بوتين في قمة العشرين
                                                هاني شادي هاني شادي

بوتين في قمة العشرين

 غادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة مجموعة «العشرين» في استراليا قبل انتهائها، معللا ذلك بحاجته إلى «العودة للوطن للحصول على قسط من النوم قبل العودة إلى العمل». وتعكس هذه الخطوة من قبل الرئيس الروسي مدى عمق الخلافات حول الأزمة الأوكرانية، التي سيطرت عملياً على المحادثات بين الجانبين الروسي والغربي في هذه القمة. فقد قوبل بوتين بانتقادات حادة من قبل «الغربيين» بسبب موقفه من الأزمة في أوكرانيا، وصلت إلى اتهامه بالعمل على «تدمير» نظام الأمن في أوروبا والعالم. وللمقارنة، كانت قمة مجموعة «العشرين» في روسيا العام الماضي قد شهدت صفقة «الكيماوي السوري»، بينما لم تشهد قمة استراليا أي حلحلة للأزمة الأوكرانية. وتُحمل معظم وسائل الإعلام الروسية المسؤولية عن ذلك للولايات المتحدة تحديدا، لافتة إلى أن أوباما كان قد اعتبر «روسيا ـ بوتين» أحد التهديدات العالمية، بجانب وباء «إيبولا» وتنظيم «داعش».

ويبدو أن رؤية الجانبين الروسي والغربي لكيفية الخروج من الأزمة الأوكرانية أثناء قمة مجموعة «العشرين» في استراليا لم ترق لبعضهما البعض. فالرئيس الروسي، بحسب المعلومات المتوافرة، طرح إمكانية الحفاظ على أوكرانيا كدولة عن طريق تحويلها إلى «فيدرالية محايدة» لا تنضم إلى أي حلف عسكري وتضمن حقوق السكان الروس، بما في ذلك حقهم في جعل لغتهم الأم «الروسية» لغة رسمية. أما القرم في إطار هذه الرؤية الروسية، فلا يمكن الحديث عنها في أي تسوية مقبلة للأزمة في أوكرانيا. أي ان «الفدرالية المحايدة» تكون من دون القرم التي عادت إلى روسيا إلى «الأبد»، بحسب التصور الروسي. وفي إطار هذه الرؤية، وفي حال موافقة الغرب عليها، يمكن أن تتعاون روسيا والدول الغربية في تنمية الاقتصاد الأوكراني، عبر شطب الديون القديمة وفتح الأسواق أمام البضائع الأوكرانية، وتخفيض أسعار الغاز وتقديم المساعدات والتسهيلات المالية.
وفي غالب الظن، راهن الرئيس الروسي في طرحه هذه الرؤية على أن الدول الغربية، في حال قبول هذا الحل، سوف تحفظ ماء وجهها عبر منع تقسيم أوكرانيا والحفاظ على سيادتها في صورة دولة «فيدرالية محايدة». ولكن الغربيين رفضوا الرؤية الروسية، على اعتبار أنها تحوّل أوكرانيا إلى فلك النفوذ الروسي، وإن بشكل غير مباشر. كما طالب الغربيون الرئيس الروسي بوقف تدخل بلاده في الشأن الأوكراني وسحب قواته من جنوب شرق البلاد، حيث يُصر «حلف شمال الأطلسي» على أن روسيا أدخلت بعضا من قواتها المسلحة إلى الأراضي الأوكرانية، وهو ما تنفيه موسكو ليل نهار. ولذلك غادر بوتين بشكل «استعراضي» القمة قبل انتهائها، فيما حذر الرئيس الاميركي باراك اوباما من ان روسيا ستبقى معزولة، اذا واصل نظيره الروسي تأجيج النزاع في جنوب شرق اوكرانيا. ولذلك لا يُستبعد اشتداد المعارك خلال الفترة المقبلة في مناطق النزاع الأوكرانية، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأوكراني، بيوتر بوروشينكو، الاثنين 17 تشرين الثاني، عن استعداد بلاده لسيناريو «الحرب المباشرة» مع روسيا.
واللافت أن موسكو لا تزال تراهن على انشقاق الصف الأوروبي وتقليل تبعية الأوروبيين للموقف الأميركي في الأزمة الأوكرانية. ويعول الكرملين كثيرا على ألمانيا، التابعة بدرجة أكبر للغاز الروسي، والتي يتسم موقفها ببعض المرونة حيث تدعو إلى مواصلة الحوار مع موسكو، انطلاقا من مبدأ «أن روسيا جزء من المشكلة وجزء من الحل أيضا». ويُلاحظ أن ألمانيا، ومعها بعض الدول الأوروبية، قد تقبل بإرجاء بحث مسألة القرم الشائكة إلى ما بعد التوصل إلى تسوية لمناطق جنوب شرق أوكرانيا. وهو ما ترفضه الولايات المتحدة حتى اللحظة. وبالفعل زار وزير الخارجية الألماني موسكو يوم الثلاثاء 18 تشرين الثاني، وبحث الأزمة الأوكرانية مع نظيره الروسي من دون التوصل إلى نتائج ملموسة يمكن أن تؤدي إلى الخروج من الأزمة. وإذا كان الموقف الألماني يتسم ببعض المرونة، فإنه لا يمكن وصف الموقف البريطاني أو الفرنسي بالأمر نفسه. فبعد لقائه الرئيس الروسي على هامش القمة في استراليا، لم يستبعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فرض عقوبات جديدة على موسكو. من جانبها، تمارس فرنسا ضغوطا على روسيا من خلال صفقة حاملتي المروحيات «ميسترال».
وقد وصفت صحيفة «كوميرسانت» الروسية قمة «العشرين» في استراليا بالأكثر تعقيدا في تاريخ هذه المجموعة. ولفتت إلى أنه برغم عدم تحقيق أي تقدم نوعي أو قفزة كبيرة بشأن الأزمة الأوكرانية، إلا أن كلا من الغرب وروسيا اعتبر أنه سجل نجاحا فيها. فقد أكد القادة الغربيون تصميمهم على مواصلة الضغط على موسكو لتغيير سياستها تجاه أوكرانيا، وفي الوقت ذاته، حرم فلاديمير بوتين مُنتقديه من استخدام القمة لتشديد عزلة روسيا. ومن ثم ظل بوتين شريكا للغرب في الحوار برغم صعوبة التعامل معه، وبرغم انعدام اللغة المشتركة للحوار بين روسيا والغرب. في الوقت نفسه، حظي موقف بوتين بتفهم شركائه في مجموعة «بريكس» أثناء القمة. ومع ذلك لم يتم اللقاء بين بوتين وأوباما على هامش قمة «العشرين»، كما حدث أثناء قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي «آبيك» في بكين في العاشر من تشرين الثاني الجاري.
ويمكن القول إن فشل قمة مجموعة «العشرين» في حلحلة موقف الجانبين الروسي والغربي، الأميركي في المقام الأول، من الأزمة الأوكرانية رفع درجة قناعة بعض الخبراء الروس في أن الغرب يسعى بالفعل إلى زعزعة الاستقرار في روسيا، وأن الأزمة في سوريا وأوكرانيا تعكس بوضوح سياسة الغرب لتحقيق هذا الهدف.

 المصدر: السفير