«فسّر الفلاسفة العالم، بطرق مختلفة، لكنّ الهدف تغييره»
إم.آر أونلاين إم.آر أونلاين

«فسّر الفلاسفة العالم، بطرق مختلفة، لكنّ الهدف تغييره»

لا أظنّ بأنّ أحداً منّا لم يسمع يوماً أحد أقربائه كبار السن، أو ربّما صغار السن من ذوي الحداثة الزائفة، وهو يخبره ويشرح له بلطف وباستيعاب بأنّ الشيوعية فكرة لطيفة، لكنّها غير قابلة للتطبيق في الواقع لأنّ البشر طمّاعون وتنافسيون بطبيعتهم. وعليه، وبناءً على هذا الافتراض، فإنّ الأفكار الماركسية مجرّد مثاليات محكوم عليها بالفشل. يمكننا أن نرى هذا الكلام يُكرّر دون انقطاع في صفحات الإعلام المملوك للشركات، لكنّه ليس ابن الساعة في حقيقة الأمر، فأصوله موجودة بشكل واضح في الإيديولوجية البرجوازية الأصولية: من توصيف هوبز في القرن السابع عشر «لحرب الجميع ضد الجميع بشكل طبيعي» مروراً برؤية ديكارت لكون الجسد البشري شبيه بالآلة، وإلى الحجاج العصري بأنّ البشر الفقراء والسود هم أدنى من البيض الأثرياء بشكل جيني، وهي المسائل التي لها عواقب سياسية عميقة.

تعريب وإعداد: عروة درويش

«الثنائية الديكارتيّة»

إنّ أحد أهم الأبعاد الرئيسة للأفكار البرجوازية هو المثالية: أي: الفصل بين الأفكار والعالم المادي وكأنّهما كينونتان مستقلتان عن بعضهما البعض «يمكننا أن نأخذ على سبيل المثال إرجاع التغيير التاريخي إلى الأفكار وحدها، فبالنسبة لهذه النسق فإنّ قيام الثورة الروسية عام 1917 كان مردّه نقص الثقة الليبرالية». يُسمّى نمط الأفكار هذا عن الطبيعة البشرية بالموقف الثنائي الديكارتي، والذي يرى الوعي بذواتنا منفصلاً عن الجسد الذي يؤوي هذا الوعي. فبالنسبة لديكارت، كان هذا الفصل نتيجة ضرورية للتناقض بين رؤيته للطبيعة البشرية والتزامه الكاثوليكي. فقد وصف الجسد البشري وكأنّه آلة من اللحم تعبيراً عن النظرة الرأسمالية الناشئة الاختزالية للعمّال على أنّهم قطع متحركة قابلة للغيار. لقد مثّلت هذه الفكرة بحدّ ذاتها تناقضاً مع النظرة الدينية التقليدية للبشر، فهي لم تترك مكاناً للروح. وقد خرج ديكارت بحلّ مناسب لهذه المعضلة عندما طرح: أنّ الروح هي جزء خالد يتوضّع بشكل غير محسوس داخل الجسد، لكنّه ليس جزءاً منه: أي بمعنى الوجود الشبحي الذي يحرّك الآلة.

