اجتماعات الرياض... ماذا بعد؟

اجتماعات الرياض... ماذا بعد؟

انتهى اجتماع منصات المعارضة الثلاث (موسكو، القاهرة، الرياض) في العاصمة السعودية، ليتلو ذلك عددٌ من التحليلات المتضاربة لما جرى في الرياض، دون أن يخلوا ذلك من محاولات محمومة لتحميل منصة موسكو «المسؤولية عن فشل الاجتماعات». فيما يلي، نقدِّم عرضاً لأبرز التصريحات والمقالات التي أعقبت انتهاء اللقاء، متضمناً مواقف مختلف القوى السياسية منه.

الائتلاف: منصة موسكو أفشلت المؤتمر

قال عضو الهيئة السياسية في ما يسمى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، محمد يحيى مكتبي، إن «محادثات الرياض لم تحقق الغاية التي عقدت من أجلها»، مرجعاً ذلك إلى أن «إصرار منصة موسكو على رفض شروط الهيئة العليا للمفاوضات، حول عدمِ وجود دور لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية، ومقترح صياغة إعلان دستوري لإدارة المرحلة الانتقالية في سورية، أفشل المؤتمر».
وأضاف مكتبي أنّ «المحادثات تركزت على نقطتين: الأولى تمثّلت حول رؤية سياسية مشتركة للتفاوض وعلى رأسها مصير الأسد، وهو ما رفضت طرحه منصة موسكو، بذريعة أنه يعطي فرصة للنظام كي يتهرب من الاستحقاقات التفاوضية، والنقطة الثانية التي أثارت الخلاف، بين الطرفين، هي اقتراح الهيئة صياغة (إعلان دستوري)، يُحدد شكل الإدارة، خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما رفضته منصة موسكو، وأصرّت على أن دستور 2012 الذي أصدره الأسد مناسب للمرحلة الانتقالية، ومن الممكن أن يكون دستوراً دائماً لسورية».
من جانبه اعتبر مستشار «الهيئة العليا»، يحيى العريضي، أن نتيجة الاجتماعات طبيعيةـ «لأن الاختلاف في النقاش هو على الثوابت»، وهاجم العريضي منصة موسكو قائلاً أن «قدري جميل لم يكن يريد الذهاب إلى الرياض ولكنه جرب حظه... بقينا نحن متمترسين عند الشعب السوري، وهو عند طلب موسكو».
الخالدي: «الاجتماعات إيجابية»
بدوره، وصف رئيس «منصة القاهرة»، فراس الخالدي، الاجتماعات بـ«الإيجابية»، مضيفاً: إن نقاط التوافق بين الأطراف المجتمعة كانت أكثر من نقاط الاختلاف. وعلق الخالدي على رفض منصة موسكو لوضع شرط رحيل الأسد وعدم وجوده دور له في الفترة الانتقالية، قائلاً: «لم تشترط منصة موسكو ذلك، لكن رؤيتهم أن أي طرح لموضوع الأسد سيكون شرطا معطلا للتفاهم بين أطراف المعارضة».

العسراوي: نريد الذهاب إلى جنيف دون شروط

وفي مؤشر على عمق الخلافات الحاصل في صفوف وفد الرياض، قال عضو «الهيئة العليا للمفاوضات»، أحمد العسراوي: «لم نستطع الوصول إلى ما كنا نصبو إليه من اجتماعات الرياض»، مشيراً إلى أن عدم التوافق على تشكيل وفدٍ واحد سيؤثر سلباً على جولة المفاوضات المقبلة.
ولفت العسراوي في اتصال هاتفي مع الميادين إلى أن الاجتماعات توقفت، مضيفاً أنهم يريدون حلاً سياسياً ولا يريدون انتصاراً عسكرياً ويرفضون فرض أي شيء على السوريين.
وأكّد العسراوي أنه «من المستحيل وضع رحيل الرئيس الأسد كشرط للمشاركة في المفاوضات، كما أن الأبواب لم تغلق بعد أمام المشاورات ودعوات وفدي منصة موسكو والقاهرة للبحث في تشكيل وفد واحد، حيث أننا نريد الذهاب إلى مفاوضات جنيف من دون أي شروط مسبقة».

دعاة الحل تحت الضغط الإعلامي

ورغم أن الخلاف في المواقف طال المنصات الثلاث جميعها، زعمت قناة «أورينت» أنه جرى خلال المباحثات «تفاهم بين وفد الهيئة العليا ووفد منصة القاهرة، لكن نتيجة تشدد مندوب منصة موسكو أعاق هذا الأمر دون الاستمرار في الجهود لضم ممثلين عن المنصتين إلى وفد المفاوضات».
وحمَّلت «الميادين» جزءاً من المسؤولية ضمنياً إلى منصة موسكو، في مقالٍ حمل الكثير من المغالطات، نشرته على موقعها الإلكتروني، وعنونته بـ«منصة موسكو ترفض تبني رؤية الهيئة العليا ففشلت لقاءات الرياض»، والذي جاء فيه أن رؤية منصة الرياض «لاقت رفضاً تاماً من جهة منصة موسكو، التي ترى أن تشكيل وفد موحد يجب أن يتم على أساس برنامج سياسي واضح يوافق عليه الجميع، وشرط هذه المنصة لتشكيل هذا الوفد هو عدم طرح أي شروط مسبقة، كرحيل الرئيس السوري أو العمل بدستور مؤقت قبل الاتفاق بين السوريين على دستور جديد، وترى منصة موسكو أن الدستور الحالي يصلح، مع بعض التعديلات للمرحلة الانتقالية ريثما يضع السوريون دستورهم الجديد».

