الحلول (الثورية) عبر الطاقة الشمسية أوهامٌ جديدة!

الحلول (الثورية) عبر الطاقة الشمسية أوهامٌ جديدة!

تكثر التصريحات حول توليد الطاقة الشمسية في ظل أزمة الكهرباء الخانقة، حيث لا يتم تأمين 25% من الحاجة اليومية للسوريين في منازلهم، بينما مساحات كاملة في البلاد لا يصلها التيار كلياً أو جزئياً! وسط التردّي الكهربائي المتصاعد، فإنّ الحديث المكرور حول الطاقة الشمسية ربما يعكس جوانب أخرى، استثمارية وضيقة.

بينما تتقاذف جهات من وزارة الكهرباء التصريحات والرد عليها حول واقع محطات التوليد، فإنّ (نغماً جديداً بدأ بالدّق على رؤوس السوريين) حول اللجوء للطاقة الشمسية كبديل... فأيّ نوع من الاستثمار بالطاقة البديلة في سورية 2021 التي يجري فيها تقنين أرغفة الخبز؟! هل يمكن أن تكون هذه الطروحات واقعية؟!

الطاقة الشمسية بديل جدي، ولكن!

إنّ توليد الطاقة الكهربائية عبر الشمس في سورية، مجدٍ طبعاً من الناحية البيئية، وتنافسي اقتصادياً: وبحسب تصريحات سابقة لمدير المركز الوطني لبحوث الطاقة فإنه في سورية: «مساحة 56 ألف كيلو متر مربع تصلح كمصدر لطاقة الشمس، حيث تصل شدة السطوع الشمسي فيها إلى 5 كيلوواط على المتر المربع، وعدد أيام السطوع تتجاوز 312 يوماً في العام» وإذا ما قارنا هذه المعدلات مع شدة السطوع في ألمانيا أحد أكبر المستثمرين في الطاقة الشمسية، فإن معدّل السطوع في سورية 8 أضعاف المعدل في ألمانيا البالغ 0,6 كيلو واط تقريباً على المتر المربع، وبمعدل أيام مشمسة: 65 يوماً فقط. أي أن الظرف الجغرافي في سورية وعموم المنطقة يوفّر فرصة جدية.
عالمياً، تعتبر التكاليف الاستثمارية التأسيسية الكبرى للطاقة البديلة واحداً من المعوقات الأساسية لانتشارها، ولكن، ينبغي الإشارة إلى أن تكنولوجيا الطاقات البديلة تشهد ثورة عالمية، تخفّض من تكاليفها بمعدلات قياسية، وتحديداً تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي انخفضت خلال عقد مضى بنسبة 82% عالمياً، وذلك أن تقديرات IRENA المنظمة الدولية للطاقة المتجددة، تشير أن انخفاض التكاليف متسارع جداً وقد أصبحت في 2019 أقل من 7 سنت أمريكي للكيلو واط الساعي، وقد ينخفض الرقم في عقود 2021 إلى أقل من 4 سنت، وهذا على المستوى العالمي.
وفق هذه المقاييس، فإن الطاقة الشمسية تتحول إلى خيار جدي على المستوى العالمي، وكلفة إنتاج الكيلو واط الساعي فيها أصبحت أقل كلفة اقتصادية من الإنتاج عبر الوقود الأحفوري، وتحديداً من تكاليف إنتاج الكهرباء بالفحم.
ولكن المسألة ليست في كلفة الكيلو واط، بل في القدرة على تمويل مثل هذه المشاريع، فالكلف المرتفعة تقابلها عوائد موزعة على 25 سنة تقريباً، ولذلك هذا النوع من المشاريع يصعب أن يكون إلّا مشاريع دولة وإنفاق عام، وتحصل الدول على التمويل لهذه المشاريع مقابل قروض وبفوائد وتسدد قبل الـ 25 عاماً... بينما تبقى الدول تحصّل أموال هذه الديون من المستهلكين. وربما يكون مثال مصر مفيداً في توضيح واقع الاستثمار في هذا القطاع.