إنّ الفصل الديكارتي بين أجسادنا المادية وبين وعينا كان مثيراً للاهتمام. وقد وجد صدى له حتّى بين هؤلاء الذين لم يشاركوا ديكارت احتياجاته الدينية لإدماج الروح، فقد أعجبوا بفكرة أنّ الجسم ليس جزءاً منّا بل مجرّد مستوعب مخصص لاحتواء الروح. على النقيض من ذلك، يرى الفهم المادي للطبيعة البشرية بأنّه لا وجود «لنحن» منفصلة عن كينونتنا المادية. فالوعي الفردي والكينونة المادية المرتبطة به هما شيء واحد وليسا منفصلان في هذا السياق.
وينطبق ذات الشيء على المجتمعات البشرية. فالطريقة التي تطوّرت بها الثقافات البشرية مرتبطة بشكل لا يقبل الفصم بالواقع المادي للوجود البشري. فلو كان للبشر أجنحة كالطيور مثلاً، أو كانوا كالنباتات لديهم تركيب ضوئي، لكانت مجتمعاتنا والبيئة التي نبنيها مختلفة بشكل كبير دون شك. قد تقرّ محاولة إنقاذ الأفكار المثالية البرجوازية التي تنصّ على أنّ الأفكار هي الدافع الرئيس للثقافة والتطور البشري، بوجود احتياجات بشرية عالمية، وهو ما ينفي الوحدة بين الثقافات البشرية المتنوعة. لكن يمكن لهذا الخطاب أن يخبرنا عند مستويات محددة بمدى ضآلة أهمية الطبيعة البشرية. إنّ الحاجات المادية البشرية تزودنا بأساس الثقافات البشرية، ثمّ تأتي البنية الفوقية: أي: مجال الأفكار، لتصبح موجودة.
يمكن لهذه النظرة الهرمية إلى الحاجات المادية أن تجد لها شاهداً في الشجرة الشهيرة المنسوبة لعالم النفس أبراهام ماسلو في عام 1943: هرم الاحتياجات. حيث تجد الاحتياجات النفسية في القاعدة وإدراك الذات في القمة. لكنّ تشجيعنا على ترتيب هذه السمات بهذه الطريقة لا يساعدنا في الواقع على فهم الأمر. إنّ الاستعانة بهرم ماسلو لفهم الاحتياجات يمكن أن يوصلنا إلى أنّ الشخص الذي يُرضي الاحتياجات المتدنية يمكنه أن يصل إلى إشباع الحاجات الأعلى، فنصل إلى أنّ الأشخاص الذين يملكون الغذاء والملجأ ويحصلون على مكانة اجتماعية جيدة يمكنهم بعدها إدراك الذات. أي بكلمات أخرى: إن كنت فقيراً وجائعاً فأنت حكماً بلا ثقافة. لكنّ هذا ليس صحيحاً دون شك، فكلّما رأيت فقيراً يقرأ كتاباً يمكنك أن تنفي هذه الفكرة. إنّ البديل الأفضل لهذه النظرة الميكانيكية عن القاعدة والبنية الفوقية للاحتياجات البشرية، هي عبر تقدير كيف ينخرط البشر، أثناء إشباعهم لحاجاتهم العامة كبشر مثلاً الطعام، في ثقافاتهم المتباينة. ففي جميع الثقافات، إن لم نحصل على الطعام فسنكون جائعين، لكنّ تجربتنا عن هذا الجوع وكيف نصوّره ونستجيب له، ستختلف باختلاف المجتمعات. إنّ الاحتياجات البشرية الأساسية يتم المرور بها والتعبير عنها اجتماعياً. علينا كي نفهم الطبيعة البشرية أن نهجر التفكير الهرمي، وأن نعتمد بدلاً عنه التفكير الجدلي- الديالكتيكي.

«الحتمية الجينية»

