مؤتمر باريس اليوم في مقابل مؤتمر جدّة: اقتسام للنفوذ في العراق.. وخلاف بشأن سوريا

مؤتمر باريس اليوم في مقابل مؤتمر جدّة: اقتسام للنفوذ في العراق.. وخلاف بشأن سوريا

حتى الساعات الأخيرة، لم يكن عدد من سيجلسون اليوم في قاعة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، معروفاً. عشرون، أو ثلاثون دولة على الأرجح، سيستمع صباحاً وزراء خارجيتها لخطاب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند محتفلاً بقيام التحالف ضد «داعش» من باريس، أسوة بما فعل الأميركيون في جدة قبل أربعة أيام. كما يستمع المجتمعون أيضاً، إلى الرئيس العراقي فؤاد معصوم يشكرهم على تضامنهم مع بلاده، قبل الذهاب إلى بيان مشترك يجدد الالتزام بتطبيق القرار 2170، ودحر «داعش» في العراق.

والحال أن الاستعجال في استدعاء وزراء خارجية دول كانت تجلس على الدوام على مقاعد «أصدقاء سوريا»، أصاب آلة التنظيم الفرنسي الديبلوماسي ببعض الارتباك. وبسبب استبعاد واشنطن لهم في جدة، ردّ الفرنسيون باستدعاء مؤتمرهم اليوم، بعد ساعات قليلة فقط من تجنيد الأميركيين تحالفاً إقليمياً في جدة، وقّع فيه وزراء خارجية عشر دول عربية على التزامات بمكافحة «الإرهاب» و«داعش» و«جبهة النصرة» على جبهات تشمل لبنان وسوريا واليمن والعراق وليبيا، بإمرة واشنطن.