الحاجة إلى مليارات الدولارات لتوليد نصف الطاقة الحالية

نستطيع أخذ مثال من آخر مشروع كبير معلن عنه في المنطقة، وهو مشروع مصر لبناء أكبر محطة توليد طاقة شمسية في العالم، والذي احتاج إلى استثمار بقيمة 3,4 مليار يورو لتركيب استطاعة 1465 ميغا واط، وهي قرابة 60% من الإنتاج السوري الحالي.
أي بمقياس مصر، فإننا سنحتاج إلى استثمار يقارب 3 مليار يورو لكي نزيد إنتاجنا من الطاقة الكهربائية بمعدل: 50%. وحتى بأخذ الانخفاض في الأسعار العالمية بنسبة 40% خلال عام، فإن التكلفة تبقى عند حدود 2 مليار يورو. لتركيب 1200 ميغا واط إضافية تقريباً، يمكن تأمينها باستعادة الإنتاج في حقول الغاز السورية.
إنّ مثل هذه المبالغ ليست كبيرة عندما يتم الحديث عن مرحلة إعادة الإعمار، وعندما تصبح مثل هذه المشاريع جزءاً ضرورياً من مستقبل سورية، تقلل استهلاك الوقود الأحفوري وتُحسّن المؤشرات البيئية، وتُشغّل منشآت إنتاج الألواح التي يوجد لها أساس حالياً. ولكنّ الحديث اليوم عن تحوّل الطاقة الشمسية لبديل جدي كبير، هو مجرد بيع للأوهام. لأن سورية كبلد تحت الحصار، ويعاني من أزمة سياسية وكارثة إنسانية وأكثر من نصف سكانه مرهون للمساعدات، لن يستطيع في الظرف الحالي تأمين مليارات الدولارات من أموال الاستثمار لتوليد الطاقة الشمسية، وتحديداً، إن المال العام لم يعد لديه من الحيل والقوّة ما يكفي لتمويل الخبز الضروري، أما الاعتماد على الاستثمار الخاص فهو أيضاً غير جدي، حيث إن أحداً لن يخوض في (مشاريع) كبرى كهذه في اللحظة الحالية.
وبالعودة إلى نموذج مصر، فإن هذه الدولة التي تتحوّل إلى واحدة من مراكز استقبال الاستثمار في الإقليم احتاجت إلى مساهمة: 39 شركة ومؤسسة تمويل دولية وإقليمية لإنشاء هذا المشروع، واحتاجت لتكون جدواه مرتفعة إلى مساحة: 37 كلم مربع، أي إلى مساحة 3700 هكتار في مكان وأراضٍ مناسبة.
وعملياً، الحديث عن إنتاج كبير عبر الطاقة الشمسية غير واقعي في سورية، وما المقصود بهذه المشاريع إلا مستويات استثمارية ضمن المتوسط للصغير سنناقش آفاق بعضها.

1028-i2

مشاريع استثمارية متوسطة وصغيرة 

تحدثت المصادر المحلية عن مشروع مشترك في مدينة عدرا الصناعية لتوليد 100 ميغا واط من الطاقة الكهربائية الشمسية بالمشاركة مع جهة حكومية، وهي تؤمن جزءاً هاماً من حاجات الطاقة الكهربائية في المدينة. وبمقياس كلف الاستثمار السابقة، فإن مشروعاً كهذا سيحتاج بالحدود الدنيا إلى كلف استثمارية تقارب 170 مليون دولار سيكون توزيع كلفها على 25 سنة من العمر المقدّر للمحطات.
وقبلها، هنالك المحطة الكهروضوئية في حلب الشيخ نجار، التي تمّ الإعلان عن عقدها في عام 2018، ولم يتم وضع حجر الأساس لها إلّا في العام الحالي، وبكلفة 36 مليون يورو، باستطاعة 33 ميغا واط سنوياً، تغطي أقل من 10% من استهلاك الشيخ نجار الكهربائي.
لا تتضح الآلية الاستثمارية لمثل هذه المحطات الكهروضوئية التي تخدم جزءاً فقط من حاجات المدن الصناعية، ولكن المستثمرين الخاصين في سورية لن ينتظروا 25 عاماً ليستردوا أموالهم مع ربحها عبر بيع الكهرباء لجهاز الدولة، وستكون أسعار البيع متضمنة معدل ربح مرتفع.
إن مستويات الاستثمار الخاص الأصغر في الطاقة الشمسية المباعة للدولة، توضح بعضاً من أرباح هذه الاستثمارات.

