تركيا محاصرة.. إما الانفجار أو الاستقلال

تركيا محاصرة.. إما الانفجار أو الاستقلال

 تزداد العلاقات التركية الأمريكية توتراً، وعلى الرغم من أن هذا التوتر بات سمة لهذه العلاقات في السنوات الماضية إلى أنه يشهد مؤخراً تصاعداً مضطرداً. فما حملته الأيام القليلة الماضية من إجراءات وقرارات متبادلة بين الدولتين لا ينبئ بتهدئة قريبة بل يغذي النار المتقدة.

ما يجري لا يعكس حجم الصراع الدائر بين البلدين فقط، بل يعكس أيضاً حجم الصراع والانقسام الداخلي في كل منهما؛ فساحات الصراع تمتد في الداخل وفي الخارج، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يبدو التخبط واضحاً حول تركيا– وكل الملفات العالمية الأخرى- فكل خطوة للتصعيد ضد تركيا تقابلها نقاشات ساخنة داخل دوائر صنع القرار الأمريكية، وفي تركيا يبدو واضحاً تثاقل الخطوات، وملامح الانقسامات تتضح أكثر مع إعلان داوود اوغلو عن تأسيس حزب جديد في خطوة تصعيدية ضد أردوغان، بعد أن خرج أوغلو من الحزب الذي جمع الاثنين فترة طويلة. 

استعراض

يشكل الموقف الأمريكي من شراء تركيا لمنظومة S-400 الدفاعية الروسية أحد أبرز عناوين الخلاف بين البلدين، وهذا الخطوة تشكل طبعاً مؤشراً على حجم التحولات التي تجري داخل تركيا، وهذا يعطي الولايات المتحدة أحد حلين، إما القبول بالواقع الجديد والتعامل معه، وإما التصعيد وهو ما جرى، فبعد سيلٍ من التهديدات حظرت ميزانية وزارة الدفاع الأمركية الجديدة، والتي صادق عليها الكونغرس في تشرين الأول الماضي، «نقل أو بيع طائرات من طراز F-35 إلى تركيا»، ولم تكتف الولايات المتحدة بهذه الخطوة بل لوحت بفرض مجموعة واسعة من العقوبات على تركيا إنْ لم تتراجع الأخيرة عن صفقة السلاح الروسية، ولكن هذا لم يحدث بالطبع بل جاء الرد التركي بمزيد من التقارب مع روسيا وتلمحيات علنية عن إمكانية استبدال الطائرات الأمريكية بالـ SU-35 الروسية من جهة، ومن جهة أخرى هدد وزير الخارجية التركي أنه وفي حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا، فإن أنقرة ستبحث مسألة الوجود الأمريكي في قاعدتي إنجيرليك وكورجيك. إلا أن هذه التهديدات لم تشكل رادعاً بالنسبة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والتي أقرت في 11 كانون الأول حزمة عقوبات ضد تركيا، ويتطرق القرار إلى عضوية تركيا في حلف الناتو، ويشير إلى أن الأفعال التركية تعتبر خرقاً لمعاهدة الحلف، وعليه يطلب القرار من وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً حول مشاركة تركيا في حلف الناتو. وتعني مصادقة لجنة الشؤون الخارجية على هذا القرار خطوة جديدة باتجاه دخول هذه العقوبات حيّز التنفيذ. ليتبنى مجلس الشيوخ في اليوم التالي قراراً ينص على الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، وهذا ما دفع الخارجية التركية لاستدعاء السفير الأمريكي في أنقرة احتجاجاً على ما وصفته بأنه «استغلالٌ للتاريخ لأغراضٍ سياسية».

