ربطة الخبز تدخل المزاد العلني بضعفي سعرها النظامي.. بعض الأفران الخاصة تغلق دون رقيب.. والمواطن تُرك لمواجهة مصيره منفرداً

ربطة الخبز تدخل المزاد العلني بضعفي سعرها النظامي.. بعض الأفران الخاصة تغلق دون رقيب.. والمواطن تُرك لمواجهة مصيره منفرداً

مشاهد الطوابير لم تغب عن أنظار السوريين ويومياتهم على ما يبدو، فما أن تخبو أزمة صاعدة أثقلت كاهل المستهلك المنهك أساساً، إلى أن تطل أزمة أخرى برأسها، ولكن أن تجتمع جملة من الأزمات في آن واحد، فهذا ما لا يمكن أن يتحمله السوريون، فطوابير المنتظرين على الأفران لا تدع مجالاً للحديث عن عدم وجود أزمة برغيف الخبز، فالادعاء بأن المواطن يشتري أكثر من حاجته أمر وارد، ولكن هذا لا يخلق أزمة بهذا الحجم، إلا أن إغلاق العديد من الأفران الخاصة في بعض المناطق لعدم توفر الطحين أو لمزاجية أصحاب الأفران، أو لجوء بعضهم لطرق التفافية، عبر تشغيل شبكات من الأطفال لبيع ربطات الخبز في السوق السوداء بضعف سعره الطبيعي، عبر بسطات تنتشر في بعض المناطق، وعلى مقربة من الأفران، فهذا هو ما يمكن أن يخلق أزمة على رغيف الخبز..

التجارة برغيف الخبز

أزمة الخبز أمر واقع لا يمكن إنكاره، وفي تشخيص الأسباب تكثر التبريرات، فإغلاق بعض الأفران يبرره أصحابها بغياب الطحين أو المازوت، بينما تجد بعض الجهات الرسمية في الوضع الأمني أحياناً حجة لعدم إيصاله، وغياب الرقابة على المقلب الآخر، يجعل من أزمة الخبز مورداً مالياً كبيراً لبعض الأفران، والذين يلجؤون لبيع جزء من الطحين أو المازوت في الأسواق بسعر مضاعف، والبعض الآخر، جعل من ربطة الخبز تجارة رابحة بامتياز، لتوظيفه البعض في بيع ربطات الخبز على بسطات متنقلة، ليرأس هو شبكة موزعين تابعين له بمحصلة الأمر، وفي كل الأحوال، ما تعانيه دمشق اليوم هو استعصاء الحلول، ويبدأ الحل بالرقابة الجدية على الأفران ومتابعة إنتاجها وتوزيعها لمادة الخبز، فليس من المنطق إغلاق عدد من الأفران التي تغذي منطقة سكانية تتجاوز 50 ألف نسمة لعدة أيام دون بديل، وهذا ما حصل ويحصل فعلياً في بعض مناطق دمشق دون معرفة الجهات المسؤولة عنها، أو سعيها لإيجاد البدائل عند معرفتها في أسوأ الأحوال..

المواطن بمواجهة المحتكرين مجدداً

من الواقع، وبعيداً عن الحديث العام، تعيش منطقتا الطبالة والدويلعة التابعتان للعاصمة دمشق أزمة في تأمين مادة الخبز، فالأفران الأربعة الخاصة بتغذية المنطقة هي خارج نطاق الخدمة لخمسة أيام متواصلة، وجميع أصحاب الأفران يبررون إغلاقهم بعدم امتلاكهم الطحين، كما أنك لا تجدهم متحمسين للبحث عن الطحين، أو توفيره بسيارات خاصة، إذا ما كانت سيارات المطاحن غير قادرة على الوصول إلى هذه المناطق، والقضية بالنسبة لهم «إذا توفر الطحين منيح وإذا لم يتوفر ناطرين»، وفي أروقة وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية، أشار أحد المسؤولين عند سؤاله عن أسباب إغلاق الأفران، إلى أن ذلك كان بفعل غياب مادة الطحين لعدم القدرة على إيصال المادة لهذه الأفران، طالباً من أصحاب الأفران تأمين الطحين لأفرانهم بالسيارات الخاصة، وفي كلتا الحالتين، ومع كل المبررات التي يمكن أن نتفهم بعضها من جانب الطرفين، إلا أن ما يمكن قوله، هو أن المواطن تُرك لمواجهة مصيره أمام جشع بعض المتسلقين والمستفيدين من الأزمات الناشئة، فإلى جانب أحد الأفران مثلاً، تجد أكثر من 150 – 200 ربطة من الخبز، يبيعها أولاد لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات بثلاثين ليرة سورية، وعند سؤالهم عن مصدرها، فكان جوابهم، أنها من فرن ابن العميد في منطقة ركن الدين، ومن حقنا التساؤل: كيف يبيع فرن أبن العميد هذه الكمية من الخبز للتجارة فيها؟! علماً أن وزارة التجارة الخارجية قد حددت الكمية المسموح ببيعها بخمس ربطات فقط بالحد الأقصى؟! ومن أين تؤمن منافذ البيع الخبز غير النظامية ربطات الخبز التي تتاجر به مستغلة حاجة السوريين؟! ومن حقنا سؤال بعض من يبررون تلك الأزمات بصعوبة إيصال الطحين، هل تأمين الطحين لمنطقة ركن الدين التي تشهد وضعاً أمنياً صعباً أحياناً أسهل من تأمين الطحين لمناطق أكثر أماناً نسبياً؟! كما أن سعر الخبز لم يتوقف على هذا النموذج، بل أن سعر ربطة الخبز وصل في بعض المناطق بين داريا وصحنايا مثلاً إلى 150 ليرة سورية..

