افتتاحية قاسيون 948: كيف نسرّع الانسحاب الأمريكي؟

افتتاحية قاسيون 948: كيف نسرّع الانسحاب الأمريكي؟

رأت افتتاحية قاسيون الماضية «تصعيدٌ أعلى لانسحابٍ أسرع»، في اغتيال سليماني فعلاً أمريكياً يستهدف التمهيد لعملية انسحاب أسرع من المنطقة، تتم تغطيتها بوابل من التصعيد. ولم تكد تنقضي ساعات على صدور العدد 947 من قاسيون، حتى بدأت الأحداث تؤكد صحة هذا الاستنتاج، ابتداءً من قرار البرلمان العراقي ومروراً بـ«مسودة الرسالة الأمريكية للعراق»، وليس انتهاءً بتصريحات ترامب نفسه في مقابلته الأخيرة مع القناة اليمينية الأمريكية Fox News والتي عبّر فيها بشكل واضح عن «عدم ممانعته» بل و«رغبته» في الخروج من العراق ومن سورية، ومن الشرق الأوسط ككل.

رغم تفرد التصعيد الأخير من حيث درجته وشدته وخطورته؛ بحيث بدا وكأنه الخطوة الأخيرة قبل إشعال حرب واسعة النطاق، إلا أنّ النظر إليه الآن، وبعد أن استقرت حبيبات الغبار الكثيف التي أثارها في أجواء المنطقة والعالم على السواء، يفتح الباب لتعزيز القراءة القائلة بأنّ التصعيد الأعلى إنما يستهدف الانسحاب الأسرع، بل ويعيد إلى الذاكرة القريبة سلسلة أحداث وأفعال أمريكية مشابهة تسمح بتعميم هذه القراءة...

يمكن في هذا السياق استذكار حدثين مشابهين، القصف الأمريكي لمطار الشعيرات في سورية، والذي أعلن ترامب بعده نيته الانسحاب من سورية، وكذلك عمليات التصعيد حول خطوط الملاحة ابتداءً بأسر غريس 1 ووصولاً إلى إعلان ترامب أنه ليس معنياً بحماية الملاحة في الخليج، وليس معنياً بحماية مرور النفط فيه، وأنّ أصحاب المصلحة عليهم أن يدفعوا وأن يوجدوا هم بأساطيلهم، أما هو فخارج من المنطقة، ولن يبقي هناك أساطيل أو قوى إلا «كشركة حماية مدفوعة الأجر»، وليس في إطار وجود إستراتيجي طويل الأمد.

إنّ النظر إلى السيناريو المكرر، ثلاث مرات على الأقل هي المبينة أعلاه، يعيد التأكيد على الاتجاه الإستراتيجي الموضوعي الذي تسير وفقه واشنطن باتجاه انكفاء متسارع نحو الداخل، وباتجاه الخروج من منطقتنا، والذي يتمظهر حتى الآن بهيئة انسحابات جزئية وإعادة تموضع.

رغم ذلك، ينبغي الانتباه إلى حقيقة أنّه سواء بالنسبة لترامب الراغب بالانكفاء، أو لمناوئيه الداخليين الرافضين لهذا الانكفاء، فإنّ عملية الانكفاء بذاتها تخضع لمعيار واقعي صارم يتعلق بميزان الأرباح والخسائر؛ فكلما كان البقاء الأمريكي أكثر كلفة كان الانسحاب أسرع والعكس بالعكس. يضاف إلى ذلك أنّ إعادة التموضع التي ينفذها ترامب، ولمن يراقبها بدقة، تستهدف فعلياً التمركز على المسائل الأكثر هشاشة والأكثر قابلية لتمديد الصراعات والأزمات، بما في ذلك محاولة اللعب مجدداً بالقضية الكردية.

إنّ تسريع حل أزمات المنطقة بأسرها، وسورية بشكل خاص، يمر عبر طريق واحد هو تسريع خروج الأمريكي، وهذا لن يتم بشكل ناجز إلا عبر السير بخطى صادقة وحقيقية باتجاه الحل السياسي الشامل على أساس التنفيذ الكامل للقرار 2254، الذي بات الموقف الفعلي منه، لا اللفظي، تعبيراً مكثفاً عن صدقية الموقف الوطني للقوى السياسية السورية المختلفة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
948
آخر تعديل على الأحد, 12 كانون2/يناير 2020 21:31