واشنطن مثيرة الفتن.. تدفع أوكرانيا إلى الهاوية (2/2)
مايك ويتني مايك ويتني

واشنطن مثيرة الفتن.. تدفع أوكرانيا إلى الهاوية (2/2)

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية «فرّق تسد» في أوكرانيا للإيقاع بين الاتحاد الأوروبي وشريكته التجارية روسيا. فقد ساعدت وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية «CIA» على إسقاط الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانكوفيتش وثبتت مكانه دمية أمريكية، وأمرت هذه الدمية بقطع تدفق الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي واستدراج بوتين إلى حرب عصابات طويلة الأمد في أوكرانيا.

اعتقدت شخصيات قيادية في واشنطن أنه وباستخدام بعض الاستفزاز، فإن الرئيس بوتين سيرد بالطريقة بذاتها التي تعامل فيها أثناء غزو جورجيا لأوسيتيا الجنوبية في عام 2006. إلا أن بوتين نجح حتى الآن بمقاومة هذا الإغراء بالتورط، الأمر الذي دفع الرئيس الأوكراني الجديد «الدمية» بيترو بوروشينكو إلى تصعيد الاستفزاز عبر مهاجمة المناطق الشرقية بلا رحمة، على أمل استدراج تدخل الجيش الروسي.

 

لا خطة بديلة!

ولكن الغريب في الأمر أن واشنطن لا تمتلك خطة بديلة، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتكرار بوروشينكو للسلوك ذاته الذي انتهجه في شرق البلاد مراراً وتكراراً متوقعاً نتيجة مختلفة. وإذا لم ينجح بوروشينكو في جذب تدخل روسي عبر الحدود، فستسقط خطة المحافظين الجدد، ولن يستطيعوا تشويه سمعة بوتين وتصويره كـ «معتدي خطير» لا يمكن الوثوق به كشريك تجاري.

إذاً فما على بوتين إلا الجلوس بكل هدوء ليفوز، فالاتحاد الأوروبي يحتاج الغاز الروسي، وإذا تم إيقاف إمدادات الطاقة أو حتى تخفيضها بشكل كبير، فسترتفع الأسعار وينزلق الاتحاد الأوروبي نحو الركود، وستكون واشنطن هي الملامة. لذلك، وبما أن فرصتها في جر روسيا إلى تدخل عسكري، فعلى واشنطن القيام بعمل تحريضي على نطاق أوسع بكثير من مجزرة النار في أوديسا.  يجب أن يكون هذا الفعل كبيراً جداً، وأن يظهر بأن موسكوهي من تقف وراءه، وإلا فسيصل المخطط الأمريكي إلى طريق مسدود.  هذا وقد أورد موقع «نوفينيتيه» التابع لـ «وكالة أنباء صوفيا» ما يلي :

“أقر البرلمان الأوكراني مشروع قانون يتيح بيع ما يصل إلى 49٪ من شبكة أنابيب الغاز في البلاد للمستثمرين الأجانب». الأمر الذي يمكن أن يمهد الطريق للشركات الأمريكية والأوروبية التي تضع نظام نقل الغاز الأوكراني نصب أعينها منذ أشهر.

 

السيل الجنوبي

ستتمكن الشركات الأمريكية من شراء ما يقارب نصف خط الأنابيب الذي ينقل60% من الغاز الذي يتدفق من روسيا إلى أوروبا.  كما أنها ستكون قادرة على محاسبة موسكو على كل قطرة من الغاز الطبيعي الذي يعبر تلك الأنابيب. وهذا ما يفسر أيضاً محاولة «جماعة» أوباما نسف مشروع خط الأنابيب الروسي الكبير المسمى «التيار الجنوبي» الذي يشكّل صفقة جيدة لأوروبا وروسيا.  فمن ناحية، فإنه يعزز أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير، ومن ناحية أخرى، فسيوفر العائدات اللازمة التي ستمكّن روسيا من الاستمرار في تحديث وتطوير بنيتها التحتية المتداعية وتحسين مستويات معيشة مواطنيها. 

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» التالي في حديثها عن خط «التيار الجنوبي»: “سيكون خط الأنابيب المقترح هذا بطول 2400 كيلومتر تقريباً أي ما يعادل1500  ميلاً، وسيمتد من جنوب روسيا عبر البحر الأسود إلى بلغاريا وصربيا والمجر وصولاً إلى النمسا في نهاية المطاف. وسينقل حوالي 60 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، مما سيسمح للصادرات الروسية إلى أوروبا بتجاوز الصادرات الأوكرانية إلى حد كبير». 

كما أن الخط المذكور سيقوّض «استراتيجية المحور» التي تتبعها واشنطن، ولهذا السبب يحاول أوباما ووزارة الخارجية وأعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأمريكي كـ «رون جونسون- جون ماكين - كريس ميرفي» القيام بكل ما في وسعهم لنسف هذا المشروع».

