جولة الوفد السعودي إيذانا بقطيعة أو مصالحة اضطرارية؟
خليل حرب خليل حرب

جولة الوفد السعودي إيذانا بقطيعة أو مصالحة اضطرارية؟

لا حرب خليجية على قطر. وما يظهر كحملة تأديب خليجية بحق الدوحة والامير تميم بن حمد، يفترض ان تنتهي مهلتها الاخيرة غدا السبت، يخفي خلفه ما هو اكبر من سحابة خلافات سياسية وأمنية عابرة.

التدقيق في المشهد يقول ان المنظومة الخليجية القائمة منذ اكثر من 30 سنة من خلال «مجلس التعاون الخليجي»، لم تعد تحتمل التمديد والتسويف.

ومهما كانت نتائج الاجتماع الوزاري الخليجي غدا في جدة، في ما يتعلق بالخلاف المزمن مع الشقيقة المشاغبة قطر، فان لا ترجيحات تشير الى نية سعودية ـ بحرينية ـ اماراتية باتخاذ اجراءات قطيعة حاسمة، قد تفكك ما تبقى من أواصر الارتباط داخل العائلة الخليجية، ان صح التعبير.

ثلاثون عاما من الهواجس والخوف الاقليمي والهيمنة من قبل الشقيق الاكبر المملكة السعودية، ربما آن أوانها ان تطفو على السطح، او تنفجر شرذمة، وما الخلاف القطري مع الرياض والمنامة وابوظبي، سوى احد تجليات ذلك المشهد.

ليس تطورا عاديا ان يقوم وفد سعودي بهذا «الوزن»، بمهمة عاجلة. وزير الخارجية الامير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة الامير خالد بن بندر ووزير الداخلية الامير محمد بن نايف، حطوا فجأة في الدوحة امس الاول، في زيارة لم تستغرق ساعتين، قبل استكمال الجولة الى البحرين والامارات.

وكأن «ساعة الحقيقة قد حانت»، كما يقول مصدر خليجي مطلع لـ«السفير». الامير تميم الذي ما ان تولى الحكم، حتى وضعه «الاشقاء» من الحكام الخليجيين، الاكبر سنا وخبرة، تحت وطأة ضغط لم يعهده الحكم القطري من قبل، مجبر تميم الان على الاجابة على تساؤلات وشكوك تمتد من بلاد المغرب العربي الى الخليج العربي. السياسة الخارجية لقطر، عمليات التجنيس القطرية للبحرينيين، دعم «الاخوان المسلمين» خارج دول مجلس التعاون وداخلها، نشاط قناة «الجزيرة»، احتضان معارضين خليجيين، استضافة دور نشر وابحاث تحرض على الحراك المعارض وتغيير الانظمة الخليجية، العلاقة مع حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يجري في ليبيا، والنار اليمنية المتصاعدة.

لم تنفع لا الوساطة الكويتية في تشرين الثاني الماضي، ولا الدور العماني في الحصول على اجوبة قطرية مقنعة للدول الثلاث (السعودية، الامارات والبحرين) التي سحبت سفراءها من الدوحة في آذار الماضي. والمتداول حتى الان هو ان اللجنة الفنية لمتابعة آلية تنفيذ قطر لتعهداتها، قدمت قبل ايام، تقريرا لا يشفي غليل السعوديين. ويقول المصدر الخليجي انه «قد تعلن إجراءات خليجية جماعية» خلال لقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون غدا السبت في جدة.

لكن خلف كل كرات النار الملتهبة هذه في العلاقة مع قطر، تبدو القضية الاساس، ضمور النفوذ السعودي اقليميا، وهو تراجع تقاومه المملكة بكل ما يتاح لها من قوة، وحاولت قطر خلال سنوات «الامير الاب» حمد بن خليفة آل ثاني قبل تنحيه في الصيف الماضي، ملء الفراغ المستحدث. حاول تميم استكمال درب والده، لكن لم تمض سوى شهور قليلة على توليه السلطة، حتى كان جيرانه يرفعون الصوت ضد سياساته، في رهان جماعي على إحداث تعديل جذري فيها، فيما يجري التداول ان حمد الاب والوزير «الملك» حمد بن جاسم بن جبر، لم يبتعدا عن كواليس صناعة القرار القطري في خضم هذه الازمة الملتهبة.

