حول الـ«لعي» عن «إسرائيل ثانية»

حول الـ«لعي» عن «إسرائيل ثانية»

دأبت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية في مواقع مختلفة، على تسمية المشروع القومي الكردي بـ«إسرائيل ثانية».

بغض النظر عن درجة الاختلاف والاتفاق مع ذاك المشروع، فإن تقديمه بهذه الصيغة التي تنطوي على مستوى عال من التضليل، لا تسيء إلى الشعب الكردي فحسب، عبر تشويه صورته أمام الرأي العام، بل هي بالإضافة إلى ذلك، تشكل بروباغاندا ذات شحنة سلبية عالية تساهم في توتير الأوضاع، هدفها الأول توسيع الفالق القومي، ضمن محاولات الترويج لمشاريع الفوضى والتفتيت والتقسيم، الأمر الذي تشتغل عليه الدوائر المعادية.

دون تشبيه، ولكن لتفنيد المقارنات لابد من تثبيت مايلي: 

أولاً: «اسرائيل» كيان وظيفي، تم استجلاب شذاذ الآفاق، لـ«صناعة شعب، ودولة» على أرض شعب آخر، تم طرده منها بموجب توافق دولي، رعته الدول الاستعمارية المهيمنة على القرار الدولي آنذاك، لأداء دور محدد، بينما الأكراد شعب أصيل من شعوب المنطقة، وجزء من النسيج الحضاري والثقافي، ساهموا خلال الاف السنين إلى جانب الشعوب الأخرى في تاريخ وحاضر بلدان الشرق. 

ثانياً: «إسرائيل»، هي أكثر المستفيدين من التقسيمات الاستعمارية التي حدثت في بداية القرن الماضي، بينما كان الكرد وما زالوا أحد اكبر الخاسرين من تلك التقسيمات.

ثالثاً: الكيان الصهيوني كان وما زال في صلب اهتمام ورعاية الدول الاستعمارية الغربية، بينما الاهتمام بالأكراد من طرف تلك الدول، كان في أحسن الأحوال لجعلهم أداة ضغط وابتزاز، قُدمت لهم من خلال استغلال عدم حل القضية من قبل الدول المعنية، الكثير من الوعود، وتم خذلانهم في غالبتها الساحقة.

رابعاً: إن تسويق مصطلح «اسرائيل ثانية»، هو في جانب منه خدمة مباشرة للكيان الصهيوني، باعتباره تمريراً لفكرة «الأسْرلَه» كمشروع عنصري استيطاني من جهة، وتهويناً لخطر هذا الكيان من حيث كونه حارساً أميناً لمشروع  النخبة الرأسمالية الغربية في المنطقة. 

إن الحكم على تجربة شعب ما، من خلال سلوك ومواقف بعض زعاماته السياسية فقط، هو اصطياد في الماء العكر، أو تعبير عن قصر نظر سياسي، إذا افترضنا حسن النوايا.

لا شك أن هناك تياراً انعزالياً بين القوميين الأكراد، مصاب بلوثة التعصب القومي، نما وترعرع،  في ظل وجود تيار شوفيني بين نخب القوميات العربية والتركية والايرانية، ينكر الوجود الكردي حتى هذه اللحظة. العلاقة بين التيارين موضوعياً علاقة تخادم، ذات طابع كاريكاتوري، الثاني استدرج الأول، والأول يقدم المبررات لاستمرار الثاني، وفق قانون الفعل ورد الفعل، الذي تمخض عنه جوقة متكاملة على مسرح الشرق، يحاول «الدبيكة» في سياق العرض تجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا، ومشتركات شعوب المنطقة، ووقائع العيش المشترك، تحت ضغط صراع مفتعل ومصطنع. 

إن النفخ في هذا البوق: بوق الانعزال القومي، والنفور القومي، والعداوة القومية، من قبل مستحاثات الفكر القومي، التركي، والإيراني والعربي، والكردي، التي لم تغادر ظلمات كهوف التاريخ كما يبدو، الذين يعبرون– بغض النظر عن نوايا البعض منهم-  عن مصالح أمراء الحرب، وفقهاء الظلّام، والمتسولين أمام أبواب السفارات، وأبطال الأزمات، الذين نقلوا البندقية من كتف إلى كتف، والجهلة، والأميين، والسذج، من المثقفين الفاشلين الباحثين عن النجومية، من خلال التخندق القومي، والذين انضموا الى الجوقة، تحت ضغط الموقف اليومي، كلهم اليوم، وكل من موقعه، يساهمون في إشاعة هذا الهراء، وتسميم الوعي الاجتماعي. وإذا كان من أحد يشبه «إسرائيل» فإنهم هؤلاء، هؤلاء جميعاً، ودون استثناء، هم ولا أحد غيرهم، وشعوب المنطقة- بتجربتهم ومشتركاتهم- منهم براء..! 

 

آخر تعديل على الإثنين, 29 آب/أغسطس 2016 22:01