المرونة الاقتصادية الروسية والصينية برعاية التخطيط الحكومي
سيرجي أفتسيف سيرجي أفتسيف

المرونة الاقتصادية الروسية والصينية برعاية التخطيط الحكومي

أجرت شبكة guancha الصينية مقابلة مع سيرجي أفتسيف، نائب مدير معهد بريماكوف للاقتصاد العالمي، للحديث عن الأسباب الكامنة وراء مرونة روسيا الاقتصادية في وجه العقوبات الغربية، من أجل أخذها في الاعتبار والاستفادة من هذه التجربة. إليكم بعضاً ممّا جاء في اللقاء:

ترجمة: أوديت الحسين

  • لنبدأ بالعقوبات الغربية. رغم أن هذه العقوبات تغطي مجموعة واسعة من البلدان والمجالات، فإن الاقتصاد الروسي نما بنسبة 3.6% في 2023. ووفقاً لتعادل القوة الشرائية، فقد أصبح أكبر اقتصاد في أوروبا. كما أن السياسة والمجتمع الروسي مستقران للغاية. هل يمكننا أن نقول إنّ العقوبات لا فائدة منها؟

هل العقوبات الغربية فعّالة ضد روسيا؟ في الأساس، العقوبات هي سياسة خارجية وليست أداة للسياسة الاقتصادية، وهدفها الرئيسي هو تغيير سياسات الدولة المستهدفة. من هذا المنطلق فقد فشلت العقوبات الغربية بشكل تام. يمكننا حتى أن نقول: إنّ العقوبات الغربية تُزوّد القيادة والشعب الروسي بدليل آخر على أن روسيا لا ينبغي أن تتغير، سواء في سياساتها الخارجية أو الداخلية.

أمّا لماذا تفشل العقوبات في تحقيق الأهداف السياسية الغربية؟ اسمحوا لي أن أتحدث عن أربعة من أهمها، الأول: هو وفورات الحجم. لعقود من الزمن، كان الناس يتصورون أن روسيا اقتصاد صغير مفتوح يعتمد على الأسواق الخارجية، وأنها لا تستطيع التأثير على أي شيء على نطاق عالمي. بدت هذه الأفكار خاطئة تماماً بعد تطبيق العقوبات، وأحدثت العقوبات الغربية تغيّراً هائلاً في الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الموارد العالمية والمواد الخام المهمة. الأهم هو النفط والغاز. بمعنى ما، أدت العقوبات الغربية ضدّ روسيا إلى إعادة تشكيل سلاسل القيمة على نطاقات قارية متعددة. علاوة على ذلك، يبدو أن روسيا قادرة ليس فقط على التأثير على الأسواق العالمية من خلال مواردها التصديرية، بل وأيضاً استخدام مواردها التصديرية لإصلاح اقتصادها وإعادة هيكلته لمواجهة التحديات الجديدة.

السبب الثاني: هو أن روسيا سارعت إلى تعديل بنية تجارتها الخارجية، وتعزيز التعاون مع الدول أو المجموعات الاقتصادية النامية للتعويض عن خسائرها في السوق الغربية. أستطيع أن أعطيكم مثالاً، لقد شاركت في تطوير وتنشيط القطاع الخارجي لمدة ربع قرن. منذ بداية الألفية، أوصينا في كل مشروع أو استراتيجية لتنمية القطاع الخارجي بتعزيز صادرات النفط الروسية إلى الهند. ولكن لمدة 20 عاماً، لم يتم اتخاذ أي إجراء في هذا المجال، بسبب التكاليف المرتفعة والمخاطر العالية، وانعدام الأمن الشديد واحتمال عدم وجود خطوط أنابيب للنفط. بالنسبة للمصدرين الروس، تعتبر طريقة العرض هذه غير تقليدية، وبالتالي يكاد يكون من المستحيل تحقيقها. ومع ذلك، بعد أن فرض الغرب عقوبات على روسيا في عام 2022، بدا أن تعديل سلسلة توريد النفط استغرق أقل من نصف عام، وأصبحت الهند واحدة من أهم الشركاء التجاريين لروسيا.

العامل الثالث: والذي ربما كان العامل الأكثر مفاجأة لأغلب المراقبين الغربيين، فيتعلق بجودة السياسة الاقتصادية. ووجدوا أن روسيا قادرة على صياغة سياسات اقتصادية معقولة وكافية لمواجهة تحديات ضغوط العقوبات. وأخيراً، يرتبط العامل السابق باستقرارنا السياسي. فبشكل عام، لم نشهد أي اضطرابات سببها عملاء سياسيون غير مسؤولين، ولا يمكن لأي منهم أن يهدد استقرارنا السياسي حقاً. بل إن الأمر على العكس من ذلك، إذ يشعر الشعب الروسي على نحو متزايد بأن فشل الشعارات الاستراتيجية التي أعلنها خصومنا يهدد أسلوب حياة مواطنيهم، ورفاهتهم، ومستقبلهم.

