خدعة مكشوفة !
عوني صادق عوني صادق

خدعة مكشوفة !

بسرعة متوقعة وافقت الحكومة الإسرائيلية المصغرة على هدنة ال 12 ساعة في غزة، التي بدأت صباح السبت الماضي، وبمثلها وافقت على هدنة تمتد 24 ساعة، بناء على طلب الأمم المتحدة، كما قالت ! وقد قبلت المقاومة الأولى ورفضت الثانية. لكن الجيش الإسرائيلي عاد واخترقها واستأنف بكل أنواع الاسلحة !

السجل الإسرائيلي مع الأمم المتحدة، وتعاملها مع "الهدن" والاتفاقات، منذ قيام الكيان العدواني في أيار 1948 وحتى عدوانه على غزة العام 2012، معروف وموثق ومحفوظ. لقد ضاعت فلسطين أول مرة بسبب "الهدن"، وضاع ما بقي منها بعد "اتفاق أوسلو" بسبب "الاتفاق" المذكور. وما بين هذا وذاك، كانت هناك حروب وهدن استفاد منها الكيان الصهيوني في كل مرة بفضل تلك الهدن والاتفاقات، بفضل الدعم والتأييد لدول الغرب الاستعماري وزعيمتها الولايات المتحدة الأميركية وعملائها من الأنظمة العربية.

سرعة الاستجابة لدعوات "الهدنة الإنسانية" يوم السبت الماضي، ثم "تبرعها" بهدنة لأربع وعشرين ساعة، في وقت طلبت فيه الأمم المتحدة تمديد هدنة ال 12 ساعة لأربع ساعات إضافية، يكشف الغرض من هذه الهدن ويظهرها على حقيقتها خدعة سخيفة ومكشوفة، خصوصا عندما يترافق ذلك مع إعلان إسرائيلي رسمي بأن "تدمير الأنفاق سيستمر خلال الهدنة" !!

لقد كان واضحا الفشل الذي حصده "أقوى جيش في الشرق الأوسط" في غزة، إذ تحول إلى عصابة لقتل الأطفال والنساء، دون أن يستطيع الرد على "مفاجآت" المقاومة التي تجاوزت حدود التوقع لدى أفضل استراتيجيي الكيان. ومع مراوحة المعركة البرية عند الشريط الحدودي، وعدم جرأة أو قدرة هذا الجيش على التوغل الذي كانوا يهددون به، أصبحت القيادة الإسرائيلية على المستويين، السياسي والعسكري، في ورطة حقيقية جعلها تبحث عن مخرج بأي ثمن. وقد عكس حجم تلك الورطة ما كانت تنشره الصحف الإسرائيلية بالرغم من الرقابة العسكرية المشددة عليها، وبالرغم من الموقف المؤيد للقيادة والمدافع عن العدوان.

وفي ضوء الوضع الميداني الذي كان واضحا لصالح المقاومة الباسلة والشعب البطل الصامد والمؤيد لمقاومته، بالرغم من المجازر وجرائم الحرب التي تعرض لها، كان لا بد أن يصل وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى المنطقة للمساعدة، وكان لا بد له من أن يجمع حوله كل أنصار الكيان الصهيوني، بدءا من الاتحاد الأوروبي المنافق وانتهاء بالأصدقاء والعملاء من العرب الذين يخافون من تداعيات انتصار المقاومة. تلك كانت خلفية "الهدنة الإنسانية" الكاذبة التي توصل إليها كيري في نهاية الاتصالات والمشاورات المكثفة.

منذ متى كان الفاشيون الصهاينة يفهمون معنى للإنسانية؟ ومنذ متى كان الاستعماريون الأوروبيون والأميركيون المنحازون للكيان الغاصب يعيرون القيم الإنسانية اهتماما؟ وأين هم من الحصار المخالف للقانون الدولي الإنساني المفروض على غزة منذ أكثر من سبع سنين؟ ثم ما قيمة أية هدنة، إنسانية كانت أو غير إنسانية، ما دامت تبيح للمعتدي متابعة عدوانه ؟!

والأكثر أهمية من كل ذلك، يتمثل في تجاهل أسباب العدوان التي لم تتغير منذ البداية وهي حاضرة في كل حرب، وأولها الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ سبع وأربعين سنة، ودون أن نتحدث عن ما هو أبعد من ذلك؟ ولنفرض أنه تم التوصل لوقف إطلاق نار وليس فقط لهدنة، ماذا ستكون النتيجة وماذا سيجني الذين دفعوا ويدفعون التضحيات المرئية وغير المرئية منه إذا استمر الحصار واستمر الاحتلال؟ بل ما هي الفائدة إن رفع الحصار عن غزة وبقي الاحتلال جاثما على الضفة الغربية؟ هل تبدأ مفاوضات جديدة كما يقولون؟ وماذا أعطت مفاوضات زادت عن عشرين سنة، غير ضياع مزيد من الأرض واتساع وزيادة في المستوطنات وتهويد للمدن وتهجير للسكان الأصليين ؟!

إن سياسة "الهدن ووقف إطلاق النار" لا تخدم إلا مصالح المعتدي الصهيوني، وقبولها يعني أن الخدعة السخيفة والمكشوفة تنطلي على الشعب الذي لا يطالب إلا ببعض حقوقه الوطنية والإنسانية. وبالنسبة للعدوان الراهن، وأخذا في الاعتبار كل الظروف والادعاءات، لا معنى لقبول أي هدنة أو وقف إطلاق نار ما لم ينتج عنهما قبض "المقابل" لهما وهو في حده الأدني تنفيذ كل المطالب التي اعلنت عنها المقاومة، بدءا برفع الحصار بشكل نهائي ودون شروط، وانتهاء بإعادة إعمار القطاع الذي دمره العدوان الغاشم.

إن الشعب الفلسطيني عموما، والشعب الفلسطيني في قطاع غزة خصوصا، الذين دفعوا ويدفعون ثمن جرائم المعتدي الصهيوني في كل مرة، لا يرون فائدة من تعرضه لعدوان جديد كل سنتين ليقتل فيه من يقتل من الأطفال والنساء، وليدمر ما أعيد بناؤه من أجل الوصول إلى هدنة جديدة أو وقف إطلاق نار جديد ! لقد أثبت أهل غزة أنهم على استعداد لدفع فاتورة التحرر كاملة ومرة واحدة، ولكن ليس لدفع الفواتير الباهظة كل سنتين وبلا مقابل !

وبالنسبة لدعاة "الإنسانية" من الأميركيين والأوروبيين، أنصار المعتدين الصهاينة، عليهم أن يتذكروا أن صنيعتهم "إسرائيل"، لا "تدافع عن النفس" بل تعتدي على حق الفلسطينيين في الوجود، وأن سبب ما ترتكب من جرائم هو احتلالها لأرض الغير الذي لا يقره قانون أو شريعة أو خلق. أما بالنسبة للعرب من المتدخلين، فليعلموا أن الفلسطينيين يعلمون أن تدخلهم إن لم يكن دعما لمطالب المقاومة المحقة، فهو تدخل مرفوض وهو لصالح المعتدي، ما يضعهم على نفس المستوى، وفي نفس السلة التي فيها هذا المعتدي !!

المصدر: الخليج