هل يحكم الغرب مختلون؟
بيتر كوينغ بيتر كوينغ

هل يحكم الغرب مختلون؟

لا أحد انتخب "مجموعة العشرين" ولا "مجموعة السبعة". واسم المجموعة يعني "الكبار" أو "العظماء"، وهم يرون أنفسهم على هذه الحال. الجميع يعتبرهم أمراً مسلماً به، هؤلاء العماليق الذين نصّبوا أنفسهم بأنفسهم. لا يبدو بأنّ أحداً يتساءل عن شرعيتهم، لا يحتجّ الناس إلّا على انتهاك ما يمثلهم، وهو أنّ مجموعة العشرين تهمش المؤسسة الرسمية والأمم المتحدة بحيث لا يعود لهم قيمة. ربّما لأنّ الأمم المتحدة نفسها قد أصبحت دمية بيد الأسياد الخفيين الذين يتلاعبون بها عن طريق جلادهم: ولايات أمريكا المتحدة. هل يمكن لمحكمة دولية أن تحمّلهم مسؤولية الجرائم التي ارتكبوها على مدى قرن أو أكثر، والتي لا يزالون يرتكبونها؟ إنّ "مجموعة السبعة" المنخرطة ضمن مجموعة العشرين هي القوة الدافعة للحروب والدمار والقتل بلا رحمة والفوضى الدائمة.

تعريب: عروة درويش

يُذكر بأنّ مجموعة السبعة: كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة، أي جميع الدول الغربية (اليابان تسير على خطى اللعبة الغربية)، هي أيضاً المبدعة الرئيسة للإرهاب. لقد موّلت وغذت ودربت وسلحت الجماعات الإسلامية ذائعة الصيت مثل داعش والقاعدة وجبهة النصرة، وغيرها ممّن يناسب نموذج استراتيجيتها الحربية في لحظتها.

ومع ذلك فقد تبيّن، ويا للصفاقة، بأنّ البند الأول في جدول أعمال هامبورغ الغامض هو محاربة الإرهاب. يا له من نفاق: تقومون بخلقهم، وتمويلهم، ثمّ تحاربونهم. إنّهم يكذبون على الناس، فلكم من الوقت سيبتلع الناس هذه الكذبة؟

وهذا يذكرنا بكلمات المستشار الألماني السابق البارز هيلموت شميدت التي قالها قبيل وفاته في مقابلة مع الصحيفة الألمانية "دي زايت" عن الإرهاب في 30 آب 2007: "أظنّ بأنّ جميع الإرهابيين، سواء عصبة الجيش الأحمر (بادر ماينهوف) في ألمانيا أو الألوية الحمر في إيطاليا أو الفرنسيين أو الإيرلنديين أو الإسبان أو العرب، متواضعون نسبياً من حيث ازدرائهم البشرية. لقد تخطتهم بمراحل بعض أشكال إرهاب الدولة". عندما ردّ عليه الصحفي: "هل أنت جاد؟ إلى من تشير؟" أجابه شميدت: "دعنا نتوقف هنا. لقد عنيت حقاً ما قلته". (http://www.zeit.de/2007/36/Interview-Helmut-Schmidt/seite-7 - باللغة الألمانية).

فقط عماليق الغرب المختلون أمكنهم أن يفكروا في القيام "بمهمة الخلق"، بأن يجمعوا أنفسهم في حلف يتمثل هدفه النهائي في إقامة نظام عالمي جديد، والذي سمي في غير مرّة "بالنظام العالمي الواحد"، بالإشارة إلى الحكومة الأنغلو-صهيونية المستترة. هذا هو المكان الذي اتجهنا له: إلى القمع العسكري وإلى القهر المالي وإلى نخبة عسكرية ومالية تتزعمها صهيونية صغيرة الحجم.

لا يزال الوقت سانحاً للاستيقاظ، لنأخذ مسؤولية حياتنا بأيدينا، لنُسقط أجندة الإعلام الطاغي الكاذب المتعطش للدماء، لتجاهله. لنتحرر من قبضة نظام الدولار النقدي المزيف المملوك للقطاع الخاص المخادع.