  • بالنسبة للصينيين، عند مراقبة استراتيجية روسيا في التعامل مع العقوبات، فإنّ الشيء الأكثر أهمية هو ما يمكن أن تتعلمه الصين من روسيا من أجل التعامل بشكل أفضل مع العقوبات الأكثر شدة والمحتملة في المستقبل. هل لديك أي اقتراحات في هذا الشأن؟ وماذا عن تحوّل الاقتصاد الروسي إلى عسكري؟

لدى الصين وروسيا تجارب مختلفة في العديد من الجوانب. أولاً: الاستعداد لتأثير تجميد الأصول الأجنبية في جمهورية الصين الشعبية. إذا تمّت مصادرة الأصول الروسية في الخارج «في 7 آذار، أصدر البرلمان السويسري قراراً بمصادرة احتياطيات البنك المركزي الروسي البالغة 8.81 مليارات دولار أمريكي، والأصول التي جمدتها البنوك السويسرية لدعم أوكرانيا»، فسيكون لذلك أثر سلبي. هذا يعني أن الولايات المتحدة قد تستخدم هذه الأداة أيضاً لابتزاز الحكومة الصينية، وإجبارها على التخلي عن السياسات التي لا تحبّها الولايات المتحدة.

تعادل خسائر روسيا الفائض التجاري الروسي في الأحد عشر شهراً الأولى من عام 2022. لذا، إذا كانت لدى روسيا فكرة إصلاح احتياطياتها الدولية، فسيكون من السهل القيام بذلك. ولكن بالنسبة للصين، فإن المبالغ المعنية أعلى بكثير.

الأمر الآخر، هو مدى مشاركة بلدينا في الاقتصاد العالمي. تتألف صادرات روسيا في الأساس من المواد الخام والسلع المصنعة المماثلة التي تحتاج إليها العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم. وتستطيع روسيا بسهولة أن تجد شركاء لإعادة تشكيل التوزيع الجغرافي لصادرات روسيا من الطاقة. بينما تصدّر الصين في الأساس منتجات مصنعة ذات قيمة مضافة عالية، وتُعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الوجهتين الرئيسيتين لصادراتها. وسوف يكون من الأصعب على الصين أن تجد سوقاً بديلة ذات حجم مماثل.

هناك أيضاً أوجه تشابه واضحة بين البلدين في بعض المجالات، مثل: التركيز على السوق المحلية. لقد بدأت الصين في تنفيذ استراتيجية للتعامل مع العقوبات. وأعتقد أن استراتيجية التداول المزدوج تشكل عنصراً أساسياً لتمكين الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية من مقاومة العقوبات بطريقة أكثر ملاءمة. كما أنّ النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع سياسات الاقتصاد الكلي السليمة مثيرٌ للإعجاب. لا نزال نتذكر كيف استجابت الهيئات التنظيمية الصينية لصدمات السيولة في أسواق الأسهم والصرف الأجنبي في عام 2015. والآن، لدينا خبرة سياسية في التعامل مع صدمات السيولة في عام 2022. إنّ السياسات التي تنتهجها الحكومة سوف تكون فعّالة حتى عندما يتعرض الاقتصاد الصيني لضغوط ناجمة عن العقوبات الغربية. على الرغم من أن خصومنا يبحثون عن طرق لدقّ إسفين بيننا وبين شركائنا، فشركاؤنا جميعهم كيانات اقتصادية عقلانية.

أمّا بالنسبة لتحوّل الاقتصاد الروسي إلى المسار العسكري، فهذا مجرّد هراء. الاقتصاد الروسي يعمل بشكل طبيعي للغاية. وفي السنوات العشرين أو حتى الخمس والعشرين القادمة، ستكون لدينا أولويات حكومية مختلفة في مراحل مختلفة من التنمية. إحدى أولويات حكومتنا الآن هي دعم صناعة الدفاع. الإنفاق الحكومي هو الأساس: في الموازنات الحكومية قبل بضع سنوات، كانت النفقات الحكومية تستخدم لبناء البنية التحتية ونفقات الرعاية الاجتماعية، وهي كلها مصادر للطلب المحلي. تحولت الأولويات الآن إلى المجال العسكري والأمني، الذي أصبح مصدراً مهماً للطلب المحلي. وإذا توقف القتال ولم تعد هناك حاجة للتمويل والإنفاق العسكري والأمني، فإن الإنفاق الحكومي سيتحول إلى أولويات أخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:42