كيف تبدو الانقسامات؟

على الرغم من أن الخطوات الأمريكية التصعيدية ضد تركيا تبدو سريعة ومتلاحقة إلا أنها تمر عبر دوامة من الخلافات، والتي لا تنتهي طبعاً باتخاذ قرارٍ ما، فلدى بعض الأطراف رؤية مختلفة، فهي ترى أن العقوبات ضد تركيا ستعرقل المفاوضات معها، وهذه تعتبر وجهة نظر البيت الأبيض، فقد عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضوح عن معارضته لمشروع العقوبات، وحمّل النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ تعليماتٍ تهدف إلى إعاقة هذه القرارات، إلا أن هذه المحاولات لم تستطع تغيير مجرى الأمور إلى اليوم، وتحمل التصريحات التركية الرسمية في طياتها تأكيداتٍ على هذا الانقسام، فهي ترى أن أطرافاً «معادية لتركيا» داخل الكونغرس تقود حملة ضدها وتعمل على إلحاق ضررٍ بالعلاقات الثنائية بين البلدين. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال في وقت سابق إنه ليس لدى الرئيس الأمريكي «خطط خفية اتجاه تركيا» واعتبر أن «التطورات الإقليمية والدولية، تستوجب تكثيف التعاون التركي الأمريكي، والجهات الأمريكية المعادية (لتركيا) تعمل على تضخيم الخلافات القائمة بين أنقرة وواشنطن، وترامب يرى جيداً الجهود المبذولة لإفساد العلاقات التركية الامريكية».

المخارج موجودة

في وسط زوبعة الغبار الحاصلة يعلن رئيس الوزراء التركي الأسبق داود أوغلو عن إطلاقه لحزب «المستقبل» الجديد، وكان أوغلو قد استقال في وقت سابق من حزب العدالة والتنمية الحاكم على إثر خلافاتٍ مع أردوغان، وبعيداً عن الخوض في العناوين التي يعلنها الحزب الجديد، يجب الوقوف عند الإعلان الأهم لهذا الحزب؛ وهو موعد إطلاقه، فهذه الخطوة تبدو جزءاً من محاولة الضغط على تركيا، فوضع الرئيس التركي لا يعتبر في أحسن أحواله، فحزب العدالة والتنمية يخسر جزاءاً من شعبيته ومناطق نفوذه التاريخي، بالإضافة إلى أن الانعطاف– السريع نسبياً– في التوجهات التركية مؤخراً لم يكن ملائماً لكل مكونات النظام التركي، وهذا ما يساهم بخلق شريحة داخلية تعمل بتناغم مع الضغوط الخارجية، فعلى الرغم من استطاعة أردوغان القفز فوق محاولة الانقلاب- الاغتيال، ولكنها لا تزل مؤشراً على انقسام داخل تركيا، وهذا يعتبر أحد الأدوات المهمة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في ضغطها على تركيا. ففي تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر اعتبر أن تركيا تسير باتجاه مغاير للسياسة الأمريكية، وأعلن عن رغبة واشنطن في عودة تركيا إلى «السكة الصحيحة» وأضاف اسبر أن العلاقات بين عسكريي البلدين، والتي وصفها بالممتازة، يمكن أن تشكل منطلقاً جيداً «لإعادة تركيا».
وأما الجانب التركي فهو يرد على كل خطوة أمريكية بتقارب أكبر مع روسيا، فالتعاون العسكري يتقدم بشكل متسارع بين البلدين، وهذا يعطي تركيا مجالاً واسعاً للمناورات الاستراتيجية، وكان آخر ما أعلن عنه هو توقيع اتفاق مع روسيا، بشأن الإنتاج المشترك لأنظمة الصواريخ ونقل التكنولوجيا لتطوير نظام الدفاع التركي، ويبدو واضحاً أن التقارب التركي الروسي هذا لم يكن يوماً رغباً تركية بل تقاربات فرضتها الضرورة، ولن تستطيع تركيا إيجاد مكانٍ آخر للتنفس فهي جزء من تحالف واعد (ثلاثي أستانا) وتبني علاقات متينة مع الصين، إلا أن هذا لن يكفي وحده كدرعٍ في مواجه الفوضى، فالجبهة الداخلية التركية متصدعة وتحتاج إلى ترميمات سريعة مما سيثبت أقدامهم على الصخر بدل الغوص في الطين في ظل رغبة تكاد تكون علنية لدى الأمريكي في تفجير تركيا داخلياً وبأسرع وقت ممكن...

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:30