إنّ الفهم الديالكتيكي للعلاقة بين الكينونة المادية للبشر وبين الثقافة البشرية يظهر مدى خطأ الموقف الثنائي. لكنّ هذا الموقف الخاطئ ليس وحيداً في بحر المفاهيم الإيديولوجية الخاطئة عن الطبيعة البشرية. إنّ رفضنا للمفهوم الثنائي عن الوعي المنفصل عن الجسد، يثير السؤال عن مسألة مدى محدوديتنا بأجسادنا. هل أجسادنا هي كلّ ما نملك؟ إنّ هذا السؤال هو جوهر مسألة الطبيعة ضدّ الاكتساب: هل الطبيعة البشرية فطرية، أم أنّها نتاج للتنشئة الاجتماعية؟ إنّ هذا السؤال هو بكل تأكيد تبسيط لمجموعة من المواقف ذات الفوارق الدقيقة فيما بينها. لا أحد يفترض بشكل جدّي بأنّ السمات البشرية غير متأثرة بالكامل، أو هي نتاج كامل للثقافة. وكما صاغ البيولوجي اليساري ستيفن جاي غولد الأمر، فإنّ هذا السؤال يدور حقيقة حول: «درجة وشدّة وطبيعة القيود التي تمارسها البيولوجيا على الأشكال الممكنة للتنظيم الاجتماعي».
إنّ النظرة «الحتمية الجينية» في هذا السياق «وتسمّى أيضاً الحيوية- الاجتماعية» هي أنّ الجينات هي من تحدد واقعنا. فتبعاً لهذه النظرة، فرغم أنّ للتنشئة الاجتماعية بعض الآثار على ميولنا الجينية، فأساساً تنشأ سمات الإنسان، بدءاً من العدوان ووصولاً إلى الإيثار، من ميراثنا الجيني. نحن المركبات التي تستقلها جيناتنا، والتي تتنافس من خلالها عن طريق الانتقاء الطبيعي من أجل نشر نفسها في الأجيال القادمة، ويتم تشكل كلّ شيء من خلال هذه الضرورة الجينية. والاستنتاجات التي تصاحب هذا الافتراض هي أولاً: الاختلافات بين الأفراد، والأهم: الاختلافات بين المجموعات، هي ذات منشأ جيني، طالما أنّ الجينات هي الأساس لسلوكنا. ثانياً: لا يمكن للسمات الفطرية أن تتغيّر بغير الانتقاء الطبيعي: فإن كانت جيناتك تجعلك مطواعاً للعدوان فليس هناك ما يمكنك أنت أو غيرك فعله بهذا الشأن سوى تصعيب الأمر على جيناتك العدوانية للعبور. يجب أن تكون التداعيات السياسية لهذا الموقف واضحة، فكما وصفها غولد في مقطع يناقش الحجج عن التمايز بين الجنسين:
«إنّ الخطّ السياسي- الاجتماعي من الخطاب السائد يقفز اليوم بين الصفحات: الذكور عدوانيون وحازمون وفوضويون جنسياً ومتعجرفون. بينما الإناث خجولات ومتحاملات ووفيات وحنونات. ويقول هذا الخطاب بأنّ هذه الاختلافات تكيفية وداروينية وجينية ومناسبة وجيدة وحتمية وغير قابلة للتغيير...».
إنّ جوهر النظرة البيولوجية- الاجتماعية للبشر ليس أكثر من نسخة منمقة تعود في جذورها إلى الفيلسوف المادي الألماني لودفيغ فويرباخ، وهو الذي صاغ عبارة: «أنت ما تأكل». لقد عنى فويرباخ هذه الكلمة بشكل حرفي، كتعبير عن نظرته إلى كون البشر ليسوا أكثر من مدخلات ومخرجات مادية. بالنسبة لبعض- مختصر البيولوجيا- الاجتماعية- المعاصرين، مثل: دانييل دينت، فالوعي بذاته في حقيقة الأمر «ليس أكثر من وهم ميتافيزيقي (ما ورائي) يجب أن نتوقف عن إضاعة الوقت فيه». فنحن تبعاً لهذه النظرة لسنا أكثر من مراكب صمّاء تدير دفتها جيناتنا. وكما قال دينت مؤخراً حول قيام آلان تورين بتطوير الكمبيوتر: «إنّ عمله الفني، الملموس والمجرّد، هو نتاج مباشر لعمليات داروينية عمياء، هي ذاتها شبكة العنكبوت والسدّ الذي يصنعه القندس».
لقد أشار ماركس، رغم كونه مادياً، في نقده لآراء فويرباخ بأنّ مشكلته في تصوير الطبيعة البشرية هو أنّه لا يراها إلا على صيغة أجسام ساكنة. فعلى النقيض من فويرباخ، كان الأهم بالنسبة لماركس هو العلاقات الاجتماعية البشرية. فهو يرى بأنّه بدلاً من التركيز على الفرد البشري المعزول والمجرّد، يجب على التركيز أن يصبّ في النشاط البشري. لا يمكن فهم الطبيعة البشرية بصيغة مسبقة غير متحركة كما حاول فويرباخ وغيره من الماديين. لا ينشأ النشاط ببساطة من الطبيعة البشرية، بل هو الطبيعة البشرية. فكما صاغها المؤرخ الماركسي المختصّ بما قبل التاريخ غوردون تشايلد: «الإنسان يصنع نفسه». تغيّر العمالة البشرية العالم، لكننا عبر تغيير العالم نقوم بتغيير أنفسنا.
يصف ماركس في رأس المال البشر بأنّهم الكائنات الوحيدة التي تقوم بعمل مخطط وفاعل في العالم حولنا:
«يحاكي العنكبوت بعمله ما يقوم به الحائك، وتُحرج النحلة بشكل كبير المعماريين عبر بنائها لخلاياها. لكنّ ما يميز أسوأ معماري عن أفضل نحلة: أنّ المعماري يرفع البنيان في مخيلته قبل أن ينتصب في الواقع. في نهاية كلّ إجراء عمل، نحصل على نتيجة موجودة بالفعل في مخيلة العامل منذ البدء. إنّه لا يؤثر فقط على تغيير الشكل في المادة التي يعمل عليها، ولكنّه يدرك أيضاً غرضه الخاص الذي يمنح أسلوب العمل قانونه الخاص، حيث يخضع هذا الأسلوب لإرادته.
وعليه، إنّ المفتاح لفهم الطبيعة البشرية هو فهم أنّ، وعلى النقيض من الحجاج البيولوجي- الاجتماعي، المنشآت البشرية ليست مثلها مثل شباك العنكبوت أو سدود القندس. إنّها نتاج سلوك محدد جينياً وغريزياً، لكنّه مخطط ومتصوّر بطريقة قد طوّرت، عبر التاريخ البشري، العلاقات الاجتماعية البشرية والقدرات البشرية».

