افتتاحية قاسيون 952: صفقة «تأمين اليتيم وميراثه»!

افتتاحية قاسيون 952: صفقة «تأمين اليتيم وميراثه»!

يسود في الأوساط الإعلامية والسياسية العربية، جوٌ من النحيب والتفجع حيال «صفقة القرن»، وكأنّ مجرد إعلان ترامب عنها يعني تحققها.

يعود هذا المناخ الجنائزي إلى سببين متداخلين؛ الأول الذي نعتقد أنه الأكثر تأثيراً، هو رغبة مؤيدي الصفقة في التقليل من فضيحتهم وذلّهم، ما يدفعهم إلى تغذية الآراء التي تقول بالعجز وانعدام الحيلة، وأما الثاني فهو الجهل وضيق الأفق الذي يتملّك الكثير ممن يُسمون «نُخباً» دافعاً إياهم إلى حالة من العماء المطلق عن حقيقة ما يجري على سطح الكوكب من تغيُّر عميق في ميزان القوى الدولي ضد مصلحة الكيان الصهيوني الذي بات قاب قوسين من التيتم مع الموت الوشيك لأبيه (الأحادية القطبية بزعامتها الأمريكية).

إنّ جوهر صفقة القرن، وبعيداً عن التشاؤم وعن التفاؤل على حد سواء، هي إحدى مفردات التراجع الأمريكي الشامل، على المستوى العالمي عموماً وفي منطقتنا خصوصاً، وهي تحضير للانكفاء عن المنطقة بشكل نهائي. وهي لذلك بالذات، الطبعة الأخيرة من مشروع الفوضى الخلاقة التي يُراد لها أن تحقق مسألتين أساسيتين: الحفاظ على «اليتيم» الصهيوني وميراثه عبر تقوية مواقعه وتحويل الأنظمة التي عملت خادمة عند الأب إلى خادمة مباشرة وعلنية عند الابن من جهة، ومن الجهة الأخرى إبقاء حال «الفوضى الخلاقة» في المنطقة بأسرها، عبر تأمين أسباب استمرار داعش وأشباهها، بل وأسباب تمددها بالضبط نحو الدول المؤيدة لصفقة القرن...

إنّ أي قراءة لصفقة القرن تفصلها عن الأزمات في سورية والعراق ولبنان وسائر المنطقة، وتفصلها عن حجم الذل والخنوع المتعاظم الذي تعيشه الأنظمة العربية، هي قراءة لا قيمة لها ولا يُعوّل عليها.

بالمقابل، فإنّ إسقاط صفقة القرن وتداعياتها، لن يتم بشعارات عامة في الهواء، أياً كان مصدرها؛ وإذا بدأنا بأنفسنا، فإنّ مهمة السوريين لا بما يخص القضية الفلسطينية فحسب (وهذه وحدها كافية ومشرفة لخوضها)، ولكن بما يخص تداعيات تلك الصفقة على سورية نفسها، تتمثل قبل كل شيء في إنهاء حالة الضعف السوري المزمن التي خلقتها الأزمة المستمرة والمتفاقمة بتكافل بين التخريب الغربي، وبين الفاسدين الكبار والمتشددين من الأطراف السورية. إنهاء هذا الضعف، وإنهاء الأزمة، يمر عبر طريق واحد هو التطبيق الفوري للقرار 2254 الذي يضع قرار السوريين بيدهم، ويحول مناصرتهم للشعب الفلسطيني التي لا يجرؤ أحد على التشكيك بها، إلى أفعال حقيقية.

بالنسبة للقوى الفلسطينية، فإنّ توحيد موقفها الفعلي لا الشكلي بات ضرورة لا يمكن القفز عنها، وهذا التوحيد ينبغي أن يستند إلى قاعدة الاستفادة القصوى من التوازن الدولي الجديد، وتسخير طاقاته بما يخدم مصلحة فلسطين والفلسطينيين.

بالنسبة للأنظمة العربية، وإنْ كان يصعب خطابها من موقع مصلحة شعوبها لأن تاريخها لا يدل أنّ خطاباً من هذا الموقع يعنيها، فإنّ مصلحتها الضيقة هي نفسها، مصلحة استمرارها، تقع على الضفة المعاكسة تماماً لمصلحة الأمريكي والصهيوني، وعليها في هذا الإطار أنْ تعيد الحساب سريعاً قبل أن يصلها لظى حريق «صفقة القرن»...

معلومات إضافية

العدد رقم:
952