عملية بطولية... رغم أنوف «مثقفي وأزلام السلطة»؟!
د. فايز رشيد د. فايز رشيد

عملية بطولية... رغم أنوف «مثقفي وأزلام السلطة»؟!

كتب أحدهم مقالة في إحدى صحف السلطة الفلسطينية, مقالة بعنوان: " ... ولكنها ليست بطولية"، ذلك يوم الأربعاء (19 نوفمبر الحالي), بالطبع يقصد الكاتب: عملية الشهيدين غسان وعدي (أبو) جمل  البطولية الأخيرة. 

بدوري أتابع الصحف التي الصادرة في الضفة الغربية, وكان لي ردود أحيانا على ما ينشر في ذات الصحيفة, أرسلها...  يتم تجاهلها ولا تنشر! هذه المرة وددت مناقشة رئيس تحرير الصحيفة, لضمان نشر ردي على المقال المعني, طلبته هاتفيا من عمان, جرى تحويلي إلى سكرتيرته, عرّفتها بنفسي وسالتها إن كان موجودا, وأخبرتها بالشأن الذي سأتحدث به معه, بكل الدماثة أجابتني: بأنه موجود, وحولتني إليه. استمر انتظاري بعضا من الوقت, وفوجئت بإخبارها لي: أنه لم يصل بعد! رئيس التحرير كان موجودا, هذا ما اكّدته لها... ولم تعترض. ما أود توضيحه: أنني أفضل الرد دوما في الصحيفة المعنية. أنني اتصلت برئيس التحرير ليس بصفته الشخصية وإنما لموقعه, وهو المتحكم فيها. أدرك أن هذه الصحيفة هي بوق للسلطة, ومع ذلك افترضت فيها: احتراما  مهنيا لنشر الردود! كان واجب رئيس التحرير الاستماع إلي لانني أود مناقشة موضوع جاء في صحيفته. هذا ادنى حدود الأدب والأخلاق والتعامل المهني!. على افتراض انه لم يكن موجودا (وهذا غير صحيح), فواجب سكرتيرته أخذ رقم هاتف المتصل, يتصل به ويساله عما يريد ؟!. رئيس التحرير أساء لنفسه قبل أن يسىء إلي. لهذا أناقش المقالة من خلال عمودي الأسبوعي في العزيزة "القدس العربي". لم أورد الأسماء... احتراما للقدس العربي.

المقالة  تحوي كثيرا من المغالطات التي تنم عن جهل بحقيقة العدو الصهيوني. الكاتب يعتبر: "أن العملية خطيرة، وقد تكون تداعياتها أخطر", الكاتب يعتقد "أن العملية تهدد بنقل الصراع بين "شعبين" إلى حرب بينهما، في حين تصارع فلسطين سياسيا، لتكون دولة، وتصارع دولة إسرائيل ضدها"  ,ويعتبر: "أن 3 رصاصات أصابت أوسلو، مذبحة الحرم الإبراهيمي..  مقتل إسحق رابين الرصاصة الثالثة أودت بعرفات" .الكاتب يحمّل المسؤولية لحركة حماس ويعتبر اختطاف المستوطنين الثلاثة (بطريقة غير مباشرة) مسؤولية العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، ويستطرد ".... لكن إن صح إعلان الجبهة الشعبية مسؤوليتها عن عملية الكنيس، فهذا أمر له تداعياته، لأنها عضو في منظمة التحرير الفلسطينية " . الكاتب يعتبر العمليات الإستشهادية, "عمليات انتحارية"!؟, وهو يعتبر الكفاح المسلح لشعبنا " عنفا مضادا " ردا على العنف الإسرائيلي .

