أصابع الكيان في أوكرانيا
د.فايز رشيد د.فايز رشيد

أصابع الكيان في أوكرانيا

الكيان يوظف الصراع في أوكرانيا من أجل مصالحه. هذا ما لا نقوله نحن فقط، وإنما تنطق به الحقائق: استجلاب أكبر نسبة من يهود أوكرانيا إلى «إسرائيل» وعددهم فيها يبلغ حوالي نصف مليون. إلهاء روسيا عن منطقة الشرق الأوسط وبخاصة بعد توقيع صفقة أسلحة حديثة بين روسيا ومصر، تورّد بموجبها الأولى مقاتلات وصواريخ متطورة من طراز S- 300 وأنظمة دفاعية أخرى.

محللون "إسرائيليون" كتبوا على موقع "تيك ديبكا" القريب من الاستخبارات "الإسرائيلية" بأن "صفقات الأسلحة الروسية - المصرية تشكل خطراً على ميزان القوى في الشرق الأوسط". هذا ما تحققه دولة الكيان من تأجيج الصراع في أوكرانيا. لقد وقّعت "إسرائيل" وأوكرانيا اتفاقية لزيادة عدد الرحلات الجوية الأسبوعية من 21 رحلة إلى 48 رحلة. الصهيوني بيرنارد ليفي تواجد بين صفوف المتظاهرين الأوكرانيين أكثر من مرة. نسأل: ماذا كان يفعل؟ عضو الكنيست الفاشي موشيه فيغلين وفي مقابلة له مع الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخراً قال: "على "إسرائيل" أن تكون مستعدة لاستقبال هجرة ضخمة لليهود من أوكرانيا خلال الفترة القريبة المقبلة". هذا غيض من فيض الحقائق المتعلقة بالتدخل الصهيوني في أوكرانيا. 