مرتابة الرياض من حدودها الجنوبية مع اليمن، ومن منطقتها الشرقية، ومن الجار الايراني على الضفة الشرقية للخليج، ومن الجار «الشيعي» الذي نشأ عند حدودها الشمالية في العراق، ثم من تمدد «الجهاديين» الان، بخلاف ما كان مقدرا من القيادات السعودية، على مقربة من حدود المملكة شمالا، من سوريا والعراق ولبنان والاردن. تمول كل من قطر والسعودية فصائل متناحرة على الاراضي السورية. الاخفاق السعودي في سوريا له حصة كبيرة في تفسير حدة الحنق السعودي على عدم احتكار اوراق اللعب الخليجية والذي جعل للرياض شركاء ولاعبين اصغر منها، يشوشون عن قصد او عن غير قصد، الاهداف التي ترمي اليها المملكة في سنوات القلق والاضطراب هذه.

وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام السعودية تحدثت خلال اليومين الماضيين عن اهمية زيارة الفيصل وخالد بن بندر ومحمد بن نايف باعتبار انها ديبلوماسية اللحظات الاخيرة ومحاولة لرأب الصدع السياسي، الا ان ذهاب هؤلاء الثلاثة سوية الى الدوحة، يحمل رسالة مدوية. واذا كان ذهاب الفيصل منطقيا باعتباره العراب الديبلوماسي، وذهاب محمد بن نايف طبيعيا نظرا لخصوصية العلاقة بينه وبين نظيره القطري رئيس الحكومة عبدالله بن ناصر آل ثاني، فان مشاركة خالد بن بندر تطرح تساؤلا اكبر عن اهمية وجود رجل الاستخبارات في السعودية، في مهمة يفترض ان طابعها العام سياسي وديبلوماسي، وتتوخى السعي الى انهاء قضية سحب السفراء كما يبدو عموما.

ويقود ذلك الى الترجيح بأن عمق الخلاف كبير ولم تتم تسويته، خصوصا ان البيان الصادر بعد الزيارة السريعة للوفد السعودي الى الدوحة، كان مقتضبا، ولا يتضمن سوى عبارات عامة، لا تتحدث عن انفراج يلوح في الافق، ما يفتح الباب واسعا امام مجموعة خطوات عقابية خليجية ضد الدوحة (الحرب بطبيعة الحال ليست بينها)، قد تشمل تجميدا اكثر اتساعا للعلاقات الديبلوماسية وامتداد القطيعة الى الدولتين الاخريين، أي الكويت وسلطنة عمان.

لكن مسألتين مشتعلتين قد تدفعان السعوديين، والخليجيين الاخرين، الى طرق أبواب اخرى باسم التسوية والخروج من المراوحة وانقاذ القمة الخليجية المقررة في أواخر العام في الدوحة او ربما نقلها من قطر. الاولى تتمثل بالانتفاضة التي يقودها الحوثيون في العاصمة صنعاء، الى الجنوب من المملكة التي تعتبر هذا الحراك اليمني مسا بمصالحها ونفوذها.

اما الثانية فتتطلب استجابة فورية سعودية خاصة، و«سنية» عامة كما حددها باراك اوباما اكثر من مرة، تتناغم مع الاندفاعة الاميركية لصياغة تحالف ما لمواجهة «سرطان داعش» التي ذبحت مواطنا اميركا وتهدد الاف الاميركيين في اربيل والعراق عموما.

فهل بامكان السعودية وقطر الغرق اكثر في خلافاتهما بعدما صدر أمر العمليات من البيت الابيض؟ الا تؤمن الدوحة والرياض بأن اعادة اجترار الماضي المتوتر بينهما كما حصل خلال حقبة الامير الاول لقطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الذي سعى لكسب الاستقلال لدويلته عن اقليم الاحساء السعودي، لم تعد تخدم الشقيقتين، الكبرى والصغرى؟

المصدر: السفير