سلة الغذاء المثقوبة.. الغلاء يوزع السوريين بين أنياب الجوع وبراثن الانتهازيين

سلة الغذاء المثقوبة.. الغلاء يوزع السوريين بين أنياب الجوع وبراثن الانتهازيين

 دخل الزبون إلى المحل وطلب من صاحبه بحماسة واستعجالبالله خمس بيضات.. ومد قطعة نقدية من فئة الـ25 ليرة، وهذا ما جعل البائع يضحك من قلبه ويقول بثقةيبدو الأخ من سنة (مومشتري بيض.. يا أخي البيضة صارت بتسع ليرات اليوم.. ويجوز بكرةتصير بعشرة!

انسحب الرجل المواطن من المحل جاراً ذيول الصدمة، وأما من بقي من الزبائن في المحل، فنظروا في وجوه بعضهم كمن صدمه قطار سريع، ولم يتجرأ أي منهم أن يتفوه بكلمة واحدة خشية أن يعتبره البقية من جماعة المعارضة (والعياذ بالله)..

ما حصل أمامي أعادني إلى قصص فقراء كفرسوسة الذين أطاحت محافظة دمشق ببيوتهم ودفعت بهم إلى الحسينية في ريفها، وخاصة حكاية (قاسمالذي لا يستطيع أن يشتري لأولاده سوى بيضتين كل عدة أيام ليشعروا بطعم البروتين.

 

من البيضة إلى الدجاجة

 

أسعار البيض قفزت إلى أرقام كبيرة في وقت قياسي حتى بالنسبة لأسواقنا التي كنا نظن أننا نعرف مقدار جنونها وفلتانها من عقالها، وسعر الصحن حسب الوزن المثالي وصل إلى 270 ليرة سورية، وهذا يعني أن عائلة قاسم لن تستطيع شراء بيضتين كل عدة أيام،وربما تعمد إلى إطالة المدة بحيث تشتري بيضتين كل أسبوع أو كل أسبوعين، وربما تنسى أن هناك سلعة ضرورية جداً اسمها بيض الدجاج...

أما الفروج فلم يجد بداً من ملاحقة أمه فصار سعر المشوي 450 ليرة، وأما البروستد مع مقبلاته فوصل إلى 600 ليرة سورية، وهذه الأسعار خاضعة للزيادة حسب محل بيعها، والزبائن التي تفرق بين نكهة وأخرى، وأما المواطن العادي فيطمح إلى شراء الجوانحوالأفخاذ، وهو حسب ما يملك ربما يختار(القوانص)، أي أن يدخل نكهة الدجاج إلى طعام أبنائه بديلاً عن نكهة (ماجي).

 

اللحوم.. أحلام

في ظل انفلات السوق لم تعد دعوات المقاطعة التي أطلقتها ذات يوم جمعية حماية المستهلك صالحة لزمن الأحلام، فاللحوم الحمراء اقتربت من أن تكون خارج سلة الغذاء كلياً، وهذا يعني أن يعيش المواطن السوري على شمها بدلاً من أكلها ولو بحصص قليلة وغيرمنتظمة، وهذا يعني الدعاء المشبع بالحنين للزمن الفائت الصعب.. زمن (الأوقية).

لحم العجل وصل مؤخراً إلى 600 ليرة سورية وهو كاهن العزاء ليقول الأب لأبنائه كلوا من لحم بلادنا، وأما اللحم البلدي الصافي فالكيلو حسب طلب الزبون، وكل حسب إمكاناته وما يحتويه جيبه أو خزينته أو رصيده أو راتبه الشهري أو السنوي، وقد يتجاوز 1000ليرة سورية.

 

بورصة الفواكه

أسواق جديدة للفواكه على طول الطريق الواصل بين دوار كفرسوسة و(الشام سنترفي منظر لافت، ويمتد هذا السوق حتى المتحلق الجنوبي، وتبدو الأسعار تعلو وتهبط كل مائة متر حسب الزبائن ومكان التواجد، فالبسطات التي تتواجد على طرفي تنظيم كفرسوسةالراقي تبيع بأسعار أعلى بصورة واضحة جداً من تلك التي تجاور المناطق القديمة التي لم تطلها البلدوزرات بعد.