المخطط الصهيوني لأوكرانيا هو جزء من مخطط أمريكي- غربي يتمثل في حلقات ثلاث: محاصرة روسيا وتوريطها في نزاع صراع على حدودها، فكانت قضية أوكرانيا المضي قدماً في مشروع الفوضى الخلاقة، فكان إنشاء مشاريع التنظيمات المتطرفة: "داعش" و"النصرة" وغيرهما، وكان ما حققه "داعش" وغيره من التنظيمات الأصولية المتطرفة في العراق وسوريا ومحاولة الامتداد إلى دول عربية أخرى. الحلقة الثالثة: نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والإشارة إلى "إسرائيل" بالبدء في عدوانها. هذا يتقاطع مع الهدف "الإسرائيلي" في نزع أسلحة المقاومة.
هذه الخطة بحلقاتها الثلاث جرى بحثها في مؤتمر هرتسيليا الأخير (14) الذي انعقد ما بين 24- 31 يونيو/حزيران الماضي، والذي حضره قادة سياسيون وعسكريون "إسرائيليون" إضافة إلى الخبراء الاستراتيجيين من أصدقاء "إسرائيل" وبخاصة من الولايات المتحدة. جزء من قرارات هذا المؤتمر والأخرى السابقة تبقى سرية، لكن المحاضرات بشأنها تكون علنية، ويجري نشرها في وسائل الإعلام "الإسرائيلية" المختلفة.
من قبل: ثبت بالملموس تسلل اليهود الصهاينة إلى مواقع مؤثرة في المفاصل السوفييتية في الإعلام، في الأجهزة المختلفة للدولة، في أكاديمية العلوم السوفييتية، في الحزب الشيوعي السوفييتي بما في ذلك لجنته المركزية ومكتبه السياسي. (هذا ما تقوله وثائق سوفييتية كثيرة جرى نشرها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي)، لكل ذلك وكما ثبت، فإن الصهاينة لعبوا دوراً أساسياً في انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية. بالنسبة لأوكرانيا كان من الطبيعي أن تخضع هذه الجمهورية لنفس مقاييس نشاطات الحركة الصهيونية في الاتحاد السوفييتي.
في أوكرانيا يوجد ما يزيد على نصف مليون يهودي في أوساطهم أثرياء كثيرون، من بين هؤلاء، أرسين ياتسنيوك رئيس حزب "جبهة التغيير"، بيترو بوراشينكو خامس مليادرير في أوكرانيا لعب دوراً في عهد الرئيس يوشنكو عام ،1995 وشغل منصب سكرتير الأمن القومي قبل أن يصبح وزيراً. فكتور بنشوك ثاني مليادرير في أوكرانيا، صاحب خمس قنوات تلفزيونية فضائية. إيغور كولومسكي الذي يعتبر أغنى رجل في أوكرانيا، صاحب بنك "برايفت"، وصاحب ثلاث قنوات تلفزيونية. وغريغوري سوركيس رئيس نادي دينامو كييف. هؤلاء غيض من فيض نفوذ الحركة الصهيونية في أوكرانيا. هؤلاء الأثرياء يوظفون أموالهم ونشاطاتهم السياسية في خدمة الكيان والحركة الصهيونية عموماً.
التدخل الصهيوني في تأجيج الصراع في أوكرانيا هو استكمال متمم لذات التدخل في الأزمة الجورجية في عام ،2007 والذي لم يبق سراً، وجرى نشر الكثير من تفاصيله علناً.
وحول أحداث أوكرانيا نستكمل القول: لقد استمرت هذه الأحداث لشهور طويلة تحت عنوان: الحراكات الأوكرانية للمعارضة. في هذه الحراكات وقع قتلى وجرحى وبخاصة من قوات حفظ النظام. جرى تدمير العديد من المباني الحكومية. جرت اعتقالات، وعمليات خطف ونهب، وسرقات وتخريب للممتلكات والمنشآت الحكومية. ما جرى في أوكرانيا لم يكن مواجهة بين سلطة (مجرمة) ومتظاهرين (سلميين وديمقراطيين)، إنه صراع بين القوى المتعددة على السلطة ومنها قوى يمينية نازية متطرفة تحوز دعماً مطلقاً من التحالف الأمريكي - الغربي - الصهيوني. لذلك غذّت هذا الصراع كل من هذه الأطراف الثلاثة. القوى اليمينية الأوكرانية موحدة إيديولوجياً وشعاراتها هي غربية أمريكية صهيونية بامتياز. لقد كشفت المصادر(بما فيها مصادر "إسرائيلية") مشاركة 300 جندي "إسرائيلي" (من اليهود الأوكرانيين الذين هاجروا إلى "إسرائيل" وأدوا الخدمة العسكرية فيها، وعادوا إلى بلدهم الأم في بداية الأحداث).
هذا يؤكد صورة التحالف النازي التي شهدناها في ثلاثينات القرن الماضي بين هتلر وزعماء الحركة الصهيونية، لدعم هجرة اليهود إلى "إسرائيل" مقابل إعطاء الحركة الصهيونية لمعلومات عن التجمعات اليهودية في أوروبا للنازيين.
لقد جرى توقيع عدة اتفاقيات بين المعارضة والحكومة، وجرت انتخابات ونجح مرشح المعارضة إلا أن الأوضاع لم تهدأ رغم الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي. صحيح إن وقفاً لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة، قائم حالياً، لكن الأزمة الأوكرانية لم يجر حلها والصراع ما زال مفتوحاً على احتمالات كثيرة. كل ذلك يشي بأن القوى الصهيونية ما زالت تعمل على تأجيج الصراع في أوكرانيا.
لقد ساعدت روسيا أوكرانيا بمليارات الدولارات وأعلنت أنها على استعداد لإعطائها 15 مليار دولار في الوقت الذي امتنع فيه الغرب عن مد أوكرانيا بالمال. روسيا تمد أوكرانيا بالنفط والغاز بأسعار تفضيلية. روسيا ليست على استعداد لخسارة أوكرانيا، لتكون بولندا جديدة تتمركز فيها قوات حلف الناتو وصواريخ الدرع الأمريكي، وهي لن تقف مكتوفة الأيدي من إمكانية انزلاق تام لأوكرانيا في مخططات حلف الأطلسي. الأمر مرهون بتطورات الصراع على الأرض.

المصدر: الخليج