لماذا جرى تسريب «رسالة الانسحاب»؟

لماذا جرى تسريب «رسالة الانسحاب»؟

ربما يمكن تفسير الاضطراب الذي جرى ليلة البارحة حول الرسالة الأمريكية المتعلقة بالانسحاب من العراق، بعمق التخبط الجاري ضمن الإدارة الأمريكية، ولعل من يفسر الأمور بهذا الشكل يجد من الدلائل ما يكفيه، سواء بما يتعلق بحالة التشوش العامة في اتخاذ القرارات في الإدارة الأمريكية، وفي الأمثلة السابقة على أمور مشابه، أو في تفاصيل ما جرى يوم أمس، حيث بدا أنّ وزير الدفاع الأمريكي نفسه ليس على علم مسبق بالرسالة... ولكن هذا التفسير هو الأسهل، ولذلك ليس بالضرورة التفسير الصحيح...

نعتقد أنّ «الاضطراب» المتعلق بالرسالة كان بأكمله مفتعلاً، والغرض الفعلي وراءه هو الإيحاء بعدم وجود خطة واضحة لدى الأمريكي، ولدى ترامب بشكل خاص، للتغطية على الأهداف الفعلية.

إنّ بعض التصريحات والتحليلات التي ظهرت خلال الأيام الماضية، وعلى لسان شخصيات من المعروف عنها أنها مطلعة بحدود جيدة على أسرار البيت الأبيض، تشير إلى الاتجاه العام الذي يمكن أن تسير وفقه الأمور.

نشير هنا بشكل خاص إلى تغريدتين للأمريكي اليميني من أصول لبنانية وليد فارس، والذي عمل في الحملة الانتخابية لترامب، ولا يزال يعتبر من المقربين منه.

يقول فارس في تغريدته الأولى: «الوقت الآن هو لكي تقوم كردستان والأنبار بصياغة استراتيجية تحالفية بينهما بدعم من الولايات المتحدة لمقاومة داعش والميليشيات الإيرانية». وفي الثانية: «الوقت الآن هو لإزالة المليشيات الإيرانية من سهل نينوى ومن كل سنجار، ولإعادة اللاجئين الإيزيديين والآشوريين والكلدانيين والسيريانيين إلى وطنهم».

بكلام أكثر وضوحاً، يمكن التنبؤ بأنّ هنالك تعويلاً على قسم الشارع العراقي عمودياً على أساس الموقف من طهران. هذا الانقسام ينبغي تمريره بالدرجة الأولى -من وجهة النظر الأمريكية- عبر الحركة الشعبية التي قطعت شوطاً جيداً خلال المرحلة الماضية في عملية انفصالها التدريجي عن الأحزاب التقليدية وعن أرباب الطوائف والمذاهب باتجاه تشكيل حالة وطنية جامعة، ولعل عملية الاغتيال نفسها كانت تضع هذا الاستهداف بين أهم استهدافاتها.

من جهة ثانية، فإنّ الانقسام العمودي ينبغي أن يمر بالدرجة الثانية ليعيد إحياء الفوالق الطائفية والقومية، مقسماً العراق بين (كردستان والأنبار كما يقول فارس: أي الكرد والسنة) بمقابل (الشيعة).

على هذا الأساس يمكن التنبؤ أولياً بأنّ ما سيعمل الأمريكي عليه في القريب العاجل، هو انسحاب جزئي من العراق، أو بالأحرى إعادة تموضوع باتجاه المناطق التي يعمل على الإيحاء بإمكانية فصلها عن العراق.

الغرض من ذلك هو الدفع باتجاه ضرب العراقيين ببعضهم بعضاً، عبر إحياء أحلام الانفصاليين بوعود كاذبة جديدة تغرقهم بالدماء وتغرق البلاد بالفوضى...

هل سيكون لهذا المخطط الافتراضي حظوظ من النجاح؟ يعلم الأمريكي أنّ المخطط يستحيل أن يصل إلى نهاياته، لكنه متأكد، (وللأسف يبدو أن ما يستند إليه ضمن مواقف القوى السياسية العراقية يسمح له بهذه الثقة)، متأكد من أنّ ذلك سيديم الفوضى أشهراً إضافية على الأقل.

ولكن ذلك كلّه لا يغير الاتجاه العام للأمور: الأمريكي باتجاه مزيد من الانكفاء، الحركات الشعبية نحو مزيد من التوحد والنضج، سيادة بلدان المنطقة نحو استعادتها كاملة، ونحو خروج كل القوات الأجنبية من كامل المنطقة.