إجراءات بديلة

بالطبع هناك من يفكر أو يعتقد أن حل أزمة الخبز تبدأ من معاقبة وملاحقة بائعي السوق السوداء، إلا أن هذا في حقيقة الأمر هو الإجراء الأخير، فهؤلاء يؤمّنون جزءاً من حاجة الناس، حتى وإن كان بأسعار مرتفعة إلا أن البعض يجبر على الشراء منهم، وإعطاؤهم هذا الدور كان بفعل غياب أفران الدولة عن بعض المناطق، وتقاعس الأفران الخاصة التي تعمل في أكثر الأحيان على مزاجها دون عقاب من جانب الجهات المعنية، فهذا الغياب هو من أنتج تلك الشبكات، وإعادة الأفران الخاصة إلى وضعها الطبيعي، أو إيصال الخبز الجاهز بطريقة ما من جانب الجهات الرسمية عبر صالات مؤسسة الاستهلاكية أو الخزن والتسويق في المناطق التي تشهد اختناقات في مادة الخبز، سيحل المشكلة مؤقتاً، وسيلغي بشكل تلقائي شبكات المنتفعين تلقائياً، فالإجراء الاقتصادي هو من سيلغي هذه الظواهر، وليس الإجراءات الرقابية والمطاردة «الأمنية» التي لن تكون قادرة على حل المشكلة بالتأكيد..

 تجاهل لحالات النزوح

النازحون من بعض المناطق المتوترة أمنياً في العاصمة دمشق إلى مناطق أكثر أماناً، هم أيضاً يعانون أزمات في تأمين موادهم الأساسية، فالنزوح الفجائي خلق طلباً مضاعفاً أو إضافياً على بعض المواد والسلع الغذائية الأساسية، وخاصة الخبز، إلا أنه لم يجرِ تقدير للزيادة المفترضة على كميات الطحين للأفران تبعاً لهذا النزوح، خاصة في المناطق التي تشهد نزوحا كثيفاً إليها، وهي باتت معروفة كصحنايا وجرمانا وسواها من المناطق، والمشكلة الأخرى، هو رفض بعض الجهات لزيادة مخصصات تلك الأفران في بعض تلك المناطق، لتعاملهم مع حالة النزوح التي ما زالت قائمة على أنها عابرة، ولا داعي لزيادة مخصصات الأفران..

صعوبة النقل «حق يراد به باطل»

حلّقت أسعار السلع بالأسواق الدمشقية بشكل فجائي، فعلبة الحليب ذات وزن 400 غرام أصبحت تباع في الأسواق بسعر العلبة ذات زنة 900 غرام، وبنحو 500 ليرة سورية، والبندورة ارتفعت من 18 قبيل شهر رمضان إلى 30 ليرة للكيلو الواحد، والخيار كذلك الأمر، والذي صل سعره إلى 75 ليرة بينما كان قبل أيام فقط يباع 28 ليرة، والبطاطا هي الأخرى ارتفعت من 14 إلى 30 ليرة سورية بالحد الأدنى، وهذه عينة بسيطة تعبّر عن حقيقة الارتفاعات الحالية بالأسعار، على الرغم من الأنواع الرديئة لأغلب المواد المتوفرة في الأسواق، وخاصة الزراعية منها، وهنا لن ننكر تبريرات بعض الجهات الرسمية بوجود صعوبة في نقل السلع، ولكن هل هذا يبرر ارتفاعها بهذه النسب الكبيرة التي وصلت إلى 200%؟ وهل استفاد الفلاح من ارتفاع سعر بيع الإنتاج الزراعي خلال هذه الأيام فعلاً؟! أم أن زيادة الاسعار هو نتاج ضريبة صعوبة النقل استفاد منها حلقات التجار فقط من أسواق الهال وصولاً لباعة المفرق؟! فـهو وكما تؤكد الوقائع «حق يراد به باطل»، والأسوأ من هذا كله، هو فقدان جزء من المواد من أسواق دمشق على الرغم من كونها إنتاجاً محلياً، كبعض الخضروات والفواكه، وبعض السلع الأخرى..

التجار برهنوا بالدليل القاطع أن الربح هو هاجسهم وهدفهم الأول، وأن ليس للأخلاق اعتبار أو وجود في التجارة، فالتجارة شطارة، واستغلال حاجة الناس لكسب المزيد من الأرباح شطارة أيضاً، وهذا ما لمسه السوريون على أرض الواقع، وهم من أجبرهم استغلال التجار وجشعهم على شراء الكثير من السلع بأضعاف سعرها الحقيقي، ولتخرج علينا الشهور الستة عشر من عمر الأزمة بولادة العشرات بل المئات من تجار الأزمات الذين كسبوا أموالاً  كبيرة على حساب السوريين، وبات بعضهم من أصحاب المليارات!..