مناطق ميركل «الآمنة»!

مناطق ميركل «الآمنة»!

أثار تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يوم السبت 24 نيسان، والذي قالت فيه أنّ ألمانيا «تدفع باتجاه إقامة مناطق آمنة» في سورية، وأطلقته من تركيا، ما يشبه عاصفة إعلامية، تلقفتها وغذّتها أطراف عديدة ضالعة في الأزمة السورية.. ووصلت «استنتاجات» البعض المبنية على هذا التصريح حد القول بأنّه يعني انهيار المفاوضات السورية بل ويعني عودة الروح إلى طروحات «إسقاط النظام عسكرياً»، وبالمقابل عودة الروح إلى «استحقاق الحسم العسكري ضد المعارضة»..

رغم أنّ هذه «الاستنتاجات» بمجملها تهاوت أمام واقع تحديد موعد جولة جديدة من جنيف3، هي الجولة الثالثة والأخيرة، وفقاً لمخطط دي مستورا الأولّي، رغم ذلك فإنّ فهم أبعاد هذا التصريح ومعناه يبقى أمراً مهماً، وخاصة لأنّه يتناقض تماماً مع التصريح الذي أطلقته ميركل نفسها في اليوم التالي مباشرة في مؤتمرها الصحفي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين أكّدت أن الطرفين (الألماني والأمريكي): «يدعمان العملية السياسية الخاصة بتسوية الأزمة السورية، وضرورة مواصلتها في مفاوضات السلام بجنيف».

قبل الدخول بالموقف الألماني من مسألة «المناطق الآمنة»، لا بد من التذكر أنّ هذه المسألة نفسها مرّت بمراحل وتسميات عديدة، فقد بدأت بتسمية «مناطق حظر جوي»، ثم تحولت إلى «مناطق عازلة»، وضمناً إلى «ممرات إنسانية»، وصولاً إلى اسمها الذي استقرت عليها خلال العام الماضي وهو «المناطق الآمنة»، وفي جميع التسميات والمراحل، كان صاحب هذا الطرح والأكثر تمسكاً به هم الأتراك، الذين لم ينسوا دائماً تكرار التذكير بأنّ المنطقة إياها، ستكون تنفيذاً تركياً بدعم من الناتو.

الحق أنّ رفع شعار «المنطقة .. » أياً يكن اسمها، قد سقط نهائياً منذ الفيتو الأول الروسي- الصيني بما يخص الأزمة السورية، لأنّ الفيتو عنى في حينه ولا يزال، أنّ إجراءً من هذا النوع أو من أي نوع شبيه مما يمكن له أن يقود سورية نحو حالة شبيهة بليبيا أو العراق، لن يكون مسموحاً به لأنه يمكن أن يؤدي إلى صدام عسكري مباشر وكبير. لا يخرج عن ذلك القول بمنطقة «آمنة»، فوجود منطقة آمنة يعني ضمناً وجود مناطق أخرى غير آمنة، ويعني وجود نية ورغبة تركية باستمرار الصراع العنيف، وهو ما يخالف اتجاه التوافق الدولي الحاصل.

إنّ استمرار طرح شعار المنطقة الآمنة من جانب الأتراك يعني في الجوهر، سواء وعى الأتراك ذلك أم لم يعوه، الدفع باتجاه صدام مباشر أمريكي- روسي، وهو ما لا يمكن أن يسمح به أي من الطرفين.. بكلام آخر فالشعار المطروح مستحيل التحقيق.. فلماذا يستمر طرحه إذاً؟ لا شك أن تركيا تعلم باستحالة تحقيق مطلبها علم اليقين، ولا شك أيضاً أن الأوروبيين يعلمون ذلك أيضاً، فما الذي يختفي وراء الأكمة؟

إنّ تركيا، بتكرارها لهذا الطرح، وباستجرارها لموافقة ميركل اللفظية عليه، تلك الموافقة التي بان زيفها في أقل من 24 ساعة بتصريحاتها المعاكسة في مؤتمرها الصحفي مع أوباما، إن تركيا بفعلها هذا إنما تبتز الأوروبيين بمسألة اللاجئين السوريين، فهي تنذر أوروبا بأنها يمكن أن تفتح الباب بأي لحظة أمامهم لينتشروا في أوروبا، وهذه الأخيرة ترزح الآن تحت عبء أزمة اقتصادية تمتد وتتعمق يوماً بعد آخر، عداك عن أزماتها السياسية المختلفة، وهو ما يجعلها في غنىً عن مشكلة إضافية، وإن لم تكن كبيرة حقاً.

تركيا بعملية الابتزاز هذه، تريد أن تصل إلى ما سعت له طوال العقد الماضي، أي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنّ لعبة الابتزاز هذه تبدو سخيفة حين ينظر المرء عميقاً في الخيارين اللذين تقوم تركيا بوضع أوروبا أمامهما: فإما فتح الباب الأوروبي على تدفق ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري إضافيين، أو فتح الباب (عبر ضم تركيا) أمام ملايين عديدة من الأتراك! أي أن تركيا تضع الأوربيين بين خيارين سيء وأسوء..

بطبيعة الحال، لو أن الأمور الأوروبية أقل تأزماً مما هي عليه، لكان الخيار الأول أسهل بكثير على الأوروبيين، ولكن لأنّ الأمور على ما هي عليه، فإنّ الأوربيين يبحثون عن خيار ثالث، لا هو الأول ولا الثاني، بل هو خيار المماطلة وعدم استفزاز الأتراك، وإعطاؤهم وعوداً خلّبية، والتوافق الشكلي المؤقت معهم على هذا الشعار أو ذاك.

إنّ الأهم في هذه المسألة، أنّ آجال المماطلة أمام الأوربيين، تتقلص بسرعة كبيرة، وأمام الأتراك أيضاً، فالمسألة السورية على وشك الحل، والتصعيد الذي يحاول الأتراك إشعال نيرانه خلافاً للتوافق الدولي، سيحولهم بشكل متسارع إلى تقاطع نيران مشترك بين أطراف دولية مختلفة، في مقدمتها روسيا وأمريكا.

انطلاقاً من  ذلك، فإنّ هوامش «التوافقات التركية- الأوربية» محكومة موضوعياً بالتضيق بشكل سريع، والتقارب أو التقاطع الذي يظهر عَرَضاً، في هذه النقطة أو تلك، لا يمكنه أن يحدد الخط العام للأمور، ولا يصلح للبناء عليه.

 

 

قاسيون - مهند دليقان         

 

  

آخر تعديل على الخميس, 28 نيسان/أبريل 2016 13:11