ضريبة مروجة يُخشى من تبنيها
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

ضريبة مروجة يُخشى من تبنيها

هل فرض الضرائب على المغتربين «يحقق معدلات النمو» المطلوبة؟
وهل هذا المصدر لتمويل الخزينة «يعد من أهم روافد الدعم للتعليم والطبابة والغذاء ورفاهية العيش في سورية»؟
وهل مبلغ 300 يورو «مبلغ زهيد بالنسبة للدخل السنوي، حتى بالنسبة للحالات التي تعيش على المعونة الاجتماعية»؟
وهل فعلاً «التحويلات المالية للمغتربين تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى الغلاء في العقارات»؟.

الأسئلة أعلاه وغيرها الكثير تم تداولها على ألسنة السوريين داخلاً وخارجاً، وعبر بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، على ضوء ما أثير مؤخراً حول موضوع «رسم الاغتراب» و«الضريبة على المغتربين» من خلال إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 8/12/2019، على أنه اقتراح مقدم من قبل أحد المغتربين تحت عنوان: «كيف يستطيع رسم الاغتراب تحقيق تنمية بشرية مستدامة»، مع جرعة من الترويج للموضوع، «والهدف أن تتحول المادة الفكرية إلى مادة مشروع قانون».

قانون منهيُّ العمل به لكنه نافذ!

نشير بداية إلى أن استيفاء رسم عن كل سنة إقامة، من العرب السوريين ومن في حكمهم، كان معمولاً به بموجب القانون 19 لعام 1990، والذي أُنهي العمل به بموجب المرسوم التشريعي 60 لعام 2004.
كما تجدر الإشارة إلى أن استيفاء الرسم بموجب القانون 19 أعلاه ترافق مع ميزات من ضمنها «السماح للمغتربين بإدخال سيارات وآليات وأثاث منزلي»، وقد تمت تسمية القانون بذلك، بالإضافة إلى «حقهم بإدخال مواد أو أمتعة للاستعمال الشخصي غير معدة للأغراض التجارية مرة واحدة في السنة وفي حدود قيمة الرسم المسدد»، وغيرها من الميزات الأخرى.
أما اللافت في الأمر فهو أن القانون 19 لعام 1990 ما زال نافذاً، حاله كحال المرسوم التشريعي 60 لعام 2004، وذلك بحسب ما ورد عبر الموقع الرسمي لمجلس الشعب! وربما هو محض خطأ في الموقع ليس إلّا.

خشية مشروعة من الترويج

بالعودة إلى ما ورد عبر الصحيفة المحلية عن موضوع «الضريبة على المغتربين» و«رسم الاغتراب»، والذي بدأ على أنه «مادة فكرية» مقدمة من أحد المغتربين «المقيم في ألمانيا»، لتتحول إلى «مشروع قانون» في المتن، وصولاً إلى اعتبار المغترب «خبيراً» بنهاية المادة الصحفية، مع الكثير من التفصيلات والشروحات لمضمون «الفكرة»، «المشروع»، يستخلص منها القارئ نوعاً من الترويج والتسويق له، وهو ما يُخشى أن يتلقفه البعض من الرسميين وغير الرسميين للدفع به وتبنيه على أنه قابل للتنفيذ، مع قالب تجميليّ له يحمل طابع الوطنية والغيرية، ولم لا طالما أن جيوب السوريين ومستوى معيشتهم هي المستهدفة؟! وهو ما لا يتعارض مع سياسات الإفقار والاستنزاف المتَّبعة منذُ عقود، خاصَّة وأنَّ هناك سابقة قانونية شبيهة.