1028-27

مستثمرون يحصلون على آجار من الدولة

إنّ مثل هذا الاستثمار الصغير في توليد الطاقة الشمسية يجري في سورية، ولكن بمعدلات قليلة جداً. فحتى العام الماضي كان هنالك حوالي 50 مشروعاً خاصاً صغيراً لتوليد الطاقة الشمسية قرب المحطات الكهربائية العامة، أنتج ما لا يزيد عن 11- 17 ميغا واط، وهي لا تشكل إلّا نسبة تقارب نصف بالمئة من الإنتاج العام للكهرباء.
ووفق أدنى شريحة للاستهلاك المنزلي في الدورة البالغة: 600 كيلو واط، فإنّ هذه الكميات تكفي لتأمين الكهرباء المنزلية الكاملة لـ 3 منازل سنوياً فقط!
أي إننا لا نزال بعيدين جداً عن تحوّل الطاقة الشمسية إلى رقم يُذكر، وللمقارنة فإن الأردن مثلاً أصبح يؤمن 20% من طاقته الكهربائية عبر الطاقة الشمسية.
عملياً، إنّ هذه المشاريع الـ 50 لتوليد الطاقة الكهربائية الشمسية بكميات قليلة، تحصل على آجار من وزارة الكهرباء، بأسعار لم تعلنها الجهات الرسمية كما جرت العادة، بل أعلنها أحد التقارير الصحفية التي أوقف الصحفي السوري على إثره. إذ تبين وفق تقرير صحيفة الوحدة في حينها، أن وزارة الكهرباء تشتري الكيلو واط ساعي من هؤلاء بسعر 9 سنت تقريباً، ومبالغ وصلت إلى 137 مليون ليرة في شهر واحد لمستثمرين ينتجون 6 ميغا واط ساعي سنوياً تقريباً.
وللمقارنة، تنبغي الإشارة إلى أن آخر المزايدات الحكومية المصرية لعقود الطاقة الشمسية جرت على أساس كلفة: 2,4 سنت للكيلو واط الساعي، أي أن أجور المستثمرين في سورية أعلى من التكاليف في الإقليم بنسبة تفوق 350%. وهذه طبيعة الحال، فإن أحداً من المستثمرين لن يقدم على الاستثمار بهذه الطاقات المكلفة، إلّا عندما يضمن تسعيرة احتكارية ومرتفعة بشكل استثنائي، كما هو عموم نظام التعاقد والاستثمار في سورية.

الاستثمار في الاستهلاك الفردي
الألواح نموذجاً

الجانب الآخر من الاستثمار السوري في الطاقات البديلة، هو الاستهلاك الفردي عبر الألواح التي تركب للاستخدام المنزلي، أو التجاري، عبر شركات محددة تستورد المنظومات ومكوناتها. وهذه لا توجد إحصائيات دقيقة عن عددها، ولكنها عملياً تغطي جزءاً، وليس كل الاستخدام المنزلي. وكلفها أيضاً مرتفعة بشكل كبير، فعملياً تحتاج اليوم إلى ما يقارب 800 دولار، وحوالي 2,4 مليوني ليرة للحصول على ألواح لإنارة المنزل باللّيد، وتشغيل أجهزة كهربائية لا تشمل البراد أو الغسالة أو غيرها من الأجهزة الضرورية للاستهلاك اليومي.
إنّ مثل هذه المنظومات الصغيرة المستوردة بالكامل، هي باب استثمار لمستوردين محددين، وتعتمد على اضطرار الأسر المقتدرة نسبياً على تأمين الحدود الدنيا من الاستهلاك الكهربائي بتكلفة مرتفعة، بعد اليأس من منظومة الكهرباء العامة، وعملياً الأسرة تدفع فاتورة كهرباء شمسية لهؤلاء المستوردين تقارب 16 ألف ليرة في الدورة، لقاء أقل من نصف خدمات الاستهلاك الكهربائي المنزلي.

1028-5

خلاصة

إن الحديث عن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في سورية كخيار بديل، هو بيع جديد للأوهام... وإيحاء بالحلول. فالطاقة الشمسية ستكون حكماً استثماراً أساسياً في مستقبل البلاد عندما تلمّ شملها وتحتاج لاستثمار كل طاقاتها، ولكن هذا الاستثمار الذي سيتطلب مليارات الدولارات لا قدرة لحكومة الواقع الحالي على القيام به، ولن تجد في الأفق الدولي والإقليمي مستثمرين لإنشاء مشروعات كبرى كما جرى في مصر حيث اشتركت 39 مؤسسة وجهة استثمارية لتمويل 3.4 مليار دولار.
الحديث عن الطاقة الشمسية كبديل كهربائي، قد يكون مفيداً للتسويق لبعض الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة التي ستكلف جهاز الدولة أموالاً كبيرة لإنتاج جزء لا يذكر من حاجات الطاقة الإجمالية... وحتى اليوم ينتج بالطاقة الشمسية أقل من 0.5% من الإنتاج الكهربائي، ومقابل أجور مرتفعة جداً للمستثمرين، وحتى مع المشاريع الواعدة في عدرا وحسيا إن تمت، فإن مساهمة الطاقة الشمسية ستصبح 6% من الإجمالي.
الاستثمار الأهم الذي يلائم طبيعة قطاع المال والأعمال في سورية، هو استيراد منظومات التوليد الشمسية وبيعها للمستهلكين بأرباح هامة، حيث إن تركيبها يعني دفع الأسرة فاتورة كهرباء بمقدار16 ألف ليرة في الدورة، لمدة 25 عاماً... لقاء إنارة وأدنى الحاجات الكهربائية.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028
آخر تعديل على الثلاثاء, 10 آب/أغسطس 2021 17:44