أوكرانيا نحو تنفيذ اتفاقية مينسك-2
يزن بوظو يزن بوظو

أوكرانيا نحو تنفيذ اتفاقية مينسك-2

عُقد يوم الاثنين في التاسع من الشهر الجاري اجتماع «قمّة رباعية النورماندي»، والتي تضم كلّاً من روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، لبحث الأزمة الأوكرانية وسُبل حل النزاع والتسوية السياسية فيها، استناداً إلى قرار مينسك-2... فما هو هذا القرار، وماذا صدر عن القمّة؟

إضاءة سريعة

منذ إعلان استقلال أوكرانيا في عام 1991، عانت البلاد العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، بدءاً من موضوعة الحدود بينها وبين روسيا الاتحادية، تلاها فترة الركود الاقتصادي بعد الاستقلال والتي دامت لثماني سنوات، ثم ومع الأزمة الماليّة عام 2008 اضطرب الاقتصاد الأوكراني وانخفض الناتج الاجمالي بنسبة 20% على إثره، وفيما بين الحادثتين جرت ما عُرف بـ «الثورة البرتقالية» التي سبّبت بدورها أزمة سياسية... ومع استمرار هذه التراكمات ومختلف التناقضات سياسياً واجتماعياً، جاءت مفاوضات الحكومة الأوكرانية مع الاتحاد الأوروبي لجعلها عضواً في اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبي، مما سيتيح لـ «الناتو» نشر قواتهم البلاد، شرارةً ليخرج على إثرها موجة احتجاجات شعبية في 2014، معارضة لهذه المفاوضات والحكومة، جرت مواجهتها وقمعها، حتى تطورت هذه الاحتجاجات لتأخذ منحى انفصالياً في محافظتي دونيتسك ولوغانسك في شرقي البلاد، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، حيث تمكّنت هذه الأخيرة بعد إجراء استفتاء شعبي فيها على إعلان انفصالها عن أوكرانيا وانضمامّها لروسيا الإتحادية، بينما بقي شرقي البلاد في حالة من المواجهات العسكرية الدائمة والاضطراب الاجتماعي والسياسي فيما بينهم والحكومة الأوكرانية.

مينسك 2

مع تصاعد الأزمة والعنف، تمكّنت روسيا وأوكرانيا بتوقيع اتفاقية هدنة وإحلال السلام في مينسك، بيلاروسيا، في أيلول 2014، لم تصمد سوى شهرين حتى بدأت الخروقات فيها. ثم على إثر توتُّر الأوضاع من جديد، تدخلت ألمانيا وفرنسا كطرف وسيط بين الحكومتين الروسية والأوكرانية، حيث أجريت مفاوضات انتهت إلى إبرام اتفاق مينسك-2 في شباط 2015، والذي يضم 13 بنداً، منها: الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار- بدء الحوار حول شكل إجراء الانتخابات المحلية وفقاً للدستور الأوكراني بقانون «الحكم الذاتي المؤقت في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك»- تنفيذ عفو عام وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى جميعهم على مبدأ «الجميع مقابل الجميع»- استعادة الحكومة الأوكرانية السيطرة على حدود الدولة الشرقية بعد إجراء الانتخابات والتسوية السياسية الشاملة- إجراء اصلاح دستوري يفترض اللامركزية فيه، وسن تشريعات دائمة حول الصفة الخاصة لمناطق محددة.
استطاع هذا الاتفاق أن يحدّ من شدّة الأعمال القتالية، إلا أنّ الطرف الحكومي لم يلتزم بمخرجات الاتفاق في حينه وبقي على خط تماس مع القوى الانفصالية المسيطرة شرقيّ البلاد، ضمن عمليات صدّ وردّ دائمة معها، لكن ومع تغيّرات الظرف الدولي عموماً بانعكاساته على الاتحاد الأوروبي، ثم على أوكرانيا سياسياً واقتصادياً، والذي سبّب بالتوازي مع الأزمة الداخلية تدنٍ في المستوى المعيشي، تصاعدت الأصوات المطالبة للحكومة الأوكرانية بتنفيذ اتفاق مينسك، وحلّ النزاع سياسياً، ليتراجع على إثره وزن الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكي وتياره الذي كان معارضاً تماماً لفكرة «الحكم الذاتي»، وصعود فلاديمير زيلينسكي وصولاً لاستلامه مهام رئاسة البلاد بعد الانتخابات في أيار 2019.

قمّة رباعية النورماندي

أبدى الرئيس زيلينسكي إشارات إيجابية تجاه التسوية السياسية للأزمة، مما دفع الأطراف الأربعة لعقد اجتماعهم الأخير في باريس/ فرنسا، بعد انقطاع دام لثلاث سنوات، وكانت أول مرة يجتمع فيها الرئيسين بوتين وزيلينسكي بعد تولي الأخير لمهامه، حيث كان من المتفق عليه قُبيل الجلسة، أنَّ هدف الاجتماع هو بحث سبل وإمكانية تنفيذ اتفاق مينسك-2، ورغم عدم صدور بيان ختامي عن القمة، إلّا أن الأطراف أوضحت خلال مؤتمر صحفي أنَّ ما جرى الاتفاق عليه مبدئياً هو: 1-تبادل جميع السجناء والأسرى قبل نهاية العام الجاري. 2- وقف كامل لإطلاق النار شرقي أوكرانيا بمراقبة مستمرة. 3- تحديد ثلاث نقاط جديدة لفصل القوات الأوكرانية والانفصاليين. 4- تعهَّد أوكرانيا بادخال اتفاقية «صيغة شتاينماير» ضمن تشريعاتها، وهو البند الذي يتعلق بمنح مناطق النزاع حكماً ذاتياً.
وقد أكد بوتين، أنه «جرى فعلاً تبادل للمعتقلين، هذا أمر واقع»، وشدَّد «لا بديل لاتفاقات مينسك». وبينما عبّر الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال المؤتمر عن رفضه إجراء أي تعديل دستوري، إلَّا أنه قام يوم الجمعة بطرح مشروع قانون أمام البرلمان حول إضفاء تعديلات على الدستور، تتعلق بلامركزية السلطة، وتمت إحالته للنظر فيه، دون نشر النصّ.
يتلاقى هذا التطور في الملف الأوكراني مع الاتجاه السياسي الدولي الجديد بتأكيده أن لا حلّ عسكريّ للأزمات، وإنما عبر الحوار والحلول السياسية، تنفيذاً للمصالح الشعبية التي تُعبر عن نفسها ديمقراطياً، فبينما تمترست الحكومة الأوكرانية خلف «الحل العسكري» لثلاث سنوات، ها هي مجدداً بموقعٍ أضعف من سابقه يفرض عليها تقديم التنازلات تنفيذاً للإرادة الشعبية أولاً، وتكمن أهمية تطبيق اتفاق مينسك أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست طرفاً فيه وهو ما يعطي نموذجاً جديداً لحل الأزمة الدولية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2019 13:38