تفصيلات وردود أفعال

بحسب «الخبير» فإن: «رسم الاغتراب المقدر بـ1500 ليرة سورية مبلغ زهيد بالنسبة للمغتربين السوريين»، وفكرته تهدف إلى «أن يصبح هذا الرسم رسماً فاعلاً عبر تعديله ليصبح 300 يورو.. وهذا مبلغ زهيد بالنسبة للدخل السنوي، حتى بالنسبة للحالات التي تعيش على المعونة الاجتماعية».
أما الإضافة من قبل «الخبير» فقد كانت على شكل: «فرض ضريبة 5% من مجموع الدخل السنوي للسوريين (ومن في حكمهم)».
يبدو أن المستوى المعيشي لـ«الخبير» المغترب يؤهله للحديث عن «المبالغ الزهيدة»، سواء تلك المقطوعة المتمثلة بمبلغ 300 يورو سنوياً، أو تلك المرتبطة بنسبة 5% من الدخل السنوي، لكنَّ ذلك ربما لا ينطبق على كل المغتربين، وخاصة الغالبية التي تعتمد «على المعونة الاجتماعية» الذين شملهم بمضمون «مشروعه»، وهؤلاء أعدادهم بالملايين خارجاً بسبب الحرب والأزمة وتداعياتها الكارثية، ولا ندري مدى معرفة «الخبير» بهذا الشأن وحيثياته، ومدى انعكاس هذه الاقتطاعات التي يقترح فرضها على مستويات معيشة السوريين في المغتربات، بل وعلى بعض السوريين داخلاً الذين يعتمدون على ما يحوله لهم أبناؤهم في الخارج بحال فرضت عليهم هذه الرسوم والضرائب؟!.
فالبعض من اللاجئين الذين وصل لأسماعهم مضمون الاقتراح أعلاه لم يخفوا خشيتهم من أنَّ مثل هذا الاقتراح، بحال تم الأخذ به، يعني بالمحصلة استنزافهم مع ذويهم بالداخل، بالإضافة إلى ما عانوه ودفعوا ضريبته نزوحاً ولجوءاً وتشرداً وما زالوا، هذا إن لم يحول دون عودتهم لاحقاً بسبب عدم التمكن من التسديد، مع الكثير من التهكُّم والسخرية أيضاً.

عبارات فضفاضة وشركات خاصة للتحصيل

ما يلفت الانتباه في المادة الصحفية المتضمنة «المشروع» المقترح هو ربط «ضريبة الاغتراب» ورسم الاغتراب» بعبارات فضفاضة أكبر وأعمق من مضمونهما ومحتواهما، للترويج والتسويق لهما، مثل: «إيجاد آلية للعمل على معدل نمو دائم- دعم نظام الرفاهية المستدام المقدَّم من الحكومة السورية- تقوية مبدأ التكافل الاجتماعي وتوزيع الثروة بين جميع طبقات المجتمع؛ ما يولد مساواة عادلة ومستدامة- تسهيل دخول هذه الأموال إلى موازنة الدولة، سيكون رافداً مهماً لعمل الحكومة، يساعدها على تقديم الخدمات التي يتطلع إليها المواطن..».
أما عن الطرق والوسائل المقترحة لتطبيق ذلك فقد تم الاستفاضة بها، لكن ما يلفت أيضاً بهذا الصدد هو الحديث عن اللجوء إلى «شركات خاصة»، قادرة على تحصيل الرسم «مقابل نسبة من التحصيل»!.
يبدو من خلال العبارات أعلاه أنَّ «الخبير» المغترب، مع الاحترام لشخصه طبعاً، ليس خبيراً على الإطلاق، فمعدلات النمو ونظام الرفاهية، وتوزيع الثروة والمساواة المستدامة، وغيرها من العناوين الشبيهة الأخرى مرتبطة ارتباطاً لصيقاً بجملة السياسات الاقتصادية الاجتماعية المعمول بها، والتي تعتبر السياسات الضريبية إحداها، ومما لا شك فيه أن السياسات الضريبية المطبقة تعتبر مجحفة بحق الغالبية المفقرة، ومحابية لمصالح أصحاب الثروة، بل إن ذلك لا يقتصر على السوريين من هؤلاء داخلاً أو خارجاً، بل ولغيرهم من أثرياء الدول الأخرى أيضاً، حالها بذلك حال جميع السياسات ذات الجوهر الليبرالي المعمول بها، وبالتالي فإن «رسم الاغتراب» والضريبة على المغتربين» «كـمشروع»، بحسب ما ورد من رؤية وردية «فكروية» بحسب الصحيفة و«الخبير»، جرى تحمليه ما لا يمكن أن يحمله من مهام اقتصادية اجتماعية أكبر وأعمق منه بكثير.

