عروبة غب الطلب: وكالات مزورة..
الفضل شلق الفضل شلق

عروبة غب الطلب: وكالات مزورة..

يشن البنك الدولي حرباً على الفقر (وهي في الحقيقة حرب على الفقراء). يذكرنا بذلك بين الحين والآخر. يعتبر صندوق النقد الدولي أن تباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي الكلي هو المشكلة. المصارف المركزية حول العالم، ومنظمة التجارة الدولية وأخواتها تعتقد أن التجارة الدولية من دون حواجز كفيلة بإحداث النمو. قليلون من أهل هذه المؤسسات وأخواتها من يحدثنا عن تركيز الثروات بيد أقل من واحد في الألف من سكان المعمورة، ولا يحدثوننا عن تنامي الفجوة بين معدلات الدخل لدى هؤلاء وبين الأكثرية من الفقراء والطبقات الوسطى تتجاوز الـ300 ضعف في بعض البلدان.

كل هؤلاء يريدون إقناعنا بأن المشكلة في نظام العالم هي الفقراء، الكثرة الغالبة، وليست هي الأغنياء، الذين يتقلص عددهم وتزداد ثرواتهم بين بلايين البشرية. أخذ هؤلاء وكالة من الطبقات الحاكمة بالتحالف مع هذه الطبقة الغنية تخوّلهم الحديث باسم الاقتصاد العالمي. مهمتهم جعل الضحية هي المشكلة. ازدياد الفقر هو المشكلة وليس تركز الثروات بيد عدد قليل من الأشخاص حول العالم.

نادراً ما نرى بحثاً لحل مشكلة الغنى والثروة، وأن هذه وذاك مع التراكم الهائل بيد القلة، هما سبب مشكلة العالم. الضحية بنظرهم هي الفاعل، وعليها تدبر أمرها؛ تدور الأبحاث حولها. وليحافظ أصحاب البلايين على ثرواتهم البليونية فذلك جزء من طبيعة خلقها الله.
وكالة أخيرة يدعيها رجال الدين من أصحاب العمامات. هؤلاء يعتبرون أنفسهم «ورثة الأنبياء»، وأن لديهم تبعاً لذلك وكالة من الله. يتناقض هذا الحديث مع «أن لا أكليروس في الإسلام» وبالتالي فإن الوكالة المزعومة من الله غير موجودة. ليست مهمتنا البحث في أي من الحديث منحول، وربما كلاهما، مهمتنا هي الدعوة لأن يكون هؤلاء وغيرهم وكلاء عن الناس، عن أكثرية الناس الفقراء، الذين لا يملكون شيئاً إلا اليأس من المستقبل. لا تشغلهم هذه الوكالة بقدر ما يشغلهم التمسك بوظائفهم ومصالحهم المادية المباشرة. هم قبل كل شيء موظفون، يتقاضون رواتب، ولا يمثلون في الحقيقة إلا القادرين على الدفع من الأغنياء، أو أنهم يمثلون السلطات التي تخضع بدورها لسلطة الطبقة الرفيعة من الأغنياء.
وهناك مَن أخذ وكالة عن العروبة لشن حرب على شعب عربي فقير. يستخدم هؤلاء وكالتهم المستجدة وكأن هناك عروبة غب الطلب. لقد فقد هؤلاء حيثيتهم، العروبة، منذ عقود عندما واجهوا عبد الناصر. وهم الآن يفقدون حيثيتهم الدينية بعد أن سلخها عنهم دعاة التطرف الإسلامي بشتى أشكاله، علماً بأن هذا التطرف قد نما وتطور في جحورهم، وانطلق من عندهم. هم يدافعون بشن الحرب عن وجودهم. يريدون إدخالنا في خانة الصراع العربي الفارسي، علماً بأن إيران دولة قومية لا يستهان بقدراتها على استمالة الكثيرين بمواردها النفطية.
البلدان الإسلاميان اللذان يستقطبان، أحدهما الناحية العربية والثانية الناحية الإيرانية، هما من البلدان المصدرة للنفط. ويشكل تصدير النفط 95% في إحداهما و80% في الأخرى من الواردات المالية. يقاتلان في اليمن وبقية المشرق، وكأن المال وحده كاف لتحقيق الانتصار. طبعاً، هم يجيشون الناس بالمال الذي يعتبرونه «ثروة»، لكنه نتج عن استخراج النفط وحسب، لا من العمل والإنتاج، ولا يدركان أن بلداناً غنية، بل الإمبراطورية الوحيدة في العالم انهزمت في فيتنام وغيرها رغم القصف الموصول كالسجادة. لا يعلم هؤلاء أن حرباً من هذا النوع تقتضي تحويل كل إمكانات المجتمع لصناعة السلاح، لا استيراده، من أجل تحقيق نصر ما. ربما كانوا يريدون عدم الحسم وأن يطول أمد الحرب الأهلية في غير بلادهم.
وكالات عن الله وعن الرأسمالية العليا وعن الطبقات العليا لممارسة مرجلة لا تستحق هذا الاسم ضد شعوب فقيرة لا تملك شروى نقير. وكالات مزورة، لأن من قال بالشهادتين يمنع اتهامه ويمنع النيل من حياته وعرضه وممتلكاته شرعاً. لكن النظام العالمي لا يفقه هذه الأشياء. لديه أكثرية بشرية من الفقراء المعدمين. وهؤلاء يجب تدجينهم، وقتلهم حين الحاجة. هؤلاء أكثرية عالمية تشكل حركاتها موجات احتجاج في مختلف أنحاء العالم، خاصة في مدنه.
الإشكالية الحقيقية في عالم اليوم هي تنامي الفجوة في المداخيل وفجوة أكبر في الثروات (أكثر من نصف سكان العالم لا يملكون شيئاً). بؤرة الصراع ضد هذا الوضع هي في منطقتنا، لذلك تكثر فيها الحروب؛ منها حروب أهلية ومنها حروب تشنها دول، ومنها من يستعد لاستقدام جيوش غربية لتحقيق النصر النهائي. لا يدري أصحاب العمامات أن وكالاتهم باسم السماء حيناً، وباسم أنظمة الاستبداد حيناً آخر، وباسم البورجوازية العليا في كل الأحيان، لا تنفعهم شيئاً. الوكالة الوحيدة المبررة إنسانياً وأخلاقياً هي تلك التي تنطق باسم الشعب ذي الغالبية العظمى من الفقراء والمعدمين والمهمشين.
لا يدري هؤلاء أن ثروات بضع مئات من أغنى أغنياء العالم تساوي كل الصناديق السيادية، أي حوالى 5,5 تريليون دولار. وقد كلفت حربا العراق وأفغانستان الأميركيتان أكثر من 3 تريليون دولار.
تؤدي الحروب الراهنة في المنطقة، إلى نضوب الثروات المتكدسة في الصناديق السيادية. ماذا سيفعل هؤلاء بعد نضوب مواردهم؟ هل يستطيعون الاتكال على المذهب وحده، وعلى عروبة عملوا كل تاريخهم على تقويضها؟
سوف تسائلهم شعوبهم عن تبديد الثروات من دون جدوى.

 

المصدر: السفير