تأييد المقاومة ضرورة وطنية
د. محمد أشرف البيومي د. محمد أشرف البيومي

تأييد المقاومة ضرورة وطنية

 لست من مؤيدي حماس أو بدقة، أكثر أنا من معارضي غالبية القيادة السياسية لهذا الفصيل ولقد عبرت عن ذلك في مقال بتاريخ 26 يوليو 2013 عنوانه "الإخوان ليست مصر وحماس ليست فلسطين:ضرورة العودة للأصول".

ولكن ليس الآن الوقت المناسب لانتقاد قيادات حماس، إنما  الآن هو الوقت الذي يتطلب تأييدا قويا وكاملا للمقاومة بكل فصائلها التي تواجه عدونا الأبدي، الكيان الصهيوني العنصري. ينبثق هذا التأييد ليس فقط من منطلق الدفاع عن فلسطين ولكنه، وبحق، دفاع عن مصر وبقية الأمة العربية؛ وليس من منطلق إنساني فقط بل من منطلق حماية الأمن القومي المصري العربي والحرص علي مستقبل الأمة العربية. هذا هو واجبنا الوطني الذي يقفز فوق كل اعتبار.  ولكن هذا لايعني إعفاء القياداة السياسية لحماس أوللسلطة الفلسطينية من انحرافات خطيرة أثرت سلبا علي مستقبل الصراع العربي ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية، الثالوث المخرب لأمتنا والمهدد لمستقبلها.

 

لماذا نرفض المبادرة المصرية بشكلها الحالي؟

     أجد من واجبي كمواطن مصري تشكل وجدانه منذ الأربعينات إبان الصراع المصري ضد الاستعمار البريطاني لمصر وفلسطين، ولنشأة إسرائيل "المزعومة"، أن أعلن رفضي للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة بشكلها الحالي. لماذا؟ هذه المبادرة التي سارعت إسرائيل بالموفقة عليها تجعل من التضحيات التي بذلتها المقاومة، وبدرجة أكبر التي بذلها شعب غزة، عبث لا يمكن قبوله.

     إن الشروط التي تتمسك بها قيادات فلسطين في غزة ورام الله تمثل حدا أدنا مما يمكن قبوله وعليها ألا تتراجع عنها. بل إني أقول أنها شروط متواضعة فهي تتحدث عن الافراج عن بعض الأسري الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة ولا تتحدث عن مسائل أساسية مثل إيقاف بناء ما يسمي بالمستوطنات والانتهاكات الاجرامية لأبسط حقوق الانسان والتي تفوقت بلا شك علي الممارسات النازية. وبناء علي ذلك فنحن نؤيد هذه المطالب المتواضعة لوقف اطلاق النار شريطة أن أي اتفاق مؤقت لا يضع عقبات إضافية أمام تحقيق الأهداف الاستراتيجية وهي التحرير الكامل لفلسطين ودحر الصهيونية مهما طال الزمن.

   لهذا نطالب بتعديل جذري للمبادرة في تناسق مع مطالب المقاومة علما بأن ضرورة فتح معبر رفح لا يتناقض مع حماية الأمن القومي المصري.صحيح أن هذا سيضيف عبئا أمنيا إضافيا ولكن مصر قادرة علي ذلك.

     يخطأ خطئا جسيما من يتصور أن الغضب الشعبي المصري من ممارسات قيادات حماس السياسية ( التي أعلنت أنها فرع من جماعة الاخوان المسلمين) يمتد إلي التغاضي عن الجرائم الإسرائيلية أو النقمة علي فلسطين وأهلها. لهذا فنحن ندين أي توظيف لهذا الغضب ضد المقاومة

 

علما بأن القيادات السياسية لحماس تختلف عن المقاتلين الذين يضحوا بحياتهم وأسرهم كما أن المقاتلين ينتمون لفصائل متعددة  وليسوا من حماس فقط. إن الشعب المصري لن ينسي الالاف من جنوده ومواطنيه الذين استشهدوا علي مر عقود عديدة في صراعه مع عدوه. و لن يغفر لمن يتهاون مع من يقبل بهيمنة اسرائيلية علي مصر وبقية الأمة العربية. إن المقاتلين الفلسطينيين يواجهون العدو الصهيوني ويمثلون بحق خط الدفاع الأمامي للآمن القومي المصري.

      إن الموقف الصحيح للحكومة المصرية لفض النزاع مؤقتا ينبثق من الأهداف الاستراتيجية المصرية التي يجب أن تشكل سياسة الحكومة بشأن القضايا القومية. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون العلاقة المصرية مع الكيان الصهيوني علاقة الود والصداقة والتمنيات بالرخاء كما عبر عن هذه المعاني الرئيس السابق مرسي وكان هذا أحد أسباب رفض الشعب المصري العارم له. فالعلاقة الطبيعية مع العدو الصهيوني هو الصراع الأبدي مع كيان زرع أصلا بهدف الهيمنة الغربية علي الوطن العربي وما حوله. وحيث أن مصر هي الدولة المحورية فهي المستهدف الأساسي لهذه الهيمنة والتي لا تعني إلا إضعاف الدولة المصرية و إفقار شعبها. فإذا تصدت الدولة المصرية للطموحات الإجرامية في فلسطين فهي في الواقع تدافع عن مستقبل مصر وشعبها. إن التناقض الجذري بين أمال مصر وشعبها وأهداف الكيان الصهيوني تجعل الصدام حتمي وليس اختياري لأن التعايش مع الكيان الصهيوني مع أي دولة عربية تتمسك باستقلالها وسيادتها وتبني بجدية مستقبلا يضمن المعيشة الكريمة لأهلها هو من المستحيلات.

     من هذا المنطلق فإن واجب مصر حكومة وشعبا هو تبني مطالب المقاومة ورفع الحصار عن غزة والافراج عن الأسري وفتح معبر رفح دون التناقض مع الاعتبارات الأمنية الضرورية، بل أن هذه المطالب يجب أن يضاف إليها وقف بناء ما يسمي بالمستطونات وتهويد القدس والانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة في 67. كل هذه الشروط لوقف القتال هي في الواقع متواضعة ولكنها خطوة علي الطريق كما انها متناسقة مع القانون الدولي الذي فرضه الغرب نفسه والذي يتناقض  مع اعتبار القدس عاصمة الكيان الصهيوني.

    قد يبدوا للبعض أن موقفنا يتماثل مع الإخوان المسلمون وحلفائهم ولكن الأهداف التي نتبناها هي علي النقيض منهم. فشتان بين من يستغل حدث ما لخدمة قضية في محاولة بائسة للانقلاب علي النظام المصري وبين من يسعي لكي يتخذ النظام المصري الموقف الصحيح.  يجب ألا ينسي أحد أن الشعب المصري ثار ضد الإخوان لأنهم جعلوا هيمنة تنظيمهم فوق مصلحة الوطن.