أود الرد وباختصار شديد : نكبة حقيقية  للفلسطينيين ألحقت بنكباتهم العديدة ,شكّلتها اتفاقية اوسلو المشؤومة . سئل رابين في الكنيست في الجلسة التي خصصت لمناقشة الإتفاقية عن سبب توقيعه لها، أجاب بالحرف الواحد : أحضرنا "المخربين الإرهابيين" ليكونوا تحت مرمى بصرنا، ولنحكم قبضتنا عليهم " . بدوره، فإن إسحق شامير وعد بإطالة المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاما . بالفعل أطالت إسرائيل المفاوضات 21عاما لم تزدد خلالها إلا استيطانا ,واغتيالا ,وتكسيرا للعظام, وهدما للبيوت, وارتكابا للمذابح، وعدوانا واسعا بين الفترة والأخرى، لم تزدد إسرائيل الشايلوكية  إلا نهما وتعطشا للدماء ,وجوعا ضاريا للحم الفلسطيني, ومزيدا من الإشتراطات عليهم: كالاعتراف بيهودية دولتها، ووجودا لقوات إسرائيلية في مناطق الدولة ( التي هي ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الإدارية للسكان، مجردا من اي نوع من انواع السيادة حتى في حركة الداخلين إليها والخارجين منها ... حكم ذاتي هزيل, وبالتنسيق الامني مع العدو تصبح المهمة الاساسية للسلطة : حماية الاحتلال، وهذا ما مثلته منذ مجىء أبو مازن ) !., فعن أي نضال سياسي يتحدث الكاتب ؟ . أنصحه بقراءة كتاب نتنياهو : مكان تحت الشمس ليعرف حقيقة وجهات نظره . اليهود ليسوا شعبا, فمن أين اخترع الكاتب تعبير الشعب لليهود أو للإسرائيليين – لا فرق ؟ . الحركة الصهيونية بادرت بطرح مفاهيم " القومية "، "الشعب"، "الأمة" مع بدء طرحها كمفهوم سياسي ( وليس دينيا ) . راجع كتاب روجيه غارودي " الاساطير المضللة للسياسات الإسرائيلية"، كتاب إسرائيل شاحاك " الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة " كتابات :حنة أرنت، شلومو ساند,عن اختراع مفهوم " الشعب اليهودي"، نورمان فلنكشتاين عن الهولوكوست، كارل ماركس، لينين عن " المسألة اليهودية" وحل مشكلة اليهود . وحول ما اخترعته الصهيونية من مفهوم " اللاسامية "يمكن مراجعة كتاب برنارد لازار" اللاسامية، تاريخها وأسبابها " .

المقاومة المسلحة، حق مشروع للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة إرادات ابنائها, بقرارات واضحة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ( قرار رقم 3034 بتاريخ 18 ديسمبر 1972, قرار رقم 3314 بتاريخ 14 فيراير 1974) . الصهيونية ( وبالضرورة تمثيلها السياسي : دولة الكيان ) هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ( قرار الأمم المتحدة رقم3379 ,ومعروفة هي ظروف إلغاء القرار  . هل هناك حركة تحرر وطني تخلصت من الاستعمار الجاثم على أرض بلدها من دون الكفاح المسلح ( الذي يسميه الكاتب " عنفا مضادا"، وكأنه يعيش في المريخ، ولا يعاني واقع الاحتلال ؟ هل المطلوب من الفلسطينيين، رمي دبابات الاحتلال بالورود ورش جنوده بالرز ؟ إذا كانت شعوب العالم قاومت مستعمريها بالكفاح المسلح، فشعبنا بحاجة إلى هذا الكفاح مكررا أربع مرات مضاعفة, لان عدونا فريد في عدوانيته وعنصريته واقتلاعه لشعبنا، المستوطنين من كل انحاء العالم في محله ؟، أندير خدنا الأيسر للعدو ليصفعه كما صفع الأيمن؟... غريب والله هذا المنطق . الشارع الإسرائيلي يتحول بتسارع نحو المزيد من الفاشية والتطرف ( راجع استطلاعات الصحف الإسرائيلية عن هذا الأمر ) . المدارس الدينية تربي المتطرفين من الحاخامات الذين يفتون: " بان العربي الجيد هو العربي الميت " وأنه " يجوز قتل العرب حتى الرضّع من أطفالهم" ,راجع كتاب اسرائيل شاحاك السابق الذكر . هذا غيض من فيض من حقيقة إسرائيل . ثم أخيرا : فإن منظمة التحرير هي ملك للشعب الفلسطيني، استأثر بها وهيمن عليها فصيل واحد . قامت م. ت . ف. على مبدأ: تحرير الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر . الآخرون هم الذين خرجوا عن مبادئها في  برنامج النقاط العشر, وهمروجة إلغاء كافة البنود المتعلقة بالكفاح المسلح في دورة المجلس الوطني عام 1996 في غزة .