علماء الأحياء الماركسيون والتطوّر البشري:

إنّ الفهم الديالكتيكي للطبيعة البشرية والتطور البشري قد أثبت صحته منذ أيام ماركس والأجيال التالية له من علماء الأحياء وعلماء الإحاثة الماركسيين. وكما شرح إنغلز الأمر، فالديالكتيك ليس مفروضاً على العالم الطبيعي في أفكار ماركس، بل ناجم عنه. فالنظر إلى مسائل الفطرة/التنشئة بشكل ديالكتيكي سيخولنا رؤية أنّ هذين المفهومين ليسا متضادين، بل إنّ الجينات والبيئة هي دوماً في علاقة تبادلية نشطة فيما بينها.
إنّ الفهم الماركسي لا يؤمن بأنّ الإنسان ولد كصفحة بيضاء يقولبها المجتمع، فالفهم الديالكتيكي للتطور يرى أنّ العلاقة بين الجينات والبيئة هي ترابطية وسببية في ذات الوقت «ولا يشمل ذلك البيئة الخارجية عن الجسد وحسب، بل البيئة الخاصة بكل خليّة». إنّ إحدى أكبر مغالطات إيديولوجيا الحتمية الجينية هي فكرة تشبيه الجينات ببرامج الكمبيوتر، فكلّما أعدت تشغيل البرنامج ومنعت الإضرار برموزه يمكنك أن تتوقع الحصول على ذات النتيجة في كلّ مرة. أمّا في التطور البشري، فحتّى البدء من ذات الجينات وذات البيئة، فستحصل كلّ مرة على نتيجة مختلفة، وذلك بشكل محدد لأنّ الإجراء ترابطي وليس مبرمج. وبالمناسبة، هذا هو السبب في أننا لن نكون قادرين عند استنساخ شخص ما أن ننتجه هو ذاته مرتين.
علاوة على ذلك فإنّ الفهم الديالكتيكي يضع البشر في خانة المشاركين النشطين بدلاً من كونهم مُتلقين غير فاعلين في تطورهم الخاص. فنحن ببساطة، تبعاً للحتمية الجينية، لسنا أكثر من نتاج برنامج جيني وازدهار للديكور الاجتماعي. لكن في الواقع، تظهر الأبحاث والتطور في علم الجينات بأنّه يمكن تفعيل وتخميد الجينات عبر العوامل البيئية. لقد تبيّن بأنّ نموذج الحتمية الجينية مفلس علمياً. أمّا الفهم الديالكتيكي فلا يظهر فقط أنّ الجينات والبيئة يتطوران بشكل مستمر وبشكل مترابط فيما بينهما، بل أيضاً أننا أثناء تطورنا نشترك بشكل نشط في تشكيل هذه العملية. فعلى سبيل المثال، لا تتطور أدمغة الأطفال فقط تبعاً للبرنامج الجيني أو للتأثيرات البيئية، بل أيضاً وفقاً لكيفية استخدام العقل. بكلمات أخرى، نحن نشكّل المسار لأدمغتنا من خلال التفكير.
إنّ الفهم الماركسي للتطور البشري قد ثبتت صحته في النتائج المعاصرة عن تطوّر جنسنا: الهومو سابيان. فمن المتفق عليه عموماً أنّ الإنس «فصيلة الإنسانيات الأولى hominids» كانوا ذوي أقدام قبل أن يطوروا الأدمغة الكبيرة. إنّ كونهم يتحركون على اثنتين قد حرر أيديهم كي يتمكنوا من استخدام الأدوات، وبالتالي الاضطلاع بالعمالة الهادفة التي اعتبرها ماركس مفتاح التطور البشري. لقد كان هذا هو الدافع لنمو حجم أدمغة الإنس الكبيرة، الذي أدّى بدوره إلى استخدام المزيد من الأدوات المعقدة، وهكذا دواليك ضمن العملية المفهومة ديالكتيكياً. تظهر هذه العملية كيف صنع البشر أنفسهم، وليس فقط عبر مستوى اجتماعي بحت، بل أيضاً عبر التفاعل بين الجينات والبيئة. لا يجب بهدف الردّ على الحتمية الجينية إنكار الدور البيولوجي في تطوّر المجتمع البشري، بل فهم أنفسنا بوصفنا مشاركين فاعلين في تطورنا على المستوى الفردي والاجتماعي.