أمامنا بدائل متاحة. علينا أن نراها، ثم نختارها. يعود الأمر لنا كي نهجر الغرب الذي يضطهدنا، لكن على كلّ واحد منّا أن يرى النور، الشرارة الصغيرة، التي تخبرنا بأنّ هناك شيئاً خاطئاً بشدّة في الحياة التي نعيشها والتي عشناها في المائة عام الماضية. لطالما انتظرنا السلام عند الناصية، لكنهم خدعونا وأدخلونا الحرب تلو الحرب، والصراع الدموي تلو الآخر، في دورة لا تنتهي. لقد أوهمونا بأنّ فكرة الصراع والعدوان هي أمر في منتهى الطبيعية، وبأنّه يتم إجبارنا عليه من قبل "آخرين"، وأغلبهم من الشرق. نعم لقد صدقنا الأمر. لقد كان تصديقه أمراً مريحاً، وسيكون من غير المريح أن نعترف بحقيقة أننا كنّا نعيش كذبة، الكذبة الأكثر سفوراً في حياتنا. فلنعترف بالأمر ولنناصر العدالة، فهذا من شأنه أن ينقذ ذواتنا وحضارتنا، وربّما الإنسانية بأكملها.

 

- ما هي مجموعة العشرين، ومن هم؟

إنهم مجموعة السبعة الموسعة والتي تخفي نواياها الشريرة في 13 سمسار قوة اقتصادية يشار إليهم عادة بمصطلح "دول العتبة"، وهم روسيا والصين والبرازيل والهند وإندونيسيا والأرجنتين والمكسيك وإفريقيا الجنوبية وأستراليا وكوريا الجنوبية وتركيا، إضافة إلى إسبانيا الأوربية كمراقب دائم. وبكل تأكيد، فإنّ المؤسسات السياسية والمنفذون الماليون (الغربيون) الرئيسيون، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاحتياطي الفدرالي والأمم المتحدة مع مراكزها الفرعية، ليست غائبة عن هامبورغ. 

وتتحكم مجموعة العشرين بثلثي سكان العالم وبـ 90٪ من الناتج الاقتصادي العالمي وبـ 80٪ من التجارة العالمية. إنّ جدول أعمالهم في هامبورغ هو شبه سري، باستثناء البنود التي تجذب الجمهور العريض مثل مكافحة الإرهاب. لكن وبكل تأكيد، وتحت ستار "الأمن والإرهاب"، سوف يناقشون أيضاً، بقيادة فريق ترامب، كيفيّة إخضاع المتمردين مثل إيران وفنزويلا وبوليفيا وكوريا الشمالية الأكثر ارتباطاً بمحور الشر الشرقي بطبيعة الحال. لكن، ولحسن الحظ، فإنّ روسيا والصين على الطاولة، وكان على ترامب أن يحذر رغم غطرسته من أن يصبح أضحوكة القمّة.

إنّ الناتو والاقتصاد والإرهاب يسيرون جنباً إلى جنب. فليس هناك حروب دون الإرهاب، ولا إنتاج للأسلحة دون الحروب، ودون مجمع الصناعات العسكرية/الأمنيّة فقد وصل اقتصاد العالم الغربي إلى طريق مسدود. يعتمد ناتج الولايات المتحدة الاقتصادي بنسبة تفوق 50% على الحرب وآلية الأمن والخدمات المرتبطة به. وإن كانت أوروبا ستستمر بكونها تابعة للولايات المتحدة فلن يمضي الوقت الكثير حتّى تجد نفسها تسير على ذات الخطى. وعليه فلا مناص من الإرهاب، ولا فرصة لتحقق السلام.

وهل ستواجه بعد وقت قريب قوات الناتو الكوريين؟ لم لا، فالناتو يبدو شيئاً جيداً: إنّه تحالف الإرادات، والمقاد من قبل واشنطن، والمتخفي خلف شعار الناتو. عندما تكون في أرض اللا قانون، فلا حدود للإفلات من العقاب.

