الاستغلال الأمريكي وبوادر الفشل إفريقيا نموذجاً
سعد خطار سعد خطار

الاستغلال الأمريكي وبوادر الفشل إفريقيا نموذجاً

منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي، لم تبرح القارَّةُ الإفريقية موقعها كهدفٍ للسياسات التوسعية والاستغلالية للولايات المتحدة، وهي السياسات التي اتخذت منحىً تصاعدياً منذ تفكُّك الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات. وكان الدافع إلى ذلك غنى القارة بالموارد الطبيعية ذات الأهمية الإستراتيجية سواء على مستوى التصنيع أو حتى على مستوى الاستخدامات التكنولوجية العسكرية.

تهتم الولايات المتحدة بشكلٍ خاص بالموارد الطبيعية للقارة، وعلى رأسها الوقود الأحفوري والمواد الخام، مثل المعادن الأرضية النادرة التي تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للموارد العسكرية والمواد الخام الداخلة في صناعات التقنيات الرقمية المخصصة للتداول غير العسكري. فدولة مثل جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، تحتل اليوم المركز السادس من حيث حجم رواسب عناصر الأرض النادرة المتوفرة فيها. وفضلاً عن ذلك، باتت إمدادات المعادن (مثل الكوبالت والمنغنيز والكروم) من إفريقيا إلى الولايات المتحدة أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن على المدى الطويل.

«التعاون» السياسي

من أجل خلق بيئة ملائمة للسياسات الأمريكية في القارة الإفريقية، ولضمان سهولة حصول واشنطن على مبتغاها من القارة، وافق الكونغرس الأمريكي على إنشاء منتدى التعاون التجاري والاقتصادي بين الولايات المتحدة وإفريقيا، ونتيجة لذلك، يتعين على مسؤولي الخارجية الأمريكية عقد دورات سنوية على المستوى الوزاري، تجري خلالها عملية إضفاء طابع سياسي على النهب الأمريكي.
ومن أجل تعزيز موقفها في إفريقيا، رَّكزت الولايات المتحدة بشكل متزايد على استخدام نفوذها السياسي والعسكري. ولأول مرة منذ عام 1945، أنشأت الولايات المتحدة قيادة إقليمية جديدة، هي قيادة الولايات المتحدة لإفريقيا (أو ما يسمى بأفريكوم) في عام 2007، وتغطي منطقة مسؤوليتها أراضي 53 بلداً. وتشمل مهمة «أفريكوم» وضع إستراتيجية لتنفيذ العمليات العسكرية في القارة الإفريقية، وتدريب القوات العسكرية للدول الإفريقية الموالية لواشنطن. وتتمثل إحدى المهام الرئيسة لأفريكوم في «حماية وتأمين» الموارد الطبيعية الموجودة في القارة، ومن ثم نقلها إلى الخارج!
وبحسب صحيفة الغارديان، فإن قوام القوات الأمريكية في أفريكوم يبلغ 7500 جندي في الوقت الحالي، منتشرين في جميع الدول الإفريقية تقريباً، علماً بأن عدد القوات في عام 2017، لم يكن قد تجاوز بعد عتبة الـ6000 جندي. وعليه، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها، كجزء من قواتها المسلحة، قيادة منفصلة في إفريقيا، والتي تقدم الدعم لسياسة واشنطن التوسعية. وحتى القوى الاستعمارية التقليدية، مثل فرنسا وبريطانيا، التي لا تزال تحاول «الإشراف» على عمليات مختلفة في عدد كبير من الدول الإفريقية، اختارت عدم القيام بمثل هذه الخطوة.