ومع ذلك وصل سعر كيلو البرتقال من نوع (الماورديللعصير إلى 20 ليرة للكغ الواحد، فيما كانت قبل عشرة أيام لا تتجاوز 5 ليرات للكيلو الواحد.

البطاطا ارتفعت من 12 ليرة إلى 23 للكغ الواحد، ويقول أصحاب البسطات إنهم يبيعون أرخص من السوق بحوالي 15 ليرة سورية.

الفواكه دخلت البورصة المجنونة، بورصة الأزمة الوطنية العميقة التي تضرب البلاد بلا رحمة أو هوادة، فيومياً هناك سعر جديد، الموز يتراوح بين 60- 70 ليرة، والنوع الأقل جودة ما زال محافظاً على سعره بين 35- 45 ليرة.

يوسف أفندي (كرمنتيناكل أربعة كيلوات بمائة ليرة سورية، وهو يخضع للجودة فينخفض أو يعلو ما بين 5- 10 ليرات سورية.

أما حال السوق العادية فتبدو متباينة، وبعض الباعة بدؤوا يتحدثون عن علاقة الأسعار بهبوط الليرة أمام الدولار في تبرير لغلاء بعض الأسعار، وهذا ما لا يصح على المنتجات المحلية، فماذا يعني أن يصل سعر باقة البقدونس والكزبرة إلى 15 ليرة سورية، وكانتتبرر سابقاً بسبب موجات الصقيع.

 

المعلبات والزيوت 200%

العبوة ذات اللتر واحد من الزيوت النباتية كانت ضالة المواطن على اعتبار أنها من الممكن أن تسد الحاجة عندما يتوفر المال الذي يشتريها، ولكن المراقب والمتتبع لسلم أسعارها يجد أنها في خلال سنة قد قفزت بنسبة تتجاوز 200%، وصار على سبيل المثال سعر لترالأونا 140 ليرة حالياً بعد أن كان حتى وقت قريب بـ60 ليرة، وأيضاُ الأنواع الأقل شهرة وسعراً  مثل البروتينا ومازولا وسواها قفزت إلى أسعار عالية جداً، وصار يجب التأني قبل شرائها، ومن ثم استهلاكها بتقتير.

المعلبات بأنواعها شهدت زيادات مخيفة حيث وصل سعر علبة الطون إلى 100 ليرة، والسردين إلى 50 – 60 ليرة، وكذلك المربيات وهي برمتها من إنتاج محلي، ومعجون البندورة، وكافة المنتجات الغذائية.

أما الزيوت الفاخرة، وخاصة الزيت البلدي، العفريني أو الإدلبي أو السويحلي، فلم يعد يفكر أحد بالسؤال عن سعره.. فهذا بات ضرباً من الرفاهية التي لا يحبّذ مقاربتها في مثل هذه الظروف الصعبة.

 

المتة.. الأزمة بكامل مواصفاتها

انقطعت (المتةفجأة، وبدأ المدمنون عليها رحلة البحث الطويلة عن أنواعها المختلفة، وشاركهم في الاهتمام انتهازيو الحاجات والأزمات، ووصلت في أول أيام اختفائها إلى نحو 100 ليرة سورية، وبدأ البعض - خصوصاً من الموظفين - يتفنن بالتباهي بوجودها علىطاولته أو مكتبه، ويحكي موظف عن قيام زميل له ببيع علبته بـ الضربوهو مصطلح يعني عند متذوقيها الكمية التي توضع في كأس تناولها، وهذا ما عاد عليه بأرباح وصداقات جديدة.

بعض التجار عمد في الأيام الأخيرة إلى تقديمها مع علبة شاي من نوع غير معروف، ووضع على العبوة السعر الجديد 55 ليرة وصار يبيعهما معاً بـ125 ليرةومن لا يريد الشاي لا يحصل على المتة!.

أزمة (المتةتعكس واقع الاقتصاد السوري وتعاطي بعض التجار مع فقدان بعض المواد الناتج عن ظروف مختلفة، وانتهازيتهم في استغلال المواطن، وكذلك عقلية تمرير المنتج السيئ مع المنتج المفقودوهذا من أبرز ملامح السوق التي تركت لمن لا تعني لهم سوىالربح الفاحش.

