الجرحى في سورية أكثر من 3 مليون ... ملف شامل ... وإدارة صورية

الجرحى في سورية أكثر من 3 مليون ... ملف شامل ... وإدارة صورية

في عام 2017 قدّرت منظمة الصحة العالمية أن ما يقارب 3 ملايين شخص داخل سورية هم جرحى حرب، ويعانون من إعاقات بدرجات متفاوتة... ما يعني أن قرابة 15% من السكان المتواجدين في سورية حينها يعيشون مع آلام ونتائج الحرب المباشرة على أجسادهم، والنسبة العظمى من هؤلاء منسيون، لا يحاطون بأية «عناية خاصة» أو تعويض، بل لا تصلهم حتى كاميرات المنظمات.

وِفق التقرير المشترك بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة handicap international التي تعمل في مجال الإعاقات الجسدية، فإن الحرب السورية كانت تسبب وسطياً إصابة 30 ألف سوري شهرياً خلال السنوات الست الأولى من الأزمة، نصف هؤلاء جرحى تجاوزوا إصاباتهم نسبياً، ونصفهم الآخر تعرضوا لإصابات دائمة، ومن بينهم مثلاً 86 ألف شخص تعرضوا لبتر أعضائهم، وبتقدير التقرير، فإن ما يقارب ثلث الجرحى سيعانون من إعاقات دائمة مع ضعف القدرة على العلاج، وتحديداً عدم وجود مراكز علاج فيزيائي كافية.

وِفق المسح الذي أجراه التقرير، فإن 90% من الجرحى الناجين من الانفجارات وعمليات الحرب لا يعملون، وتحديداً الرجال في عمر العمل، بينما نسبة الثلث من بين المصابين هم من الأطفال، فهؤلاء يعانون صعوبات صحية وتعليمية واجتماعية، سواء من كان منهم داخل البلاد أو في بلاد اللجوء ومخيماته.
يعتبر ملف الجرحى بأرقامه هذه واحداً من أكثر الملفات ضرراً وشمولية في سورية، البلد الذي يحتاج لمئات المليارات وفق معظم التقديرات، بينما يُغاث بأقل من 3 مليارات سنوياً عبر قنوات الإغاثة الدولية (التي لا تستطيع أن تغطي أزمة الجوع الحادة التي توضع في المرتبة الأولى للاهتمامات، رغم تخصيص ما يقارب نصف برامج الإغاثة للغذاء... ما يجعل الإغاثة الصحية محدودة جداً، تحديداً عندما تتعقد المتطلبات وتصبح غير طارئة، كما في حالة جرحى مرّت على إصاباتهم سنوات يعيشون خلالها منسيين مع الإعاقة.
بعض المسوح على اللاجئين السوريين في لبنان والأردن أشارت إلى أن 22% من اللاجئين عانوا من إعاقة بدرجات مختلفة، و6% منهم كانت إعاقتهم حادّة التأثير، وقرابة نصف هذه الإعاقات كانت جسدية، بينما نصفها الآخر نفسية وعقلية، وذلك في مسوح تعود لعام 2014. وفق مسح آخر في عام 2016 شمل لاجئين ونازحين داخل سورية، فإن نسبة 24% من العينة المدروسة سجّلت جروحاً وإصابات بسبب النزاع، وأكثر من 17% من هؤلاء الجرحى كانوا من الأطفال، بينما 15% تعرضوا لبتر في الأعضاء الطرفية، و5% أصيبوا بالشلل، أي ما يقارب 1250 شخص مشلولين من أصل عينة مدروسة لا تتعدى 68 ألف شخص!
فإذا ما كانت هذه هي النسبة التقديرية بين المدنيين من لاجئين ونازحين، فما الذي ستكون عليه الأمور بين العسكريين والشباب الذين كانوا وسط المعارك؟!