«المساعدة العسكرية»

من أكثر الوسائل فعالية لممارسة المزيد من النفوذ على المنطقة هي برامج «المساعدة العسكرية» التي وضعها البنتاغون في الدول الإفريقية التي للولايات المتحدة مصلحة عسكرية وسياسية فيها. وتشمل بعض برامج «المعونة العسكرية» برامج التمويل العسكري الخارجي وبرامج التعليم والتدريب العسكري الدولي. ولعب برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي دوراً بالغ الأثر في شراء ذمم بعض القادة العسكريين الأفارقة، الذين تحوَّلوا إلى «جماعات ضغط» داخل دوائر صنع القرار في الدول الإفريقية.
وبالرغم من التركيز الأمريكي واسع النطاق على نقل مركز ثقل الحضور العسكري إلى شرق آسيا وتخوم الصين تحديداً، إلَّا أنَّ البيانات تشير إلى جهدٍ أمريكي ملحوظ لزيادة فعالية المنشآت العسكرية الموجودة في إفريقيا، حيث إننا أمام شبكة متنامية باستمرار من القواعد العسكرية الأمريكية، ووفقاً للبيانات فقد ارتفع عدد المواقع التي تتمركز فيها القوات الأمريكية من 34 قاعدة إلى 46 قاعدة، ويشمل هذا العدد 15 قاعدة دائمة تسمح للولايات المتحدة بالانخراط في عمليات عسكرية بشكلٍ مباشر داخل إفريقيا.

الصين والضربة القاضية

لا يمكن تجاهل مساهمة الصين في التنمية الاقتصادية لإفريقيا في العقود القليلة الماضية. وقد واصلت الصين منذ خمسينات القرن الماضي تقديم المساعدات للبلدان الإفريقية في مجالات الزراعة والتعليم والصحة والبنية التحتية، وتشمل بناء مراكز لتعليم التكنولوجيا الزراعية في البلدان الإفريقية، وإرسال الخبراء الزراعيين، والمساعدة لبناء مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، فضلاً عن المساعدة في التكنولوجيا الجديدة ودفع الاقتصاد الصناعي إلى الأمام.
كما أظهرت استثمارات الصين والمساعدات الاقتصادية لإفريقيا اتجاهاً تصاعدياً كبيراً في السنوات العشر الماضية. وشهدت التجارة الثنائية بين الصين وإفريقيا تطوراً مستمراً، وأصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري لإفريقيا. وخلال هذه العملية، خلقت الصين عدداً كبيراً من فرص العمل للبدان الإفريقية.أمّا المشكلة الأساس التي تخلقها الصين للولايات المتحدة، فهي أنها بتعاونها مع الدول الإفريقية، إنما تمدّ بكين لهذه الدول طوق نجاة يخلصها من الاستغلال والنهب الأمريكيين، وإذا أردنا الإشارة إلى ذلك، نكتفي بذكر ما جاء من تصريحات على لسان بعض القادة الأفارقة في مناسبات عدة. بحيث أكَّد رئيس نامبيا، هاغي غاينغوب، أنَّ «التعاون الصيني الإفريقي لطالما كان على قدم المساواة، والصين شريك مخلص وصديق لإفريقيا، ولذلك فإننا نعارض الاتهامات الخارجية للصين، لأنه لا أساس لها من الصحة»، بينما تساءل رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر جيله: «ما يقرب من 90% من الشركات الأجنبية التي تستثمر في بلادنا صينية، وحوالي 89% من الموظفين العاملين في هذه الشركات هم مواطنون محليون، أي إن الصين خلقت الملايين من فرص العمل العادلة، وعلّمت الكوادر الإفريقية طريقة خلق الثروة الحقيقية، وجلبت لهم فرص التدريب التقني»، أما رئيس وزراء مملكة ليسوتو، موتسواهاي تابين، فأكد أنَّ «الفائدة الكبرى من التعاون بين الدول الإفريقية والدول الغربية في الماضي كانت تعود للدول الغربية، وليس هذا هو الحال في التعاون الصيني الإفريقي، حيث إن الصين صديق حقيقي وصادق للبلدان الإفريقية، لم يقدم أي بلد مثل هذا الدعم لإفريقيا، وهذا الدعم ليس مفيداً لإفريقيا فحسب، بل للسلام والتنمية في العالم كله».

معلومات إضافية

العدد رقم:
953
آخر تعديل على الإثنين, 17 شباط/فبراير 2020 13:25