 

مستلزمات الطفولة.. نار

حليب الأطفال قفز حوالي 100 ليرة سورية، فأنواع مثل (نيدووصل سعر العبوة التي تزن حوالي 900 غرام إلى 225 ليرة سورية بعد أن كانت بـ150 ليرة سورية فقط، أي أن الأسرة التي تحتاج أسبوعياً إلى علبة واحدة بات يكلفها حليب الطفل أكثر من 1000 ليرةسورية.

فوط الأطفال، وهذا النوع أيضاً من ماركات مختلفة، وصل إلى أسعار متعبة للأسرة التي لديها أكثر من طفل،  فالفوط التي تقترب من أسعار (البامبرزباعتباره رائجاً زادت ما يقرب من 100 ليرة، فعلى سبيل المثال ماركة (كوشزاد سعر الكيس من 175 إلى 275ليرة سورية.

 أما المحارم الورقية فزادت أسعارها بنسب مختلفة، فالأكياس من ماركة (بيروتبـ85 ليرة، وبقية الماركات ما بين 70-75 ليرة سورية، ولا مبرر حقيقياً لهذه الارتفاعات بوجود المنافسة الحادة المفترضة بين شركات متعددة عرفنا أسماءها من خلال الشفاه المنفوخةلفتيات الإعلانات الفاتنات.

 

سلة الغذاء.. المثقوبة

من حق المواطن السوري في هذه الأيام الشديدة القسوة من النواحي كافة، أن يصاب بفقر الدم، وكافة الأمراض الغذائية، فالرواتب التي تتغنى بها الحكومة لم تعد تستطيع الصمود أمام حمى الأسعار المنفلتة في ظل غياب كامل للرقابة والدعم.

وسلة المواطن البسيطة التي فقدت على مدار سنوات فقدان الدعم وسحبه جل مفرداتها تفقد اليوم بسبب الغلاء والأزمة التي تمر بها البلاد مقومات الحد الأدنى لحياة غذائية معقولة للمواطن وأبنائه.

ومن الضروري أن تعيد الحكومة حساباتها لتجد مواطناً يقف على قدمين غير مرتجفتين، وأن توجه فريقها الاقتصادي إلى إعادة النظر ملياً بواقع المواطن، وأن تحسب حسابها على إعادة الدعم لسلة غذائه المثقوبة.

 

 

 الأزمة ..

وسياسات المركزي

 

الدكتور أكرم حوراني المدرس في جامعة دمشق (علم التجارة والاقتصادأعاد الأسباب إلى أمرين الأزمة القاسية التي تمر بها البلاد، وسياسات البنك المركزي.

يقول الدكتور حوراني في لقاء صحفي حول نسب توزيع الدخل القومي  : لابد من الرجوع لتوزيع الدخل القومي في سورية ما بين العاملين بأجر، وبين أصحاب الأعمال خلال السنوات العشر السابقة، العاملين بأجر يحصلون على 30% من الدخل القومي، وهم يعيلوننحو 80% من سكان سورية البالغ عددهم 22 مليون شخص، ويعني ذلك أن 22 مليون منهم 80% يعالون من قبل العاملين بأجر سواء في القطاع العام أو الخاص أو القوات العسكرية أو الأمنية أو الشرطة ... وهم يعتبرون من أصحاب الدخل المحدود.

الدكتور حوراني يرى أن الأزمة التي تمر بها البلاد انعكست على انضباط السوق لكن سياسات البنك المركزي المتقلبة أدت إلى هذا الخلل : ترافق مع الأزمة ارتفاع بالمستوى العام وهو الذي كان منضبطا حوالي 8 أشهر حتى ظهرت بعض الصعوبات في قضاياالتمويل وخاصة التمويل الخارجي للمستوردات حيث بدا البنك المركزي في سورية يوقف تمويل ورادات القطاع الخاص، أو يطالب القطاع الخاص أن يمول وارداته من موارده الخاصة من القطع، واقتصر تمويل البنك المركزي كما هو الوضع حاليا على نحو 27 %من الواردات الغذائية والدوائية ومدخلات الصناعة الأساسية، وطبعا ذلك نتيجة السياسات المتقلبة والمتضاربة أحياناً والمتعددة التي وصفت بعدم استقرار تلك السياسات التي اتخذت من البنك المركزي، وبالتالي انتقل هذا الاضطراب إلى السوق الذي رفع المستوى العامللأسعار خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، و الذي يقابله هبوط مباشر في القوة الشرائية وتقليص استهلاك ذوي الدخل المحدود.