القاعدة والاستثناء عقارياً

أما الحديث عن أن: «التحويلات المالية للمغتربين تؤدي بطريقة غير مباشرة؛ إلى الغلاء في العقارات (بسبب محدودية خيارات الاستثمار؛ ووضع «تحويشة العمر» في مشروع واحد، وعلى الأغلب يكون في العقار»، فهذا له شأن آخر يؤكد عدم خبرة ومعرفة «الخبير».
فهذا «الخبير» المغترب بلا شك بعيد عن الواقع الاقتصادي ومفرزات السياسات الليبرالية على مستوى مسألة العقارات، وعن سياسات السكن والإسكان الغائبة منذ عقود، والتي أرخت ظلالها الاستغلالية على العقارات والاتجار والسمسرة بها على حساب الغالبية من المفقرين، وصولاً لتوسع وزيادة انتشار العشوائيات والمخالفات.
فحيتان المال والفساد لهم اليد الطولى بارتفاع أسعار العقارات والمضاربة فيها، يضاف إليهم شريحة تجار الحرب والأزمة الجدد الباحثين عن مطارح لتبييض أموالهم المنهوبة، وهؤلاء أصبحوا طغماً مالية متحكمة بهذا القطاع كما غيره من القطاعات الأخرى، وخاصة ذات الربحية المضمونة والسريعة، والمغترب حاله كحال البقية من المواطنين عند البحث عن السكن الملائم مواصفة وسعراً، فهو مُستَغَل ومنهوب من قبل هذه الشريحة، والاستثناء بهذا الصدد يؤكد القاعدة ولا ينفيها.

رسائل وتساؤلات

بالحديث عن المغتربين، واللاجئين ضمناً، ربما من الأجدى أن يتم طرح الاقتراحات التي تخفف الأعباء عنهم، وخاصة اللاجئين، بغية تشجيعهم على العودة بما يضمن حياتهم ومعاشهم وأمنهم ومستقبلهم، قبل التفكير بجيوبهم من بوابة الخزينة العامة وإيراداتها فقط!.
أما بخصوص بعض النقاط التي وردت في السياق أعلاه (الضرائب- الثروة- النمو- العدالة-..)، فتبدو بعض الأسئلة بصددها ذات مشروعية، مثل:
أليس من الأجدى أن يتم طرح إعادة النظر بالسياسات الضريبية المطبَّقة، وخاصة تلك المتضمنة الكثير من الإعفاءات والامتيازات لأصحاب الثروة على حساب المواطن والوطن؟ أليس في ذلك بعض العدالة المفقودة على مستوى إعادة توزيع الثروة؟.
أليس من الأجدى إغلاق بوابات استنفاذ إيرادات للخزينة العامة، مثل بوابات الفساد والتهرُّب الضريبي والتهريب والتجارات غير المشروعة وغيرها؟ أليس في هذه البوابات إيرادات مستحقة ومنهوبة بشكل مباشر وغير مباشر؟.
أليس من الأفضل الترويج لاقتراحات تعزيز وتطوير قطاعات الإنتاج الحقيقي وتحسينها، العام والخاص، الصناعي والزراعي والحرفي، الكبير والصغير، والضغط من أجل تبنيها؟ ألا يؤمن الإنتاج فرص عمل؟ ألا يؤمن إيرادات للخزينة؟ أليس هو مفتاح وبوابة النمو والتنمية؟.
أليس من الضروري، في ظل الظروف الراهنة ومتطلباتها مع تداعيات سني الحرب والأزمة ومفرزاتها، إعادة النظر بجملة السياسات الاقتصادية الاجتماعية ذات الجوهر الليبرالي المفقرة والمستنزفة للبلاد والعباد، وتغييرها جملة وتفصيلاً بما يضمن فعلاً أع

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2019 13:43