هل تعلم بأنّ رئيس كولومبيا في الطرف المقابل من الكرة الأرضية، وهو التابع المخلص الجديد لواشنطن، طلب من الناتو أن يدعمه في حربه ضدّ "الزمرة الإجرامية" – جيش كولومبيا الثوري – الذين وقّع معهم اتفاق سلام استعراضي مزيف خوّله نزع أسلحتهم كجزء من الاتفاق، وثمّ الإيقاع بهم. يريد الرئيس سانتوس (حامل جائزة نوبل للسلام – مثله في ذلك مثل أوباما وكيسنجر) وأسياده في واشنطن أن يقضوا بشكل تام على حركة الفلاحين المهمّة تلك، والتي تشكّل المقاومة الوحيدة ضدّ هيمنة الولايات المتحدة على أرضهم، وضدّ دعم واشنطن المستمر لكارتل المخدرات.

بغض النظر عن أن الناتو لا علاقة له بأمريكا الجنوبية أو بآسيا أو بالشرق الأوسط في هذه المسألة، فإنّ آلة الناتو الفظيعة للقتل سوف تنفذ مهمتها في عملية الاستعباد أينما يطلب منها في العالم، وذلك بينما يغلق معظم الناس عيونهم ويصمون آذانهم ويبقون صامتين في هذه الأثناء. وتماماً مثل مجموعة العشرين ومجموعة السبعة غير الشرعيين، فإنّ الناتو يُعتبر من المسلّمات. إنّه مؤسسة إجرامية أنُشئت من أجل قتل المجتمعات وإخضاع الأمم ذات السيادة. إنّ خطّة واشنطن الحالية هي السيطرة على روسيا من خلال اعتداءات الناتو على الحدود الأوربية الشرقية والصين والاستفزاز والتهديد المستمرين لسيادة كوريا الشمالية.

لهذا السبب لا تفوّت مجموعة العشرين الحديث عن صلاحيات الناتو في الحرب والصراعات، وبالطبع في مكافحة الإرهاب. ومن المؤكد بأنّ روسيا والصين لا تخدعان بهذا الكلام.

بعد مناقشة آليات داعمة مثل الحروب والدعاية الكاذبة، وكم كان غوبلز ليفخر بهم، تتصدر مسائل الاقتصاد والمالية مركز الصدارة. كيف السبيل إلى تسريع العولمة المالية لتحقيق "الطيف الكامل للهيمنة المالية والنقدية" في أقصر فترة ممكنة؟ – الاقتصاد الغربي على وشك أن يصبح فارغاً، فقوته الرئيسة المزدهرة هي الجشع والربح الفوري من قبل قلّة. إنّ خصخصة جميع أصول الدولة هي جزءٌ من الهدف النهائي. لقد تمّ تناسي الشعب. الشعب: المجموعة التي تحتاج للاستهلاك كي ترضي حاجات نخبة أصغر حجماً من أيّ وقت مضى، نخبة هدفها إشباع طمعها "للأكثر فالأكثر"، وهي الشهيّة التي لا تشبع. هؤلاء الناس سوف يزرعون في بيئة ممتصة جافة، مسلوب فيها الرفاه والبنية الاجتماعية.

والذي بقي هو الاستعباد عن طريق الدين. قد يضطر الناس في سبيل النجاة أن ينضموا إلى طابور المديونين، ليتحول هذا الصف بشكل تدريجي إلى طابورٍ للإعدام. ففي حين يتمّ إجبار البلدان التي لا حول لها على الاقتراض، يقوم البعض بابتلاع الدين من أجل تغذية الحدّ الأدنى من الحاجات من أجل البقاء. اليونان هي المثال الجلي على هذه السكين الحادّة التي قطعت الحناجر ومعها آخر شريان يبقي على قيد الحياة. والتكافل غير موجود.

