الطبقة العاملة السورية: نحن 80% من السكان ولنا أقل من 16% من الدخل

الطبقة العاملة السورية: نحن 80% من السكان ولنا أقل من 16% من الدخل

عندما يتكلم أصحاب الأعمال السوريون عن آليات تكيّفهم واستمرار أعمالهم في الظروف السورية القاسية، تتكرر مقولة واحدة: (أجرة الشغيلة انخفضت) هذه الحقيقة هي (العامل الإيجابي) الوحيد لقطاع الأعمال في سورية، فكل التكاليف ارتفعت: المواد الأولية، والنقل، وتحويل الأموال، وتكاليف الفساد وغيرها، ولكن بقي الشغيلة بأجورهم، بل بتعبير أدق (بجوعهم) ينتشلون بقايا الإنتاج السوري!

وسطي الأجر في سورية عند حدود 60 ألف ليرة لم يتغير رغم انهيار قيمة الليرة وجنون الأسعار خلال الأعوام الثلاثة الماضية على الأقل، التي شهدت انهيارات في قيمة الليرة وجنوناً في الأسعار، واليوم هذا الأجر لا يغطي تكاليف الغذاء الضروري لاستمرار العامل وحده! حيث إن الفرد البالغ في سورية اليوم يحتاج إلى 90 ألف ليرة شهرياً، ليؤمن 2400 وحدة حرارية منوعة من الخبز إلى الخضار واللحوم والأجبان والحلويات. إنّ هذه الضرورات الغذائية أصبحت حقوقاً منقوصة للعامل السوري، والأجر مصمم على أساس تقصير وسطي العمر، لتأكل سنوات العمل قليلة العائد أعمار شغيلة سورية.

الطبقة العاملة (من نحن)؟

لا تتوفر مسوحات واسعة للقوى العاملة وواقعها إلّا من بيانات جهاز الدولة، والمكتب المركزي للإحصاء وحتى عام 2019، وهي لا تشمل مناطق واسعة من سورية: دير الزور والرقة وإدلب وأجزاء من ريف حلب. ولكنها تغطي ما يقارب 15 مليون من سكان سورية، وتستطيع أن تعكس نسبياً بعض الوقائع الهامة التي سنستعرض جوانب منها ذات دلالات على متغيرات جديدة.
أول البيانات وربما أهمها: هي ترتبط بحجم شريحة الطبقة العاملة من المجتمع السوري، ويمكن الوصول إلى تقدير وسطي لعددنا ونسبتنا من المجتمع. ووفق تقديراتنا، فإن حجم هذه الشريحة يصل إلى 12 مليون من أصل 15 ونسبة: 80% تقريباً من سكان سورية.
بُني هذا التقدير على أساس أن شريحة القوى العاملة تشمل العاملين بأجر والعاطلين عن العمل، وطبعاً مع أسرهم، أو وسطي عدد الأفراد الذين يعيلونهم اقتصادياً.
إذ يبلغ عدد العاملين بأجر 2,4 مليون، بينما عدد العاطلين 2 مليونان تقريباً، وهؤلاء يفترض أن يعيل كل منهم: 2,8 من الأشخاص وسطياً، ما يجعل التقدير الأولي لتعداد هذه الطبقة قرابة 12,3 مليون ونسبة تقارب 80%.
الـ 20% الباقية من السكان مقسمين إلى قسمين: شريحة من يعمل لحسابه وتشمل المزارعين والمهنيين العاملين بأنفسهم وأصحاب الورش وصغار مالكي المحال والعاملين في التجارة والخدمات، إضافة لشرائح مثل: الأطباء وغيرهم. هؤلاء يقاربون في سورية 1,1 مليون ويعيلون عملياً قرابة 2,8 مليون. ليتبقى أقل من 200 ألف شخص وبالضبط وفق التقديرات الحكومية 128 ألف هم أصحاب الأعمال.

1016-1

حصة كل فرد منّا: 12 ألف شهرياً!

