أزمة شرق المتوسط تحتاج مبادراتٍ جديدة
عتاب منصور عتاب منصور

أزمة شرق المتوسط تحتاج مبادراتٍ جديدة

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل حثيث إلى التصعيد الدائم في البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من أن ملف الأزمة الليبية تلقى دفعاً باتجاه الحل بعد مفاوضات موسكو ومؤتمر برلين، إلا أن احتمالات الانفجار لا تزال موجودة وخصوصاً أن واشنطن تصب الزيت على النار على مدار الساعة.

يبدو الدور الأمريكي والأوروبي من خلفه واضحاً إذا ما نظرنا إلى شكل إدارة خلاف اليونان وقبرص مع تركيا، فتسعى الولايات المتحدة بمجموعة خطوات الحفاظ على درجة عالية من التوتر في المنطقة.

التواجد الأمريكي في اليونان

صادق البرلمان اليوناني على الاتفاقية الأمنية الجديدة الموقعة مع الولايات المتحدة من قبل الحكومة في تشرين الثاني من العام الماضي، تقتضي هذه الاتفاقية توسيع الوجود العسكري الأمريكي في اليونان بحيث يسمح للجيش الأمريكي باستخدام أي موقع عسكري في اليونان. وتشمل الاتفاقية القاعدة الأمريكية الموجودة أصلاً في جزيرة كريت، وتسمح الاتفاقية لواشنطن باستخدام البنى التحتية الموجودة في القواعد العسكرية في ثلاث مدن يونانية، بالإضافة إلى ضمان حق واشنطن باستخدام أي موقع عسكري على أراضي اليونان، واعتبر وزير الدفاع اليوناني نيكوس بانايوتوبولوس أن هذه الخطوة «ستعود بالفائدة على اليونان»، ويشارك الجيش اليوناني بالتوازي مع هذه الخطوات بمهمة إلى جانب حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول في شرق البحر المتوسط، ويتوقع أن يوقع البلدان اتفاقية للتعاون الاستراتيجي في آواخر شهر شباط الجاري.
يبدو القلق اليوناني واضحاً من النشاط التركي في المتوسط، وتحاول أثينا المناورة، فهي ترى في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية مخرجاً، خصوصاً بسبب الوعود بالدعم العسكري والاستثمار بالجيش اليوناني، لكنها لا تدرك حجم المواجهة التي يجري دفع اليونان إليها. ويبدو جهل أثينا واضحاً إذا ما نظرنا إلى درجة تبجحها بخطواتها «الاستراتيجية».

قبرص

لا تبدو علاقة قبرص وتركيا في تحسن، بل على العكس من ذلك، نسمع التصريحات العدائية اليومية من قبرص ومن تركيا، ولم يكن آخرها اتهام قبرص لتركيا بسرقة بيانات حساسة حول الثروات الطبيعية في المتوسط، لتتراجع عن هذا الاتهام فيما بعد، ومن الجدير بالذكر أن تركيا تحاول استثمار علاقتها مع ما يسمى «جمهورية شمال قبرص» التي أعلن عنها بعد التدخل العسكري التركي في قبرص، وتسعى تركيا لتعزيز وجودها والتنقيب عن الثروات الطبيعية في المياه القبرصية.
وتبدو الصورة في قبرص متقاربة لما يجري في اليونان إذ تدعم واشنطن قبرص في وجه تركيا، بالإضافة إلى أن وكالات الأنباء تتحدث عن صفقة سلاح بين قبرص ومصنّع الصواريخ الأوروبي «إم بي دي إيه» الذي يُفترض أن يزوّد قبرص بصواريخ أرض-جو قصيرة المدى، وصواريخ مضادة للسفن، ويجري الحديث عن عقود بقيمة 240 مليون يورو. مما يعزز قدرات قبرص العسكرية في وجه تركيا.

الوضع المعقد والحلول المركبة

لا شك أن النشاط التركي في المتوسط يعتبر أحد عوامل عدم الاستقرار وهو ما ينبغي حله قريباً، فالسعي التركي المحموم للخروج من الزاوية الضيقة مفهوم، ولكن الوسائل المتبعة حالياً لن تحقق إلا مزيداً من تضييق الخناق على تركيا، فبدل من أن تستفيد تركيا من المخارج الآمنة، والتي تتفق مع الشرعية الدولية تظهر نزعة للمضي في طرقٍ أكثر وعورة وخطراً على مستقبل البلاد، ومن الجهة المقابلة لا يمكن اعتبار «الحل» الأمريكي ضامناً للاستقرار، فالتوجه اليوناني الذي يرسخ الجزيرة بوصفها قاعدة أمريكية لا مستقبل له، ولا يخدم مصالح اليونان، بل يدفعها إلى دفع فاتورة كبيرة جداً، لم يعد الاتحاد الأوروبي مجتمعاً قادراً على دفعها.
تحتاج المنطقة إلى مبادرات جديدة لحلول تكون بعيدة عن الوصاية الأمريكية، على أن تمكّن هذه المبادرات دول شرق المتوسط من نزع فتيل التفجير الموجود حالياً. ومن هذا الزاوية نرى أن ما يجري اليوم، وإن كان يبدو متناقضاً في الظاهر، إلا أنه يشترك في منبعه الأمريكي. فجرّ تركيا إلى معارك خارجية خاسرة في ليبيا وشرق المتوسط هو هدف أمريكي لا يصب في مصلحة تركيا، فالولايات المتحدة تعمل عن طريق ما تبقى من نفوذها في المنطقة لتأجيج المشكلة، أملاً في كسب بعض الوقت، ومن هنا قد يكون للدور الروسي المتصاعد في المنطقة فرصة جديدة للدخول في مشروع تهدئة جديد يضمن استقراراً أكبر يشابه دورها في الملف الليبي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
952
آخر تعديل على الأربعاء, 12 شباط/فبراير 2020 11:32