماضية، رغم فاعليتها، تبدو (جزئية) وغير نهائية (أو حاسمة)، فهذا من طبيعة الأمور؛ إذ إنّ الخيار الواضح في مواجهة الهيمنة الغربية غدا مفهوماً وواضحاً للجميع: ينبغي الانتصار بالنقاط، فليست هنالك ضربة قاضية بغياب احتمال الحروب المباشرة.
ولكن منطق النقاط نفسه، منطق التراكم الكمي، لا ينبغي أن يُحيل إلى توهم أنّ الخصم لن يصل مع تتالي اللكمات إلى مرحلة يقع فيها من تلقاء نفسه، ودون ضربة قاضية، أو على الأقل إن لم يقع فإن الحكم سيغدو قادراً على إعلان انتهاء المباراة...
من هذا الباب أيضاً، فإنّ المؤكد أنّ قمة الاثنين ستحمل معها جديداً مهماً، لن نضطر كثيراً إلى انتظار معرفة طبيعته. هذا الجديد ليس بالضرورة إعلاناً للجنة من طرف واحد، ولكنه جديد حقيقي بكل الأحوال، وليس جديداً مزيفاً من الطراز الذي تنتجه المجموعة المصغرة. والجديد، أياً يكن شكله، فإنه سيشكل خطوة إضافية، وربما نوعية، باتجاه تنفيذ القرار 2254 كاملاً غير منقوص!

معلومات إضافية

العدد رقم:
931
آخر تعديل على الإثنين, 16 أيلول/سبتمبر 2019 13:06