الطبقة العاملة السورية تشكل نسبة 80% من السكان تقريباً، وهي عملياً تحصل على حصة قليلة جداً من الدخل السوري الإجمالي الذي تنتجه. بناءً على الأجر الوسطي البالغ 60 ألف ليرة، فإن 2,4 مليون من العاملين بأجر يحصلون على 1730 مليار ليرة سنوياً. هذه الحصة الأولية من الدخل الموزعة على الأجور يجب أن تغطي 6,7 ملايين شخص سواء من العاملين بأجر أو من يعيلونهم اقتصادياً، بينما الـ 5,6 ملايين من العاطلين عن العمل، ومن يُفترض أن يعيلوا من أطفال ونساء غير عاملات وغير قادرين على العمل وطلاب فهؤلاء نظرياً لا يحصلون على شيء.
1730 مليار ليرة تشكل نسبة لا تزيد عن 16% من مجمل الدخل السوري البالغ في 2019: 11 ألف مليار ليرة، هذه الحصة الأولية من الدخل قليلة إلى حد بعيد إنها لا تتعدى 12 ألف ليرة شهرياً وسطياً لكل فرد من أبناء الطبقة العاملة.
إنّ هذا التقدير لا يعني أن أسر الطبقة العاملة لا تحصل إلّا على هذه المبالغ، ولكنه المبلغ الأساسي الذي يحصل عليه كل هؤلاء من (العمل الشرعي والشريف). الذي لا يكفي لتأمين أساسيات التغذية الفردية إلّا بالحدود الدنيا! إنّ حصة وسطية 12 ألف ليرة لكل فرد من أبناء الطبقة العاملة تعني أنهم يحصلون على 13% من غذائهم الضروري فقط، يحصلون شهرياً على مبلغ لا يغطي إلّا كلفة الحصول على بيضة يومياً وأقل من أوقية لحم عجل شهرياً!

10162

الأجور جريمة متعددة الأوجه

إنّ هذه المفارقة الحادة جداً بين الحاجات والأجر واسعة الأثر، وتؤدي إلى تحولات كبرى في طبيعة العمل وقيمته، وبالتالي القيم الإجمالية للمجتمع. فمستوى العنف الاقتصادي الضاغط على الطبقة العاملة مع أسرها استثنائي، وهو يربي في المجتمع السوري ميلاً حاداً نحو (انتشال أسس الحياة) بأية طريقة مهما قست أو توحشت أو كانت بعيدة عن (معايير الأخلاق).
إنّ هذه الأجورهي محدد التوق للهجرة لدى شريحة الطلاب حيث أكثر من 1,6 مليون طالب في سورية يعادلون نسبة 30% من تقديرات القوى العاملة، ومعظم هؤلاء (يقضون أعمالاً مؤقتة) في سورية، ويبنون مستقبلاً على أساس خطوة السفر التالية. وهذه الأجور هي أيضاً محدد للتدهور الأخلاقي في المجتمع: سعيه إلى الالتحاق بحلقات الفساد الكبرى، حيث يتمركز الدخل، لتعمل شرائح واسعة من القوى العاملة في إطار النهب والنصب وكل الموبقات التي تؤمن بيئتها شرائح أمراء الحرب، الذين يفتحون باب القطاعات السوداء أمام شباب سورية كمصدر أساسي للدخل. أخيراً، إن هذه الأجور هي محدد للمشاكل المستقبلية الكبرى التي تظهر في أطفال اليوم... فأولاً: المستوى المنخفض من الدخل هو سبب تراجع القدرة على تأسيس الأسر وإنجاب الأطفال، ليكون أطفال اليوم مسؤولين مستقبلاً عن مهام كبرى بأعداد أقل، وتأهيل منخفض، فأجور الجوع تحرم شرائح واسعة من أطفال الأسر العاملة من حق استكمال تعليمهم، ونسبة تصل إلى 40% من أطفال سورية خارج العملية التعليمية!
إنّ هذه الأجور هي محدد أساسي في المصير القريب لسورية، حيث تعتبر صاعق تفجير اجتماعي، فكل هذا الظلم لا يمكن أن يكون دون ردة فعل، أمّا ردة الفعل هذه فقد تكون عنيفة بمقدار عنف الظلم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1016