رئيس إسرائيل ينعى الملك: زعيم متّزن
حلمي موسى حلمي موسى

رئيس إسرائيل ينعى الملك: زعيم متّزن

في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات العربية - الإسرائيلية، نعى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الملك السعودي الراحل عبد الله ووصفه بأنه «مثال للزعامة المتزنة».

كما أن الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز استغل مشاركته في «منتدى دافوس» ليعلن من هناك أن الملك الراحل كان «زعيماً مجرّباً وحكيماً، صمد بشجاعة وعرض مشروعاً للسلام في الشرق الأوسط».

ورغم أن إسرائيل الرسمية لم تصدر حتى الآن أي موقف علني، إلا أن وسائل الإعلام تحدثت عن مداولات على أعلى المستويات تبحث في إرسال برقية تعزية رسمية إلى السعودية.

ونشر ريفلين بلاغاً، في بادرة استثنائية، يأسف فيه على الملك السعودي. وقال «سمعت بأسف عن وفاة الملك السعودي عبد الله. لقد شكل الرجل مثالاً للزعامة الأصيلة، المتزنة والمسؤولة ذات التقاليد الدينية العميقة. وكخادم للإسلام عمل الملك عبد الله كعامل اعتدال يحترم حساسية وقداسة القدس، وسعى لتحقيق رؤيا إقليمية مزدهرة. إن سياسته المتبصّرة أسهمت كثيراً في توازن واستقرار الشرق الأوسط».
وقد أشار بيريز، الذي يشارك في المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس إلى جانب قادة عرب بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، إلى وفاة الملك صباح أمس. وقال إن «مبادرة السلام السعودية التي عرضها الملك كانت الأشد أهمية، ولو لم تقبل بعد بكل أبعادها، لأنها مبادرة شجاعة تشكل أساساً مستقبلياً للسلام في الشرق الأوسط. وقد أثرت مواقفه على الكثيرين في المنطقة، وأنا أرسل من هنا تعازيّ لأبناء عائلة الملك وللشعب السعودي، وآمل أن يبقى إرثه في المستقبل أيضاً، وأن يسهم في استمرار السلام في الشرق الأوسط».
وقد أجريت في تل أبيب بعد وفاة الملك السعودي مداولات خاصة، بمشاركة مسؤولين كبار، لفحص احتمال إرسال برقية تعزية للعائلة المالكة السعودية في الرياض. ومعلوم أنه ليس بين إسرائيل والسعودية علاقات ديبلوماسية، لكن جهات عديدة تتحدث عن قنوات اتصال سرية مع أجهزة الاستخبارات السعودية، يديرها «الموساد» الذي يشكل نوعاً من وزارة خارجية الظل الإسرائيلية. ومع ذلك أشارت جهات سياسية إسرائيلية، وفق «معاريف الأسبوع»، إلى أنها تقدر إسهام الملك السعودي الراحل في تهدئة الخواطر في القدس المحتلة، بعد أن كان التوتر في المدينة المقدسة قد بلغ ذروته في الأشهر الأخيرة.
ومن شبه المؤكد أن العلاقة مع السعودية كانت على الدوام هدفاً إسرائيلياً مميزاً، لما تمثله المملكة من أبعاد اقتصادية وسياسية ودينية. ورغم كل ما تردّد عن علاقات في الظل، منذ العداء المصري - السعودي أثناء حرب اليمن، وفي الصراع السعودي - الإيراني، إلا أن إسرائيل كانت تسعى طوال الوقت لعلاقات علنية. وربما لهذا السبب حاولت بعض الجهات الإسرائيلية، في وقت، استخدام المبادرة العربية، وفي وقت آخر استخدام «محور الاعتدال» سلماً للعلاقات مع السعودية. واليوم تحاول إسرائيل بناء جسور مع السعودية عبر دول عربية تقيم علاقات ديبلوماسية معها، خصوصاً الأردن ومصر.
وليس مستبعَداً والحال هذا أن تجري من الآن فصاعداً دراسات لمعرفة ما إذا كان رحيل الملك عبد الله، وتتويج ولي العهد الأمير سلمان ملكاً، سيسهل لها تحقيق هذه الرغبة أم لا. ورغم بعض الإشارات إلى أن الأمير سلمان يعتبر محافظاً إلا أن الاعتقاد هو أن السياسة السعودية تجاه إسرائيل لن تتغيّر قريباً. ويستند هذا التقدير إلى رؤية عدد من الخبراء الإسرائيليين أن الأمير سلمان يملك المواقف ذاتها تجاه إسرائيل والمحور السني التي كان يحملها الملك عبد الله.
وكتب معلق الشؤون العربية في «موقع والا» آفي يسسخاروف إنه «في كل ما يتعلق بإسرائيل فإن الملك سلمان سيواصل الخط الذي ميز السعودية في العامين الأخيرين – الفهم بأن إسرائيل هي جزء مهم في الحرب ضد المحور السني المتطرف وضد المحور الشيعي. وبين وقت وآخر يتم نشر أنباء عن لقاءات سرية لمسؤولين كبار إسرائيليين مع مسؤولين سعوديين وخليجيين، ويمكن التقدير أن الملك سلمان سيواصل هذا الخط، وقد يزيد عليه».
وأشار يسسخاروف إلى أن «أحد التعابير العلنية عن العلاقة بين إسرائيل والسعودية هي مبادرة السلام العربية، التي عرضها الملك عبد الله في العام 2002، والتي تعرض أن تقيم كل الدول العربية علاقات سلمية كاملة مع إسرائيل بعد إنشاء دولة فلسطينية على حدود 67. ووفق ما يُنشر في الخارج فإن معظم الاتصالات حول المبادرة تجري بعيداً عن الأضواء، في لقاءات رجال استخبارات من الدولتين. كذلك الخطر المشترك الذي يمثله المشروع النووي الإيراني، والذي قاد في العقد الأخير إلى تقارب هادئ بين الدولتين».
ومع ذلك لا يُخفي عدد من المعلقين الإسرائيليين تقديراتهم بأن وفاة الملك عبد الله، وتتويج الأمير سلمان ملكاً، لن يقودا إلى استقرار طويل الأمد. فالملك الجديد مسن جداً ومريض، وهو يبلغ الثمانين من العمر، الأمر الذي سيعزّز مساعي المعسكرات المختلفة في العائلة المالكة، فضلاً عن المجتمع السعودي، لمحاولة توجيه التطورات في وجهات مختلفة: بقاء الحال على ما هو أو الانفتاح. وفي نظر المعلّقين فإن الأمر سيقود إلى ظهور الخلافات على السطح، وربما اهتزاز الاستقرار القائم في السعودية، وهو ما سيقود إلى زعزعة أوضاع في المنطقة عموماً والخليج العربي خصوصاً.
ويرى المؤرخ الإسرائيلي داني أورباخ أن أسلوب انتقال الولاية من أخ إلى آخر، بسبب وجود ما لا يقل عن 36 ابناً للملك السعودي الأب عبد العزيز، قاد إلى استقرار. ولكن الحال يختلف الآن، بسبب أن أصغر ولي عهد الأمير مقرن، تجاوز السبعين من عمره، ما يعني أن الأسلوب يواجه أزمة.
وفي كل حال تواجه السعودية جملة مخاطر مهمة، بينها خطر الأصولية الإسلامية المتطرفة. ومعروف أنه تنتشر في السعودية أفكار سلفية متطرفة تكفر كل من يعارضها، وتشكل قاعدة الفهم لغالبية الحركات المتطرفة، مثل تنظيم «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش».

 

المصدر: السفير