الجرحى والحكومة.. كثير من الدعاية قليل من العمل

جهاز الدولة السوري لا يتعامل مع ملف الجرحى إلّا من موقع الجرحى العسكريين، بينما تعويضات المدنيين المصابين مسألة محسوم إهمالها وعدم القدرة على التعامل معها.
بداية، لا يوجد أي تقدير حكومي معلن لعدد الجرحى ونسبة إصاباتهم، كالعديد من الملفات الاجتماعية الحساسة التي لا يوجد رقم معلن عنها، رغم توفّر بياناته الحكومية. ولكن بالعموم، فإن التقديرات الحكومية حول جوانب أخرى تعطي دلالة ما حول حجم الإعاقات في سورية. وبالاستناد إلى أرقام غير القادرين على العمل من بين قوة العمل السورية، أي من هم بين عمري: 15-64 سنة فإن 184 ألف شخص كانوا غير قادرين على العمل في عام 2019، ويتوزعون منصافة تقريباً بين الإناث والذكور، ما يشير إلى أن نسبة كبيرة منهم من المدنيين، معظم هؤلاء يعانون من إعاقات حادّة تجعل قدرتهم على العمل معدومة، ليشكّلوا نسبة 6% من مجمل عدد الجرحى المقدّر أممياً في عام 2017. وهؤلاء كان من الممكن أن يعيلوا ما يقارب مليون شخص، ولكنهم بوضعهم هذا يحتاجون للإعالة.
خدمات الرعاية الحكومية والإعاشة محصورة بالجرحى العسكريين، وطبعاً ليس بجميعهم، فحتى في ملف العسكريين فإن هؤلاء الشبان السوريين لا تتم معاملتهم بالطريقة ذاتها، ومن يتبع لوزارة الدفاع، يختلف عمّن يتبع لوزارة الداخلية، ويختلف عن مئات الآلاف الذين قاتلوا مع القوى العسكرية المشكّلة في لحظة الأزمة المسماة القوى الرديفة، وأبرزها «الدفاع الوطني». وعملياً، الجرحى التابعون للقوات العسكرية النظامية في الجيش السوري يحصلون على الطبابة والأدوية بشكل مجاني عبر المشافي العسكرية، مع مؤشرات على تراجع مستويات هذه الخدمات، كتخفيض عدد ساعات العلاج الفيزيائي، وتقليص تعويضات الأسر. أما القوى العسكرية الأخرى فلم يتم شملها بنظام التعويضات والمعاشات إلا عبر جملة من القرارات خلال العامين الماضيين، صدرت تعليماتها التنفيذية في العام الماضي، وحتى الآن يتم تجميع بيانات هؤلاء وإعادة دراسة ملفاتهم الطبية، عبر عرضهم على اللجان، لتتم إعادة تقييم درجة إصاباتهم وتخصيص معاشات لهم.
وِفق المنصات المعنية بهذا الشأن، فإن وزارة الدفاع مثلاً، وضعت قائمة بالمشمولين حتى الآن وفق القانون 26 لعام 2019 المسمّى تعدد الإصابة للجرحى العسكريين المسرّحين الذين تفرز لهم معاشات وتعويض إصابة، وضمت القوائم: 500 اسم فقط. بينما قوائم أخرى تابعة لمشروع جريح الوطن ضمت 2151 اسماً من قوات الدفاع الشعبي، وهؤلاء فقط جزء ممن سجّلوا أسماءهم، ومن المصابين بنسبة عجر بين 40-65%، وقد سبقهم 630 اسماً مسجّلاً من هذه القوات ومنضماً للمشروع، الذي أصبح يعتبر البوابة الرئيسية لعمليات إعالة الجرحى العسكريين. الأعداد الإجمالية غير معلنة، والإنفاق الإجمالي والمخصصات غير معلنة، بينما يتركز الكثير من الإعلان على اللقاءات والاستقبالات والتكريمات...
أخيراً، جرحى العجز الكلي من العسكريين في سورية أصبحوا يحصلون على تعويض معاشي يقارب: 120 ألف ليرة شهرياً، أما الجرحى بنسبة الإصابة بين 40-65% فأصبحوا يحصلون على تعويض 80 ألف ليرة شهرياً. ومقابل هذا التعويض ينبغي التذكير بأن تكلفة الغذاء الضروري لشخص واحد في سورية أصبحت: 133 ألف ليرة شهرياً، وبعد الزيادة فإن الشاب المصاب بعجز كلي في معارك سورية غير قادر على تغطية غذائه.

ملف الجرحى في سورية ملف واسع، وقد يكون واحد من أشمل الملفات التي طالت أضرارها كل المجتمع السوري يتشاركون على اختلافاتهم المعاناة الكبيرة الناجمة عن إصابة وعطالة فرد من أفراد الأسرة في هذه الظروف الصعبة، وتحديداً إذا ما كان من الفئة الشابة وفي مقتبل العمر. أكثر من 3 مليون ونصفهم مع إعاقة دائمة سيحتاجون إلى برامج إغاثة اجتماعية شاملة وواسعة تحصص لها موارد مالية وقوى بشرية في مرحلة لاحقة. هؤلاء اليوم يعيشون حالة انتظار أقسى مما نعيشه جميعاً، بينما تعمل على الأرض مشاريع مجتزأة ودعائية لا يعوّل عليها، وهي حتى الآن تخصص جهودها لجزء من الجرحى مقتصر على العسكريين، وتغطي أعداداً قليلة من تعداد هؤلاء الشباب المعطلين، وتؤمن لهم مبالغ لا تستطيع أن تغطي حاجات غذاء شخص في سورية بينما حاجات العاجز جزئياً أو كلياً تفوق حاجات الغذاء بكثير!

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 20:48