في خدمة الرأسماليين

يظهر لنا استمرار ظهور أفكار حتمية جينية لصياغة حجج عنصرية حول الذكاء، الاستخدام السياسي الذي يمكن لهذه الأفكار أن تخدمه، ومدى أهمية مقاومة الأفكار القائلة بأننا لسنا سوى تعبيرات عن جيناتنا. إنّ الأفكار الإيديولوجية عن الثنائية وعن الحتمية الجينية تتشارك ذات النظرة المثالية رغم التناقض فيما بينهما. ووصف ريتشارد داوكنز للبشر بأنّهم «روبوتات ثقيلة» من ذات جنس الأفكار الديكارتية. الاختلاف الوحيد أنّ ديكارت قد احتاج وجود روح تطفو في الأنحاء في مكان ما، بينما دوكينز الملحد يمكنه أن يرى الأمر بوصفه مجرّد وهم. إنّ كلتا الأفكار الثنائية الديكارتية والحتمية الجينية تعتبر الإنسان مجرّد مركبٍ سلبي تصنعه قوى أخرى، سواء أكان خالقاً مقدساً أم جينات. الفهم الماركسي للطبيعة البشرية هو الوحيد الذي يجعلنا مساهمين فاعلين، نصنع أنفسنا عبر التفاعل بين جيناتنا وبين بيئتنا وتاريخنا.

إنّ كلمة ماركس التي ذكرها في نهاية تعليقه على فويرباخ والتي يتم عادة اقتطاعها من سياقها هي: «لقد فسّر الفلاسفة العالم، بطرق مختلفة، لكنّ الهدف تغييره». لكنّ هذه الكلمة استنتاج لازم للحجاج ضدّ شكل المادية التي يتحدث عنه فويرباخ. فالحتمية الجينية، مثلها مثل الثنائية، لا تمنحنا أيّ أمل في تغيير العالم. فالحجاج الرئيسي لهذه الحتمية أنّ طبيعتنا لا يمكن إصلاحها إلّا عبر جيناتنا، وهو الأمر المثير للريبة عندما يصف سلوك الرأسماليين الأناني الساعي للربح بأنّه فطري. وبالتالي، وتبعاً لهذه النظرة، فإنّ أيّة محاولة لجعل مجتمعاتنا أكثر عدلاً هو صراع ضدّ طبيعتنا وفطرتنا وهو محكوم بالفشل. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ الفهم الديالكتيكي للطبيعة البشرية يظهر لنا بأننا على العكس: تكيفيون. فنحن نشكّل أنفسنا وعالمنا. هذه هي البصيرة التي تخبرنا بأنّه على الرغم من الادعاءات والمزاعم عن الطبيعة البشرية الشريرة، فنحن قادرون على التغيير.

آخر تعديل على الثلاثاء, 16 تموز/يوليو 2019 21:46