الهدنة ستستمر.. والمعطّلون سيخسرون!

الهدنة ستستمر.. والمعطّلون سيخسرون!

 تستمر منذ أكثر من أسبوع محاولات تعطيل الهدنة في حلب، والتي تحاول انطلاقاً من حلب تعطيل الهدنة على كل الأرض السورية وصولاً لإفشال جنيف3 أو عرقلته وتأخيره كحد أدنى.

قبل كل شيء، فإنّ المنطق الذي يرى في محاولات التصعيد هذه وفي الردود عليها عودة إلى مشروعات «الحسم» و«الإسقاط» وفشلاً للحل السياسي، هو منطق معطوب عطباً جدياً، ذلك إن أحسنّا النوايا، ومعلوم أن النوايا الحسنة تعبد طرقاً واسعة إلى جهنم، وخاصة حين الحديث في السياسة التي تكثف مصالح اقتصادية، متناقضة ومتصارعة.

إنّ ما يفوت «المحللين» القائلين بسقوط الهدنة وسقوط الحل السياسي، هو أنّ ما يحكم تطور الأمور في سورية اليوم، ليس ميدانها العسكري، بل الميدان السياسي، وحتى هذا الأخير ليس المقصود به ميدانها السياسي الخاص، وإن كان لهذا تأثيره، ولكن الميدان السياسي الدولي..

إنّ التصعيد الأخير في حلب وسواها، وما رافقه ووازاه من «تصعيد سياسي» قام به قسم من وفد الرياض بتعليق مشاركته في جنيف3، ليس إلّا نتيجة من نتائج جنيف..! بكلام آخر، يمكن أن نتوقع من الآن وصاعداً أنّ كل تقدم في الحل السياسي ستجري محاولات للرد عليه ميدانياً عبر التصعيد ومحاولات كسر الهدنة، وهذا كلّه لن ينفع، بل سيحمّل الأطراف الضالعة فيه، البادئة به وتلك التي تتلقفه بحماس، مسؤوليات جساماً وخسائر سياسية كبرى..

إنّ ما أثبتته الجولة الثانية من جنيف3 هو أنّ الحل السياسي صمد أمام أقسى الاختبارات، ولم يسمح راعياه الأساسيان بإفشاله كرمى لخاطر المصعّدين أياً كانت جهاتهم، بل تمت معاقبتهم بشكل واضح عبر إعلان دي مستورا، أن المفاوضات ستستمر «بمن حضر»، الإعلان الذي عززه لافروف بالقول أنّ الذين لا يريدون الحضور خاسرون. 

إنّ «الاصرار الوسواسي القهري» على تخريب الهدنة، وعلى التصعيد، يعكس أول ما يعكس، التقدم الكبير الذي حققه مسار الحل السياسي، ويعكس ثانياً الخيبة التي تملأ صدور المتشددين من الأطراف المختلفة وقد رأوا بعيونهم، وعلى بعد أشهر قليلة، انهيار شعاراتهم وطروحاتهم وبرامجهم المتشددة والأقصوية وغير العقلانية وغير الموضوعية، بما يحمله ذلك عليهم من آثار وانعكاسات سياسية كبيرة ومؤلمة..

إنّ مجموع معارضي الحل السياسي في سورية، وبينهم من يرفضه علناً وبينهم من يقبله لفظاً ويشتغل ضده فعلاً، إنّ مجموع هؤلاء اليوم، ابتداءً من التيار الفاشي العالمي مروراً بالإقليميين المعطلين، وصولاً إلى المتشددين الداخليين بأطرافهم المختلفة، هؤلاء يقفون اليوم بوجه التوافق الدولي، الذي تجاوز مرحلة التغلب على عطالته الأولى وبدأ يغذ سيره بشكل أسرع وأقوى، وهم لذلك أمام خطر أن تسحقهم العجلات الحديدية الضخمة للتاريخ السائر قدماً، ولذلك فإنهم سرعان ما سيتداعون تحت تلك العجلات أو على جانبي طريقها.. إنّ عمليات التصعيد الجارية اليوم ستخدم تسريع حل مسألة «قوائم الإرهاب» بشكل ملموس وعملي، فكل من سيشتغل ضد الهدنة سيدخل نفسه آلياً ضمن قوائم الإرهاب المحكوم عليه دولياً بالإعدام، وهو ما سيزيد بسرعة كبيرة أعداد المسلحين السوريين الذين ينأون بأنفسهم عن جبهة النصرة وداعش ليلتزمو الهدنة وخط الحل السياسي. هذا الأمر سيحول المتباكين على الدم السوري، والذين يتحججون ويتذرعون به لإيقاف الهدنة - وكأن إيقافها يقلل هدر الدم!- سيحولهم إلى مدافعين علنيين عن الإرهاب، وهذا سيخرجهم سريعاً لا من ساحة الفعل السياسي فحسب، بل ومن مختلف الساحات، ما يعني أنّ الهوامش التي يتحركون ضمنها هي هوامش شديدة الضيق..

لذلك كلّه، فإنّ الهدنة ستستمر وستعود أقوى مما كانت، والأيام القليلة القادمة سترينا في هذا الشأن الشيء الكثير..