ليس كله بسبب الانتخابات
reuters
عوني صادق عوني صادق

ليس كله بسبب الانتخابات

منذ أن وضعت الحرب الثالثة على غزة أوزارها، في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/ آب الماضي، بدأ الحديث عن "انتخابات مبكرة" للكنيست يعلو لينخفض، ثم يعود ليعلو من جديد، وما زالت نغمته تسير على الوتيرة نفسها حتى اليوم .

وعلى مدى تاريخ الكيان الصهيوني، ومنذ أول حكومة شكلها دافيد بن غوريون، كان السيناريو يتكرر . فكلما واجه الكيان مشكلة كبيرة، أو "مأزقاً" في الداخل أو مع البيئة المحيطة، أو حتى مع المجتمع الدولي، كانت تبرز "الانتخابات المبكرة" كرافعة يواجه بها حكام تل أبيب المشكلة، أو يتم بها الخروج من المأزق، إلى جانب "حكومات الطوارئ" أو ما يسمى "حكومات الوحدة الوطنية" . وفي كل هذه الأحوال كانت انتخابات الكنيست مجرد "آلية" للشروع في حرب جديدة، أو في مخطط استيطاني جديد، أو للخروج من مشكلة أو مأزق، ودائماً من أجل هدف ثابت هو "كسب الوقت" اللازم لتنفيذ مخططات التوسع والاستيطان .
في هذا العام، علت السجالات التي بشرت بتفكك الائتلاف اليميني الحاكم بقيادة زعيم (الليكود) بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة ولا تزال . بدأت السجالات مع الخلاف الناشب حول إدارة الحرب الفاشلة على غزة ونتائجها، وانتقلت إلى الخلاف حول ميزانية عام 2015 وتخصيصات الوزارات، ثم إلى الخلاف حول مشروع "قانون التهود"، وأخيراً حول الهبة الشعبية في القدس ومحيطها، بسبب الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى، وفشل الحكومة "الإسرائيلية" والجيش والأجهزة الأمنية في وقف المواجهات المتسعة يوميا، على الرغم من كل أساليب القمع والقتل والاعتقالات والعقاب الجماعي التي تسلكها سلطات الاحتلال .
بعض المحللين "الإسرائيليين" حاول ويحاول أن يوحي، بأن كل ما يجري من تصعيد وسعار هو لسببين: الأول، التحريض الفلسطيني (فصائل وسلطة) ضد الكيان وسلطته . والثاني، قرار نتنياهو بتقديم انتخابات الكنيست، وكأنما هذه الانتخابات تبيح مزيداً من القتل والاعتقال، وتبرر مزيداً من مصادرة الأرض وبناء المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين، وتسمح بمزيد من تدنيس المقدسات ومنع الفلسطينيين حتى من العبادة . وإذا تركنا السبب الأول، لأنه لا يستحق التوقف عنده، طالما جعل نتنياهو من الرئيس محمود عباس زعيماً للمحرضين(!!) ليظل السبب الثاني، وهو ما يحتاج للتوقف عنده لتبيان أنه ليس أكثر من ذريعة أو "آلية" مجربة لمواجهة "الاستياء" الدولي من سياسات نتنياهو من جهة، وكسب الوقت اللازم لاستكمال تهويد المدينة المقدسة من جهة أخرى .
كثيرون، وزراء وزعماء أحزاب وسياسيون وكتاب ومحللون، اتهموا نتنياهو بأنه يريد تقديم الانتخابات، ويجدون في تحديد موعد انتخابات (الليكود) الداخلية دليلاً على ذلك . لكن في الوقت نفسه، نجد قيادات في الليكود اتهمت وزراء وزعماء أحزاب في الائتلاف الحاكم وخارجه، مثل يائير لبيد ونفتالي بنيت وأفيغدور ليبرمان، أنهم هم الذين يسعون لإسقاط الحكومة . مع ذلك فقد سبق لنتنياهو أن صرح بالقول: إن "آخر ما نحتاج إليه في الوقت الراهن هو الانتخابات" مضيفاً: "نحن نريد المواصلة مع هذه الحكومة والكنيست الموجودة" . وهناك من المحللين البارزين من يستبعد إجراء الانتخابات المبكرة في وقت قريب على الرغم من كل اللغط الدائر، ومنهم من يكاد يجزم بتقريبها ويحددون إجراءها الربيع المقبل .
فمثلا، كتب دان مرغليت، في (إسرائيل اليوم 22-10-2014)، يفسر استبعاده لها على الرغم من كل الخلافات التي تحتدم بين أطراف الائتلاف، وقال: "الصمغ الذي يوحدهم الآن لفترة من الزمن، هو نتائج الاستطلاعات . الكثير من الأحزاب تجد نفسها تحت الخط الأحمر وستخسر في الانتخابات" . والاستطلاعات هذه تقول إن "حركة" تسيبي ليفني قد تختفي، وحزب يائير لبيد (يوجد مستقبل) سيخسر أكثر من نصف مقاعده، بينما سيربح حزب "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان . لذلك يسعى نتنياهو للتقرب من الأول، في وقت فقد الود الذي كان بينه وبين ليبرمان .
إنه يمكن رمي ما يجري اليوم في القدس على الانتخابات، لو كان نتنياهو مثلاً ضد الاستيطان في القدس على الأقل . ويمكن ذلك لو لم تكن الحكومة "الإسرائيلية" توافق بالإجماع، أو قريباً من الإجماع، على كل الانتهاكات التي تتم في القدس، وكل التوسعات التي يصادق عليها بشكل شبه يومي . ذلك لا يعني أن كل ما نراه هو مجرد توزيع أدوار، ولا ينفي وجود التنافس والصراع على السلطة، بل يؤكد أن ذلك يخدم السياسات التي تقرها الحكومة "الإسرائيلية"، وإن ما يجري اليوم في القدس، هو نفسه ما جرى منذ بدء الاحتلال من حيل وألاعيب، والانتخابات إحداها، يكتسب بها الوقت، وتنفذ بها المخططات التوسعية الصهيونية . فليس كل ما يجري بسبب الانتخابات، الأصح أن يقال اليوم، إن الانتخابات إن تمت، إنما تتم بسبب ما يجري، وليس العكس .

المصدر: جريدة الخليج

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين2/نوفمبر 2014 19:52