د. جميل: هذا موقفنا

وفي ردٍ على التشويش الذي طال موقف منصة موسكو، لم ينكر رئيس المنصة، وأمين حزب الإرادة الشعبية، د.قدري جميل في اتصال هاتفي مع «النهار» تمايز منصة موسكو عن مواقف القوى الأخرى، وحدَّد التمايز بثلاث نقاط، وهي:
1. إصرار الفريق الآخر على تشكيل (وفد موحد) على أساس رؤية جديدة. وفي رأينا فإنه من الأفضل تشكيل (وفد واحد) على أساس قرار 2254 بلا إضافات لا تتوافق مع روح القرار.
2. الإعلان الدستوري: يريدون دستوراً موقتاً في الوقت الذي يمكن اعتماد الدستور السوري المعدل عام 2012 أساساً للعملية الانتقالية في البلاد. فالدستور الموقت هو مماطلة وتضييع للوقت.
3. مصير الأسد: اقترحنا نظرية (لا بقاء ولا رحيل) كشرط مسبق، بينما يصرون على وجوب رحيل الأسد قبل العملية الانتقالية، وهو ما أعتبره إجهاضاً للمفاوضات. وخلال الاجتماع مع وكيل وزارة الخارجية وافق على اقتراحنا اعتماد الصمت الإعلامي في هذا الشأن.
وكانت منصة موسكو أفادت في بيان لها أن التركيز كان على نقاط الخلاف التي يعود قسم أساسي منها إلى إصرار منصة الرياض على طرح شروط مسبقة بما يتعلق برحيل الرئيس السوري وبفكرة الإعلان الدستوري، وهي شروط من شأنها منع الوصول إلى المفاوضات المباشرة ومنع الحل السياسي والانتقال السياسي تالياً.
وإذ قال البيان أنّ وكيل وزارة الخارجية السعودية عادل مردود الذي التقى المنصات الثلاث أكّد أنه يجب أخذ المتغيرات بعين الاعتبار، سألت «النهار» جميل عما إذا كان لاحظ تغيراً في الموقف السعودي حيال الأزمة في سورية، ففضل القول إنه لاحظ «تطوراً» في هذا الشأن.
بدوره، أكد عضو رئاسة منصة موسكو، علاء عرفات، أن الهيئة العليا للمفاوضات متمسكة بإعلان مسبق فيما يتعلق برحيل الرئيس وهذا كما هو معروف لا ينص عليه القرار 2254 وهو يدخل في سياق الشروط المسبقة، وبالتالي من يطرح شرطاً كهذا فهو لا يريد أن يصل إلى وفد واحد ولا حتى إلى وفد موحد، ولا يريد الدخول في المفاوضات من أصلها. بل عملياً، من يمثل هذا الشرط يريد منع عملية التفاوض ومنع الحل السياسي.
وفي سياقٍ موازٍ، أكد رئيس وفد منصة موسكو، مهند دليقان: «جئنا إلى الرياض لأن الوقت السوري من دم، بعد تأجيل الاجتماعات التقنية التي كان من المفترض أن تعقد في ٢٢ الشهر الجاري في جنيف»، مؤكداً أن «المنصة لم تتعرض لأية ضغوط من أحد من أجل الحضور إلى الرياض لكن ما دفعنا إلى ذلك هو استثمار الوقت وحرصاً على عدم تضييع وقت إضافي جديد»، مشدداً على أن «جنيف ما تزال ساحة الحل السياسي».

ما بعد الرياض

الثابت هو الحل السياسي، والثابت في الحل السياسي هو 2254، وتفعيل الأخير يستوجب توافق المنصات، واجتماع الرياض أحد أدوات تأمين هذا التوافق، وهذا التوافق سيأخذ أحد شكلين:
- إما امتثال «الرياض»، للإرادة الدولية، والتخلي عن التفسير أحادي الجانب للقرارات الدولية، والشروط المسبقة التي تنسف مبدأ التوافق، وهو المبدأ الناظم لكل القرارات الدولية.
- أو فرز جديد ضمن هيئة الرياض، يؤدي إلى انتصار العقلانية السياسية، ويحاصر نفوذ المتشددين، مما يعني عملياً الذهاب إلى تشكيل وفد واحد.
وبكل الأحوال، ولى زمن الخطاب العصابي المخادع تحت راية «الثأر» للدم السوري، الذي لم ينتج، ولن ينتج إلا المزيد من النزف، والمحمول على التركيبة المعقدة للائتلاف، بحكم بنيته، وظروف نشأته، وقوى التأثير والنفوذ المتعددة ضمنه، وهنا بالضبط تكمن أهمية اجتماعات الرياض.
وبهذا المعنى، وبغض النظر عن النتائج الأولية الظاهرة لاجتماعات الرياض «الفاشلة» فأنها خطوة جديدة لسد الثغرات أمام عملية جنيف، فيما يتعلق بتشكيل وفد واحد للمعارضة، لاسيما وأن المناخ الدولي والإقليمي يدفع باتجاه استئناف العملية، وليس لدى القوى الدولية والاقليمية ترف المزيد من الانتظار، ولعل الزيارة الحالية لنائب وزير الخارجية الروسي إلى دول المنطقة إشارة أولية على ذلك.

آخر تعديل على الأربعاء, 23 آب/أغسطس 2017 23:37