ويتميز الاجتماع الباريسي عن منافسه الأميركي في جدة، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يفتح الباب أمام موسكو للعودة من الباب الفرنسي الى اعادة صياغة دور في التحالف ضد الإرهاب، من دون المشاركة في العمليات العسكرية.
وكان الإيرانيون مرشحين للحصول على بطاقة دعوة إلى باريس، كما قال مصدر في الإليزيه، ولكن «عدم حصول إجماع على ذلك منع توجيه تلك الدعوة التي كنا ندرس أمرها بجدية».
وردَّ الإيرانيون أمس، على لسان نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بأن «المشاركة في مؤتمر مسرحي وانتقائي لمكافحة الإرهاب أمر لا يهمّنا وسنواصل دعمنا»، فيما اعتبر أمين السر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن «إقامة أي تحالف مناهض للإرهاب من جانب الولايات المتحدة مع دول هي الداعم الرئيسي للإرهاب، أمر مشبوه».
بالإضافة إلى قول رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إن «الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش يفتقر إلى العقلانية، وليس فقط لا تسهم في القضاء على هذا التنظيم فحسب، بل من شأنها أن تعمم الكراهية في المنطقة أيضاً».
وكان استبعاد باريس من جدة قد فُسّر فرنسياً، كما قال مسؤول فرنسي، «برغبة واشنطن بالانفراد بالقيادة العسكرية، لذا فإن المؤتمر يريد توجيه رسالة مضادة بأننا لن نقبل أن يتدخلوا في المنطقة وحدهم».
ويلخّص المصدر الفرنسي الحاجة إلى المؤتمر، بتوجيه «رسالة إلى الأميركيين، بأننا لن نكون بيادق في أيديهم، وأن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى عال في نظر العراقيين».
ويحيل الإقبال على بناء الأحلاف في كل من باريس أو جدة، إلى تهافت الفرنسيين والأميركيين على الفرصة المستجدة لإعادة اقتسام النفوذ المفتوحة في العراق. وهي نافذة فتحها انهيار الجيش العراقي أمام غزوة الموصل، وتضعضع الحليف الكردستاني في شمال العراق بصورة مفاجئة، ولكنها مفيدة لتجديد الوصاية عليه وإعادة توزيع الحصص النفطية، واستغلال الفرصة فرنسياً للتعويض عن التخلف عن غزو العراق في العام 2003، وانتزاع مكانة أفضل في أسواقه وصفقاته التي انفرد بها الأميركيون، بعدما كانت روسية ـ فرنسية بشكل واسع في ظل نظام صدام حسين.
وتحيل المبادرة الفرنسية أيضاً، باستعراض تحالف تحت ثريات الكي دورسيه المذهّبة، إلى السباق بين واشنطن وباريس إلى رعاية هذا التحالف الذي لا يزال هشّاً، وإلى مبلغ الفوضى والارتباك لدى القوى الأساسية في العمليات العسكرية في بلورة خطة مشتركة وواضحة لخوض حربها ضد الإرهاب مجدداً، من الولايات المتحدة إلى فرنسا وبريطانيا، وعدم اتضاح حدود مسرح العمليات بين العراق وسوريا، وانعدام التجانس بين أعضاء التحالف الذين لعبوا دوراً كبيراً، لاسيما السعودية وقطر وتركيا، في استيلاد «داعش» و«النصرة»، وتمويلهما وتسليحهما، ولا يزالون يولونهما الدعم نفسه، خصوصاً تركيا.
ويقول مسؤول فرنسي إن التحالف الذي أنشأه الاميركيون «لا يملك قيادة أركان مدمجة وأن لا طابع دولياً له، وعلى كل طرف فيه أن يحدد بنك الأهداف الذي يرغب في استهدافه، ولكن العمل سيكون مستقلاً بحيث تعمل كل دولة بشكل منفصل عن الأخرى، ومن دون التزامات».
وأبرز ما يشير إليه الاجتماع الباريسي، هو انعدام الثقة فرنسياً بالمبادرة الأميركية في العراق، والخوف من أن تقوم واشنطن مرة ثانية خلال عام بإهانة الفرنسيين، كما فعلت قبل عام تماماً، عندما وضعت في عهدتها قرارها العسكري والسياسي، لشنّ غارات على دمشق، بعد «تجاوزها خط أوباما الأحمر الكيميائي» في 21 آب 2013، قبل أن تتراجع واشنطن عن خططها، تاركة هولاند يواجه انتقادات داخلية شديدة محقة، بتسليم قرار الحرب السيادي الفرنسي إلى الإدارة الأميركية.
ولا يعني ذلك بأي حال أن فرنسا ستكون قادرة على القيام بأي عملية عسكرية من دون واشنطن، لا سيما أنها لا تملك في نطاق العمليات الجوية أكثر من قاعدة «الظفرة» في الإمارات، ولا تزال حاملة الطائرات الفرنسية الأخيرة «شارل ديغول» قيد الصيانة في «تولون»، بينما تتحدث واشنطن عن إرسال مقاتلاتها إلى مطار أربيل. كما أن واشنطن، وليس فرنسا، هي التي تستقبل، بحسب وزير الخارجية الأميركي جون كيري «عروضاً بإرسال قوات برية من بعض الدول أعضاء التحالف للمشاركة في العمليات العسكرية، لكننا لا نفكر في ذلك حتى الآن».
ويقول مصدر فرنسي إن مؤتمر باريس سيبحث في تنسيق العمليات العسكرية والإنسانية والأمنية. كما يبحث في تحديد من سيدفع فاتورة العمليات العسكرية، خصوصاً أن استنفار قوات جوية في حرب طويلة يستدعي على الأرجح الحصول على تعهدات من الدول الخليجية بتمويل كلفة تلك العمليات.
وعلى غرار الأميركيين، لا يزال الفرنسيون يدرسون احتمال توجيه ضربات لـ«داعش» في سوريا. ويقول مصدر في الإليزيه إن «توجيه ضربة لداعش في سوريا، يمثل إشكالية قانونية وسياسية، ونحن ما زلنا في طور التفكير لمعرفة ما إذا كنا نحتاج إلى استصدار قرار من مجلس الأمن في هذا الشأن».
وكان الرئيس الفرنسي قد رفض أكثر من مرة تقديم إجابة على سؤال توسيع الضربات لتشمل «داعش» السورية. ومن المنتظر أن يقدم المؤتمر فذلكة في هذا الشأن. والأرجح، أن التردد الفرنسي في توحيد الساحتين العراقية والسورية في مواجهة «داعش»، لا ينبع من أي حرص على القانون الدولي، خصوصاً أن أحداً لم يأت على ذكره العام الماضي، عندما كانت الطائرات الفرنسية تتأهب للانقضاض على دمشق من دون الرجوع إلى أي قرار من مجلس الأمن بعد أزمة الكيميائي.
لكن التفكير بمجلس الأمن بشأن «داعش» السورية، يستند إلى مخاوف فرنسية من أن أي ضربة دولية ضد «داعش» في الرقة ودير الزور وغيرها، قد يخلق فراغاً عسكرياً وسياسياً، لن يملأه سوى الجيش السوري، وليس أي معارضة «معتدلة» لم يعد لها أي وجود يذكر، خصوصاً في الشرق السوري.

المصدر: السفير