الوحش الذي على وشك الموت يثور، يساراً ويميناً وفوق وتحت. إنّه يائس. إنّه هو نفسه في طابور الإعدام، لكن إن كان على وشك الموت فيجب علينا جميعاً أن نحكم القبضة عليه مثل كلب مصاب بمرض لا شفاء منه، وألّا نتركه يفر. ألّا نتركه يفر حتّى يلفظ أنفاسه، أو حتّى يفرقنا الموت جميعاً. إننا نختبر هذا الخطر الذي يشبه قنبلة هولوكوست نووية مثلما قال السيد بوتين في مناسبات عدّة، ولا أحد سوف ينجو منها. مجموعة العشرين تعلم ذلك.

لكن لا تنسوا بأنّه مهما قررت مجموعة العشرين فإنّ قراراتها ليست نابعة من الشرعية، فهم أنفسهم ليسوا شرعيين. لم يكن لشرطة هامبورغ الحق في قمع الحركة المناهضة لسلطة الدكتاتوريين المجانين غير الشرعية، التي شكلت تكتّلاً من العصابات غير الشرعيّة.

الشرطة القمعية في هامبورغ، والتي أمرتها ميركل بقمع المعارضة، هي مجرد تحذير مسبق لما سيتأتّى عنه عسكرة أوروبا بشكل تام. وبالنسبة لأولئك الذين لا يدركون، هناك حالياً "مدينة الأشباح" التي تم بناؤها من قبل الجيش الألماني بالتعاون مع الناتو، مقابل مئات ملايين اليورو في أحد أكثر معسكرات التدريب الألماني الحديثة في ألمانيا في ساكسن أنهالت، والتي ليست بعيدة عن هامبورغ. وابتداء من عام 2018 ستكون المدينة الاصطناعية جاهزة لتدريب قوات الناتو والقوات العسكرية للاتحاد الأوروبي على حرب المدن، وذلك لقمع الاضطرابات والاحتجاجات المحتملة في أعقاب التدابير الاقتصادية النيو-فاشية – مثلما حدث في اليونان – التي تمّ إجبار أوروبا عليها. تتوقع ميركل وقادة الناتو أن الناس قد لا يرضون بذلك ببساطة.

ولهذا فإنّه يتمّ التحضير لقمع أي معارضة محتملة في المدن الأوربية. لن يخجل الشرطة والجيش من قتل إخوانهم. نحن نشهد ما الذي أدّى له هذا الأمر، وما فعله خلال الأعوام السبعة الماضية لأمّة جميلة بأكملها هي اليونان، الأرض التي منحتنا الفلاسفة والرياضيين والعلماء الذين لا نزال نشيد ونعجب بهم. وأعطتنا كذلك المفهوم الحقيقي للديمقراطية التي استغلها الغرب وأفسدها لصالح خداعه واحتياله. إنّ ما بقي لنا اليوم هو حلمٌ رديء، وشعار قوي تمّ استخدامه من قبل أكثر الأمم طغياناً وتابعيها ليتهموا بها كلّ من يعصيهم.

إنّ مجموعة العشرين يستمرون فيما يفعلونه طالما أنّه يُسمح لهم أن يفعلوه. معظمهم يدركون بأنّها قد تكون نهاية لعبتهم، وبأنّ المستقبل في الشرق، وبأنّ الغرب قد ولّت أيامه، وبأنّ المسألة مسألة وقت لا أكثر قبل أن يُكمل الغرب الانتحار بطمعه وبكذبه وبعدوانه.

 

* بيتر كوينغ: اقتصادي ومحلل جيوبوليتيكي. عضو سابق في البنك الدولي وعمل على نطاق واسع حول العالم في حوقل البيئة ومصادر المياه. يحاضر في جامعات في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا الجنوبية. لديه كتاب بعنوان (الانهيار نحو الداخل: قصّة إثارة اقتصادية حول الحرب والبيئة والدمار وطمع الشركات). كما أنّه مؤلف مساعد في (النظام العالمي والثورة).

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني