قراءة في بيانات 2023: الأزمة أشد والتراجع الاقتصادي تعززه السياسات

قراءة في بيانات 2023: الأزمة أشد والتراجع الاقتصادي تعززه السياسات

تقدّم البيانات صورة قريبة للأوضاع الاقتصادية المريرة التي تعصف بالشعب السوري، فالتراجع الاقتصادي في سورية يظل أمراً لا ينكر ولا يُخفى. حيث لا يقتصر دليل هذا التدهور على دراسات الخبراء والمحللين، بل يتجلى أيضاً في الأرقام الرسمية التي تصدرها الحكومة، بما في ذلك الأرقام المتعلقة بالموازنات العامة للدولة. ومع ذلك، يصر أصحاب القرار في البلاد على تقديم صورة مختلفة، ويحاولون بكل جهد تلوين الواقع بألوان زائفة.

ليست موازنة عام 2023 استثناءً من هذا السياق، بل هي دليل جديد على الحالة الاقتصادية المأساوية التي يواجهها السوريون.
في هذا الصدد، قامت منظمة اليونيسيف، بإصدار تقريرٍ لها بعنوان «موجز الموازنة العامة للدولة في الجمهورية العربية السورية للعام 2023»، حيث ألقت الضوء على بعض بيانات الموازنة والوضع الاقتصادي بشكل عام في سورية خلال سنوات الأزمة. وفيما يلي نقدم قراءة في بعض البيانات الواردة في التقرير المذكور:

تركيب الناتج المحلي الإجمالي عامي 2010 - 2021

تغير تكوين الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ بين عامي 2010 و2021 (أنظر الشكل رقم 1)، حيث شهدت حصة قطاع الخدمات (الخدمات الحكومية وخدمات النقل والتخزين والاتصالات) من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً كبيراً من 27% في عام 2010 إلى 53% في 2021. أما حصة القطاع الصناعي والتعدين والمحاجر فقد انخفضت انخفاضاً حاداً من 24% في عام 2010 إلى 10% فقط في عام 2021. وخلال الفترة ذاتها، انخفضت حصة التجارة من 20% إلى 16%، وحصة قطاع الزراعة والغابات والثروة الحيوانية من 16% إلى 14%.

1173a

سورية تشكل مفارقة عالمية في أسعار الغذاء

كثيراً ما نسمع من الحكومة حججاً مختلفة لتبرير ارتفاعات أسعار المواد الغذائية في البلاد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تبعات الحرب في أوكرانيا.
لكن المفارقة التي توضحها البيانات هي أن أسعار المواد الغذائية في سورية ارتفعت بشكل أسرع من الارتفاع العالمي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وكمثال على ذلك، سجّلت أسعار سلة الغذاء (المعتمدة وفق تصنيفات الأمم المتحدة) في سورية ارتفاعاً بالقيمة الدولارية بنسبة 84% بين شهري شباط وكانون الأول من العام 2022 (أنظر الشكل رقم 2). لكن في الفترة ذاتها، انخفض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار المواد الغذائية بالدولار الأمريكي بنسبة 6.7%.

1173b

2023: حصة الأجور تتضاءل... والإنفاق الاستثماري يتراجع

تضاءلت حصة أصحاب الأجور من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023 بشكلٍ حاد، حيث لم تتجاوز 16% من الناتج، ما يعني أن حصة أصحاب الأرباح تصل فعلياً إلى 84% (أنظر الشكل رقم 3).
ومع تراجع الإنفاق الحكومي العام في سورية، من الملاحظ استمرار ارتفاع نسبة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري (أنظر الشكل رقم 4)، فوسطياً، كانت حصة الإنفاق الاستثماري في سنوات 2015-2019 نحو 26%، ثم تراجعت إلى 22% في سنوات 2020-2022، أما في عام 2023 فانخفضت النسبة إلى 18% فقط. وفي المقابل، ارتفعت حصة الإنفاق الجاري من 74% في سنوات 2015-2019، إلى 78% في سنوات 2020-2022، وصولاً إلى 82% في موازنة 2023.

1173d

التراجع الفعلي لاعتمادات جميع المجالات الحيوية

ضمن بند الدعم الاجتماعي في موازنة 2023، هنالك اعتمادات بمقدار 4.5 تريليون ليرة سورية، مخصصة لدعم المشتقات النفطية والطحين والخميرة. وتمثل الاعتمادات المخصصة لدعم المشتقات النفطية والغذاء 29% من الموازنة العامة للدولة في العام 2023، مقارنة بـ38% من الموازنة العامة للدولة في العام 2022، ما يمثل انخفاضاً بنحو 9% بين العامين.
تشير موازنة الدولة للعام 2023 على تراجع الاهتمام بقطاع التربية. حيث انخفضت مخصصات قطاع التربية بشكل كبير خلال الأزمة. ومن 2019 إلى 2023، انخفضت الحصة المخصصة للقطاع من 5.8% من إجمالي الموازنة إلى 3.8%، بعد أن كانت تشكل 7.1% في 2011. وبالقيم الحقيقية، شكلت مخصصات القطاع في 2022 نحو 26% من مخصصاته في العام 2019.
على هذا النحو، انخفضت مخصصات قطاع الشؤون الاجتماعية بشكل كبير طوال فترة الأزمة. حيث انخفضت الحصة المخصصة للقطاع من 0.09% من إجمالي الموازنة إلى 0.05% بين عامي 2019 و2023، بينما كانت 0.18% في العام 2011.
وبالقيم الحقيقية، كانت مخصصات القطاع للعام 2022 أقل بنحو 4.8 مرات مما كانت عليه في العام 2019.
تؤكد موازنة الدولة للعام 2023 أيضاً على ضآلة حصة قطاع المياه والصرف الصحي أيضاً. فمن 2019 إلى 2023، انخفضت الحصة المخصصة للقطاع بنحو النصف، أي من 1.96% من إجمالي الموازنة في 2019 إلى 0.75% في 2022، قبل أن ترتفع قليلاً إلى 0.96% في العام 2023.
وكانت مخصصات العام 2022 قد انخفضت بنسبة 27% بالقيم الحقيقية مقارنة بالعام 2021. وقد كانت هذه الحصة تبلغ 3.31% في العام 2011. وبالقيمة الحقيقية، فإن مخصصات القطاع للعام 2022 أقل بخمس مرات مما كانت عليه في العام 2019.
أخيراً، يجدر التذكير أنه منذ زمنٍ طويل، تتسم الموازنات السورية المعلنة بفارقٍ كبير جداً بينها وبين قطع الموازنات (أي الفرق بين ما تعلنه الحكومة من نوايا للإنفاق وتحصيل الإيرادات في الموازنة المعلنة، وما تنفقه وتحصّله من إيرادات فعلياً في نهاية العام، وهو ما يسمى بقطع الموازنة)، وبالتالي، لا يمكن الاعتماد على هذه الأرقام المعلنة سوى في حدود التقريب والقياس، أما الواقع الحقيقي، فهو ذلك التراجع الفعلي الذي يلمسه السوريون يومياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:27