إيطاليا وسؤال «اليمين» و«اليسار»
Strategic Culture Strategic Culture

إيطاليا وسؤال «اليمين» و«اليسار»

نشرت صحيفة «Strategic Culture» مقالاً يتحدث عن الموقف الإيطالي من حركة السترات الصفراء في فرنسا ومن التدخل في فنزويلا، ومناهضتها لموقف الحكومة الفرنسيّة الذي تنتقده وتعتبره خطراً على الاتحاد الأوربي، مما يخالف الاسقاطات المسبقة حول مسميات اليمين واليسار. وملخص ما جاء في المقال:

تعريب وإعداد: عروة درويش

لقد كان الأمر هزلياً. ففرنسا استعدت سفيرها في روما بسبب «تدخل إيطاليا السافر» في الشؤون السياسية الداخلية لفرنسا. ويحدث هذا في ذات الوقت الذي تنضم فيه فرنسا إلى الولايات المتحدة في حملة وقحة للإطاحة بالرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو. لا يمكن للسخرية أن تصل إلى أبعد من هذا في وضوحها.

لم يبدأ الخلاف الفرنسي الإيطالي هنا. فالحكومة الإيطالية غير المألوفة، والتي تشكلت من تحالف بين حركة الخمس نجوم ذات الاتجاه اليساري مع الحزب اليميني لا ليغا، انتقدت فرنسا وحكومتها في الكثير من المرّات. فقد حملتها مسؤولية إثارة ومفاقمة أزمة اللاجئين القادمين إلى أوروبا، بسبب تدخلاتها العسكرية الإجرامية هي والولايات المتحدة والناتو في الشرق الأوسط وإفريقيا.

إنّ كلا الحزبين الموجودين في تحالف السلطة في إيطاليا مناهضان لمؤسسة الاتحاد الأوربي وللسياسات الرأسمالية النيوليبرالية، وهي السياسات التي يمثلها المصرفي السابق الذي تحوّل إلى رئيس: مانويل ماكرون. وقد زاد في الطنبور نغماً قيام نائب رئيس الوزراء الإيطالي: لويجي دي مايو «وكذلك زعيم حركة النجوم الخمسة» بلقاء أعضاء عن حركة السترات الصفراء الاحتجاجية. لقد دعم دي مايو وكذلك نائب رئيس الوزراء الآخر ماتيو سالفيني (زعيم لا ليغا) بشكل علني المحتجين الفرنسيين، واعتبروهم جزءاً من الثورة الشعبية العابرة لأوربا ضدّ السياسات النيوليبرالية.

وقد قال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لو دريان بأنّ ذلك كان «تدخلاً سافراً» في شؤون بلاده الداخلية. وقد تصعّد الموقف على إثر استدعاء فرنسا لسفيرها في روما، وهو الأمر الذي لم يحصل منذ عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا شرخ كبير بين عضوين مؤسسين للاتحاد الأوربي.

وما يثير السخرية والتهكّم هنا هو أنّ الحكومة الفرنسة في الوقت الذي تغضب فيه لتدخل إيطاليا بشؤونها الداخلية، تقوم بالانضمام للولايات المتحدة في محاولة تغيير النظام في فنزويلا. يبدو النفاق والغطرسة هنا غير قابلين للإخفاء.

لقد قامت فرنسا مع بعض أعضاء الاتحاد الأوربي مثل ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا بالاعتراف بخوان غويدو الذي عيّن نفسه رئيساً في فنزويلا. بينما قامت روسيا والصين وإيران وتركيا وبعض الدول اللاتينية مثل المكسيك وبوليفيا وكوبا بانتقاد التدخل الشديد في الشؤون السيادية الفنزويلية. إنّ سيناريو التدخل العسكري يتم الحديث عنه من قبل الولايات المتحدة، ولكن أيضاً من قبل دول أوربية محددة مثل فرنسا.

تبقى إيطاليا واحدة من الدول القليلة في الاتحاد الأوربي التي رفضت الانصياع والانسياق وراء المشروع الإجرامي للولايات المتحدة. وعليه فقد منعت صدور تصريح رسمي عن الاتحاد الأوربي بالاعتراف بغويدو كرئيس مكان مادورو. وهذا ما جعل القوى الأوربية التي تبعت واشنطن تفعل ذلك بصفتها الخاصة وليس بصفتها عضواً في الاتحاد الأوربي.

ولهذا فإنّ إيطاليا تستحق التصفيق على وقوفها إلى جانب الدول الأخرى التي رفضت الفوضى والسلوك الاستعماري لفرنسا ولبقيّة حلفاءها الذين يحاولون تطويب نهج جديد من الاستعمارية-الجديدة. لقد حافظت إيطاليا على بعض الكرامة في الاتحاد الأوربي، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومات الأخرى وعلى رأسها الحكومة الفرنسية بازدراء مبادئ الديمقراطية والقانون الدولي... وليس ذلك في فنزويلا فحسب، بل أيضاً تجاه شعوبها.