روسيا والغرب... اختبار القوة
يونس السيد يونس السيد

روسيا والغرب... اختبار القوة

يبدو أن الدب الروسي المتحفز للعودة إلى الساحة الدولية قد أيقظ الغرب من حالة الانتشاء التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي على وقع نذر المواجهة وعودة الحرب الباردة من جديد.

 بعدما قررت روسيا الخروج من تحت العباءة السوفييتية والإعلان عن انتهاء تلك الحقبة بالفعل، عبر توجيه رسائل قوية مفادها أن سياسة العقوبات والحصار لموسكو لم تعد مجدية، وان الغرب لم يعد حراً في التصرف مع أجزاء واسعة من العالم كمحميات طبيعية أو مناطق للنفوذ من دون المخاطرة بدفع الثمن .

فمع تربع فلاديمير بوتين على عرش الكرملين، شهدت روسيا صعوداً متنامياً في قوتها العسكرية واستعدادات جدية للمواجهة مع الغرب، تم التمهيد لها بإعادة تحديث ترسانتها العسكرية التقليدية والنووية، ومن ثم الدفع باتجاه سياسة حافة الهاوية، في مؤشر واضح إلى ظهور مرحلة جديدة عنوانها "اختبار القوة" بين الجانبين .
ظهرت ملامح استعراض القوة في الزيادة الملحوظة لتوغل الطائرات والغواصات الروسية في الأجواء والمياه الأوروبية واقترابها على علو منخفض من مناطق الكثافات السكانية خلافاً لما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة، ما استدعى استنفاراً من جانب حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي أشار إلى اعتراض أكثر من مئة مقاتلة روسية منذ مطلع العام، أي أكثر بثلاث مرات من العام الماضي . وكانت السويد قد استنفرت قبل ذلك قواتها البحرية والجوية بحثاً عن غواصة غامضة دخلت مياهها الإقليمية، في تذكير صريح لتوغل الغواصات السوفييتية في ثمانينات القرن الماضي . هذا الاستعراض للقوة لم يأت مصادفة بقدر ما يرتبط بالأزمات الدولية وطريقة تعامل الغرب معها، سواء في أوكرانيا أو إيران أو محاربة الإرهاب في سوريا والعراق وغيرها، كما يدخل في سياق عودة سباق التسلح بين الجانبين، كما عبّر عنه بالمقابل وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل، مؤخراً، بالإعلان عن استراتيجية جديدة لتحديث أنظمة الأسلحة التي تمكن واشنطن من مواصلة هيمنتها العسكرية في القرن 21 .
كثير من المحللين يعتقدون ان ما يحدث لن يخرج عن إطار معادلة "الردع المتبادل" ولعبة التوازن التي ستظل محكومة بسقف الخيار النووي، لكنه سيفرض في نهاية المطاف تقديم تنازلات من طرف إلى آخر . غير ان هذا الاتجاه لا يزال يصطدم بعقبات كثيرة ناجمة عن حجم الخلافات والتناقضات كما ظهر في قمة "برزبين" الأخيرة التي كرست هذا التباعد بين روسيا والغرب .
من الواضح ان إصرار روسيا على تكريس نفسها قطباً عالمياً، من خلال الخيار العسكري، يهدف إلى مواصلة الضغوط على الغرب لانتزاع اعترافه بما تعتقد انه حقوقها ومصالحها، من دون الوصول إلى حد المواجهة والصدام الفعلي، أو كما عبر عنه الباحث الروسي ايغور سوتياغين من أن "بوتين يهدد الغرب ليحصل على صداقته بالقوة وبشروطه" . ولكن هل يمكن لذلك ان يتحقق مع عودة الجمهوريين للهيمنة على الكونغرس والتحكم في مفاتيح السياسة الأمريكية بالاعتماد على القوة والحسم العسكري، والدفع باتجاه الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم؟ سؤال ستظل الإجابة عنه برسم الأيام المقبلة .

 

المصدر: الخليج