 

الاحتكار المزعوم

في مقابلة له مع «نيويورك تايمز»، قال السيناتور رون جونسون “إن ما يمنح بوتين السلطة والسيطرة هو احتياطيات النفط والغاز الروسيين، واعتماد كل من أوروبا الغربية والشرقية عليهما «مضيفاً “علينا التخلص من قبضته على إمدادات الطاقة وإيقاف هذا الاحتكار».

ما هذا الهراء؟! لم يقم بوتين باحتكار الغاز، وروسيا لا تقدم سوى30 % من احتياجات الغاز الأوروبية سنوياً، كما أنه لا يبتز أحداً، فبإمكان دول الاتحاد الأوروبي شراء الغاز الروسي أو عدم شرائه، والأمر متروكٌ لهم. من جهة أخرى، فالأسعار التي تقدمها شركة «غازبروم» الروسية هي أسعار تنافسية جداً، وتقلّ في كثير من الأحيان عن معدلات السوق، وحتى أوكرانيا كانت تستفيد من ذلك لسنوات عديدة، إلى أن بدأ السياسيون المعتوهون فيها بمعاداة بوتين كلما سنحت لهم الفرصة، وخصوصاً عندما قرروا - بطلب أمريكي - التوقف عن دفع فواتير الغاز لروسيا. إن السبب الكامن وراء الفوضى التي تعيشها أوكرانيا اليوم هو قيامها باتباع نصيحة واشنطن، حيث اعتقد قادتها أنها فكرة جيدة. لتكون النتيجة تقسيم البلاد وإفلاسها وتمزقها نتيجة الاضطرابات الاجتماعية.

 

 

سلاح الأنابيب!

على ما يبدو، يعتقد جهابذة المحافظين الجدد أنهم إذا استطاعوا تخريب مشروع «التيار الجنوبي»، والفوز بملكية 49 % من خطوط الأنابيب الأوكرانية، فستتدفق الكمية الأكبر من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية. الأمر الذي يظنون أنه سيمنحهم مزيداً من السيطرة على موسكو. ولكن هناك خلل في مخططهم هذا، وقد أشار إليه المحلل جيفري مانكوف في مقال له بعنوان «هل يمكن لأوكرانيا استخدام أنابيبها لتهديد روسيا؟» حيث قال: «إن المشكلة الأبرز في هذه الخطة هي أن خفض إمدادات الغاز سيخلق مخاطر حقيقية للاقتصاد الأوروبي. فالجهود التي تبذلها كييف لاستنزاف الغاز الروسي المتجه إلى أوروبا لتعويض قطع روسيا للغاز عنها في يناير من عام 2009، يشرح سبب كون التلاعب بإمدادات الغاز استراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأوكرانيا. هذا وقد ردّت موسكو على عمليات السحب غير القانوني للغاز من خلال وقف جميع مبيعات الغاز عبر أوكرانيا لمدة أسبوعين، تاركة مناطق واسعة من شرق وجنوب أوروبا تشعر بالبرد. كانت ردة فعل القادة الأوروبيين غاضبة حينها، حيث قاموا بتحميل كل من موسكو وكييف مسؤولية هذا التعطيل، وطالبوهم بتسوية مشاكلهم. وفي حين أنه من المتوقع أن تأتي استجابة الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر تعاطفاً مع أوكرانيا اليوم، فإن ضعف كييف البالغ وحاجتها للدعم المالي الخارجي، سيجعل تعرضها للغضب الأوروبي نتيجة التلاعب بإمدادات الغاز خطراً جدا».

 

المصلحة مشتركة.. والعدو واحد

أوروبا وروسيا متطابقتان تماماً في المجال التجاري، فأوروبا تحتاج إلى الغاز لتدفئة المنازل وتشغيل أجهزتها، ولدى روسيا غاز للبيع وهي بحاجة المال لتعزيز اقتصادها، وبالتالي فإنه وضع مربح للجانبين. أما ما لا يحتاجه أي منهما فهو الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الأخيرة - في الواقع - هي المشكلة. وطالما بقي التدخل الأمريكي قائماً، فستكون هناك اضطرابات اجتماعية وتقسيم وحروب، الأمر بهذه البساطة. لذلك، ينبغي أن يكون الهدف تقويض قدرة واشنطن على إجراء عمليات زعزعة الاستقرار هذه، وإجبار صانعي السياسة الأمريكية على الاهتمام بشؤونهم الخاصة فقط. أي يجب أن يكون هناك جهد منسّق للتخلي عن الدولار، والتخلص من كل من سندات الخزانة الأمريكية ونظام البترودولار، وإجبار الولايات المتحدة على أن تكون دولة مسؤولة تلتزم بالقانون الدولي.

 

*نقلاً عن موقع : كاونتر بانش «بتصرف».