في الختام : أن تكون مثقفا سلطويا يعني: أنك تفقد هويتك كمثقف, تصبح حجر شطرنج تدار كيفما يشاء الآخرون، تصبح ببغاءا يردد ما تقوله سلطتك المحركة, ولية الأمر والنعم ! . يرى جمال الدين الأفغاني دور المثقف : " بالتأمل في الحاضر من أجل تفسير النبل الإنساني، وإضاءة الطريق لأبناء أمته على قاعدة التمتع بالروح الفلسفية النقدية واستخدامها في مراجعة الماضي " . لا يمكن لمثقف السلطة أن يمتلك هذا الدور . المقالة السياسية باعتبارها " شكلا فنيا " تخضع لقواعد الفن، الذي لا يجري فهمه وفقا للمقولة الأفلاطونية : " الفن للفن" . السياسة ليست أيضا وفق تعريف غورباتشوف لها "بأنها فن الممكن" . هذا التعريف أذهب الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية في غور سحيق . المثقف منذ  أرسطو ومقولته " الفن محاكاة للطبيعة "، مرورا بالواقعية النقدية " بلزاك و فلوبير" وصولا إلى ديستوييفسكي وليو تولستوي ووصولا إلى الواقعية الإشتراكية، " يرتبط في جزء من إبداعاته بمدى معايشته للواقع  من حيث إدراكه ومدى التأثير فيه " ,مثقف السلطة لا يمكنه لعب هذا الدور لأنه يسبح في سماء السلطة ولكن تحت السقف المحدد لها وله أيضا .

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وفي إحدى محاضراته الجامعية، إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي آنذاك, "شدد في موازاته  بين برنامج -حرب النجوم- الشهير وبين سياسة التلفزيون العالمي "Global Televesion  "ولذا ينبغي إيلاءها نفس الإهتمام الموجه إلى المسألة الأولى، لينفتح الطريق واسعا أمام سيادة الثقافة الأمريكية " . وإذا كان الهدف الاستراتيجي للثقافة الأمريكية هو : غزو العالم والدول النامية على وجه التحديد, فإنه في منطقتنا العربية يهدف كذلك إلى "محاولة  تيئيس المواطن العربي وقهره داخليا من خلال : نموذج حياة يبدو الوصول إليه مستحيلا، في سياق من تصوير الحضارة الغربية الرأسمالية الإمبريالية كقوة من الجنون المطبق محاولة التفكير في مقاومتها أو منا هضتها " (حلمي سالم . مظاهر الغزو الثقافي الأمريكي والصهيوني لمصر . شؤون فلسطينية – العدد 118, 1981، ص, 29 – 44) . مثقف السلطة يتبع موقف السلطة حول هذه القضية السياسية أو تلك . الولايات المتحدة، الدول الغربية، السلطة الفلسطينية جميعها أدانت عملية القدس البطولية الأخيرة، بالتالي فإن الملحق (مثقف هذه السلطة) لا بد وأن يدين هذه العملية، فليس منتظرا منه، موقف آخر !؟ . يبقى القول :أن العملية بطولية .. بطولية .. بطولية شاء أزلام السلطة أم أبوا ؟!.